قول الرئيس الفرنسي جاك شيراك خلال زيارة رئيس الحكومة الأفغانية الموقتة حميد كرزاي الى باريس، ان لا خلاف فرنسياً - أميركياً حول الحرب على الارهاب ومساهمة فرنسا في كل ما طلبته الولاياتالمتحدة في حربها في افغانستان، لا يعكس تناقضاً مع انتقادات وزير الخارجية هوبير فيدرين للسياسة الأميركية. فما قاله فيدرين لرئيس تحرير "هيرالد تريبيون" ديفيد اغناكيوس عن ضرورة استخدام الولاياتالمتحدة سلطتها ونفوذها، كدولة عظمى، بمسؤولية لا يعتبر ان الجدل الاميركي - الفرنسي حول هذا الموضوع ناتج عن خلاف أو توتر في العلاقات. بل ان الوزير الفرنسي أكد ان مثل هذا الجدل "شرعي وصحي". هذا ينطبق ايضاً على الوضع في الشرق الأوسط، حيث تقاوم فرنسا بشجاعة سياسة أميركية خطيرة تكتفي بممارسة الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وتربك حلفاء الولاياتالمتحدة الأوروبيين من جراء دعمها لسياسة شارون الانتحارية بالنسبة الى اسرائيل والشعب الفلسطيني والمنطقة بأكملها. والموضوع الآخر الذي يشغل بال المسؤولين الفرنسيين، هو احتمال قيام الولاياتالمتحدة بتوجيه ضربة عسكرية للعراق، وايضاً النيات الاميركية بالنسبة الى نظام صدام حسين. الجميع في فرنسا متفق على أن نظام العقوبات في العراق فشل، وأن الأوضاع الانسانية للشعب العراقي لا تحتمل وأن المستفيد الأول من العقوبات هو نظام صدام حسين. وقد أتاح توافق شيراك وجوسبان في هذا الشأن إمكان ان يتولى فيدرين الملف العراقي على مدى السنوات الخمس الماضية بنوع من الاستقلالية. الجميع في فرنسا مدرك صعوبة التخلص من نظام صدام حسين، عبر ضربة عسكرية توجه الى العراق. والتخوف الفرنسي على هذا الصعيد مطابق لتخوف الأردن والدول الأخرى التي تعبر عن قلق بالغ حيال سياسة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني وفريق البنتاغون الداعية الى ضرب العراق. وتعتبر الدول الأوروبية وفي طليعتها فرنسا، ان نظام صدام حسين تسبب بمأساة لشعبه وشعوب المنطقة، إلا أنها جميعاً لا تثق بالأسلوب الأميركي في التعامل معه. وكان وزير التعاون الفرنسي شارل جوسلان استخدم عبارة "ديبلوماسية تكساس" لوصف التعامل الأميركي مع العراق والضربة المحتملة ضده، التي رجح مصدر ديبلوماسي مطلع انها قد تتم في كانون الأول ديسمبر المقبل. هناك ادراك دولي بأن انهيار نظام صدام حسين غير ممكن إلا عبر عملية احتلال مباشرة للأراضي العراقية. ووفقاً لمصادر عراقية مطلعة فإن الرئيس العراقي جعل من حرسه الجمهوري، خط دفاعه الأول، تليه العشائر التي عمل بنفسه على اختيار قادتها، ومن ثم حزب البعث. ويثير تركيز صدام حسين على حرسه الجمهوري تململاً في أوساط الجيش العراقي، الذي يشكك الرئيس العراقي به، كونه القوة الوحيدة المنظمة في العراق، في غياب البدائل الأخرى التي يمكن أن تحل محل النظام الحالي، على غرار تحالف الشمال في افغانستان. وتدرك فرنسا مدى خطورة السعي الى تبديل النظام في العراق والعواقب التي قد تترتب عن ذلك، ولذا فإنها تحذر من مجازفة أميركية تشكل خطراً كبيراً على المنطقة، على رغم ادراكها الظلم الذي يعانيه الشعب العراقي من هذا النظام. رندة تقي الدين