لا شك أن تداعيات هجمات 11 ايلول سبتمبر عام 2001 على الولاياتالمتحدة أثرت بشكل كبير في المملكة العربية السعودية سياسياً وأمنياً. ولعل التأثير السياسي الأكبر كان في علاقات السعودية مع الولاياتالمتحدة التي شهدت خلال العام المنصرم الكثير من الشد والجذب بسبب الحملات الاعلامية والسياسية الاميركية المناهضة للسعودية، فتارة يزعم الاميركيون ان الفكر الوهابي هو بذرة الفكر المتطرف الذي يولد الارهاب، وتارة اخرى يزعم الاميركيون أن سعوديين كباراً ورجال اعمال منهم زوجة السفير السعودي لدى واشنطن يقدمون مساعدات مالية للارهابيين. والغريب في الأمر أن هذه الاتهامات التي تروِّجها وسائل الاعلام الاميركية تأتي في الوقت الذي يصرح مسؤولون اميركيون ومنهم وزير الخارجية كولن باول بأن السعودية من اهم الدول المتعاونة مع واشنطن في مكافحة الارهاب. وكان من الممكن ان تكون العلاقات بين الرياضوواشنطن أسوأ لولا الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي للولايات المتحدة في شهر نيسان ابريل الماضي ولقاؤه المهم مع الرئيس بوش في مزرعته في تكساس، وساهمت هذه الزيارة بتخفيف الحملة الشعواء على السعودية التي برزت بعد هجمات 11 ايلول والتي شارك خمسة عشر سعودياً بتنفيذها. وإذا كانت هجمات 11 ايلول سببت فتوراً أميركياً تجاه السعودية، فإن التأييد الأميركي اللامحدود لحكومة شارون في سياستها القمعية ضد الفلسطينيين عزز مشاعر النقمة لدى السعوديين تجاه الادارة الاميركية… ويأتي قرع واشنطن طبول الحرب على العراق ليزيد من تعقيد العلاقات بين العاصمتين السعودية والأميركية، فواشنطن تريد استخدام التسهيلات والأراضي السعودية في حربها ضد العراق… والسعودية لا تستطيع ان تمنح الاميركيين كل ما يريدون بسبب حساسية الاوضاع الداخلية والشعور الشعبي العام الرافض لضرب أي بلد عربي أو مسلم، ومن أجل ذلك تعلن الرياض عدم موافقتها على استخدام أراضيها لضرب العراق، ولكن هل تستطيع مواجهة الضغوط الاميركية في ما إذا اتخذت واشنطن قرار الحرب ضد العراق وهو قرار لا يتمناه السعوديون بسبب المخاوف من تطورات الحرب وانعكاساتها ومستقبل الوضع في المنطقة. على الصعيد العربي، نجحت السياسة السعودية في اطلاق مبادرة ولي العهد السعودي للسلام في منطقة الشرق الاوسط، ونجحت في اقناع العرب بتبني هذه المبادرة في قمة بيروت العربية في شهر مارس آذار الماضي. وتعاطف المجتمع الدولي مع هذه المبادرة، خصوصاً الدول الأوروبية، لكن يبدو ان اسرائيل والبعض في الادارة الاميركية لا يريدون هذه المبادرة التي يقر فيها العرب للمرة الأولى بأمور مهمة، منها مبدأ التطبيع الكامل للعلاقات مع اسرائيل مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل واقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة. ومع استمرار الدعم السعودي للفلسطينيين الذين يواجهون العدوان الإسرائيلي رأينا الرياض تنسق بشكل أكبر مع القاهرة لمواجهة الاوضاع العربية المتردية وكذلك مع دمشق. ولكن هل يستطيع التنسيق السعودي - المصري بشكل خاص، والتنسيق العربي بشكل عام مواجهة سياسة الهيمنة الاميركية على المنطقة؟، سؤال يطرح نفسه في الرياض وسط مشاعر متشائمة.