في 11 ايلول سبتمبر من العام 2002، لم تختلف مشاعر التضامن في العالم العربي مع ضحايا تلك الهجمات من المدنيين الأبرياء، بل ان الذين ذُهلوا، العام الماضي من مشاهد ما خلّفته الهجمات تذكروا تماماً بعد عام حال الذهول التي اصابتهم، سواء كان ذلك لأسباب انسانية ام لأسباب منطقية. وحتى أكثرية من يكنون العداء لأميركا اصيبوا بالإحباط جراء عبثية تنظيم "القاعدة" وعدمية التفكير الذي يحمله، في محاربة الدولة العظمى. فهي عدمية انطلقت باسم الإسلام والعرب، لكنها ترتد عليهم ضرراً أكيداً. وما حصل بين 11 ايلول 2001 والذكرى السنوية الأولى، في العالم، وفي فلسطين، لا يحتاج الى كبير عناء من اجل التأكد من فداحة هذا الضرر. في 11 ايلول من العام الماضي وبعده استمرت مشاعر المتضامنين وحال الذهول قائمة الى ان انتقل الاهتمام الى ما يفرض نفسه من احداث: حرب افغانستان، الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وبينهما وقائع الحرب على الإرهاب، التي اخذت في طريقها، داخل الولاياتالمتحدة الأميركية وأحياناً خارجها، الأبرياء وأدت الى ترحيل الكثر من الطلبة العرب... هذا فضلاً عن التعبئة السياسية والإعلامية ضد "محور الشر" تمهيداً للحرب ضد العراق. ولذلك يختلف 11 ايلول العام 2002 عن الذي سبقه. لقد صنع رد الفعل الأميركي وقائع تتجاوز محاربة الإرهاب، باسم الحرب على الإرهاب، وأخذت تطغى في عقول العرب والمسلمين على اي مشاعر اخرى، بسبب المفاعيل التي تركتها. ولا حاجة الى غير قراءة تقارير الصحف الأميركية عن تصاعد النقمة العربية والإسلامية الى مستوى لم يسبق له مثيل ضد اميركا، حتى لو تذكرت نخب العرب والمسلمين مأساة 11 ايلول من كل عام بمشاعر التضامن. بل اكثر من ذلك اخذت تلك النخب تقتنع اكثر فأكثر بأن الإدارة الأميركية الحالية تعطي للفكر العبثي والعدمي لأسامة بن لادن مبرر الاستمرار، لأنها ترتكز الى الفكر الكلي المتشدد في حربها على الإرهاب، وترمي الى تغيير نمط عيش مجتمعات بأكملها وأنظمة تعليمها وتقاليدها وبعض معتقداتها، حتى الدينية لاعتقادها العميق، على رغم نفي ذلك، بأنها حرب حضارة ضد اخرى. وثمة نخبة، على قلتها، في الولاياتالمتحدة نفسها اخذت تستفظع هذا الفكر الكلي. في 11 ايلول الجاري، المختلف حكماً عن 11 ايلول من العام الماضي، تبدو الصورة قاتمة اكثر من تلك التي خلّفتها في النفوس آثار الدمار والموت مكان برجي مركز التجارة العالمي. بل ان الذين يخشون الإرهاب في العالم العربي والإسلامي، باتوا يشعرون بالعجز عن امكان مقاومة نشوء جيل جديد يرى في الإرهاب وسيلة مقبولة. وفي المقابل فإن اختلاف المشاعر بعد عام، بسبب اختلاف الوقائع، لا يعني أن لا رد لسياسة واشنطن، وهو لا يعفي النخبة العربية والإسلامية من الجهد لإجابة الأميركيين عن السؤال: لماذا يكرهوننا؟ ولا يعفي هذه النخبة من السعي الى استيعاب التطرف السياسي والتعاطي مع اسبابه، في الأنظمة السياسية والمجتمع. وهو لا يعفي ايضاً النخب والحكام من ان يصمدوا ويتشددوا في ممانعتهم للسياسة الأميركية الحالية، في فلسطينوالعراق... فبعض الأميركيين اخذ يستغرب تهاونهم.