قرأت على صفحات "الحياة" دراسة بعنوان "هل أسس الروائيون الكويتيون حركة أم أن الرواية صنيع أفراد؟" ويتضح من العنوان ان كاتبها يوجه اهتمامه الى فن الرواية بصفة خاصة، وفي حدود الكويت من دون غيرها. ولأي باحث ان يختار الظاهرة الأدبية التي تعنيه، او يشعر انها تستحق الاهتمام. ولكن بما انه باحث لا يجوز له ان يستبدل الادوار، او يسقط المساحات، او يغفل المسافات، او ينكر الوجود لمجرد ان هذا يعجبه وذاك لا يعجبه، لأنه الوجود الموضوعي هو الاولى بالرعاية. في تاريخ الرواية الانكليزية نجد الحرص على تحديد نقطة البداية. وهذه النقطة حق تاريخي لصاحب البداية، او صاحب السبق، حتى لو كان كتب محاولته المبكرة بأسلوب لم يعد يعجب احداً. وريتشاردسون وضع روايته المبكرة بعنوان "باميلا، في 1760. وبعده امتد العقد، وتفرع الى يومنا هذا. ولكن كل من يعرّج على تاريخ الرواية الانكليزية لا يفكر في إنكار حق ريتشاردسون في وضع الكلمة الاولى. وفي تاريخ الرواية العربية لا يزال اسم محمد المويلي، وروايته التي اخذت شكل المقامات، وهي بعنوان "حديث عيسى بن هشام"، يذكر، وينافس محمد حسين هكيل وروايته "زينب". وما اعنيه ان التاريخ امانة، والبحث العلمي امانة، والإلتزام بالحقائق ثقة وشهادة. فإذا اراد كاتب ما ان يغير او يحجب، فليكن هذا في ضميره او في اوراقه الخاصة. فحين نمسك بالقلم لنكتب الى الناس في صحيفة محترمة جادة، فالتزام الحقيقة، واحترام حقائق التاريخ، ليسا تطوعاً، بل هما واجب كوجوب الفرائض، ووجوب كلمة الحق امام القاضي. لأن محاولة التحريف او التزييف او الإنكار، اذ قال بها واحد، فسيقول بها غيره، بل آحاد من الناس. وإنني اعني، تحديداً، ما ذكرته الدراسة المشار اليها، ان الرواية في الكويت بدأت مسيرتها عام 1972. والحقيقة على خلاف هذا. وتحريك التاريخ الى 1972 بدلاً من 1971 انما حدث عن عمد لإسقاط رواية مطبوعة، منشورة ومقرؤة، وموثقة كرواية اولى لامرأة كويتية في كتابات النقاد والباحثين الذين ارخوا للأدب في الكويت. وهذه الرواية عنوانها "وجوه في الزحام"، من تأليف صاحبة التوقيع في آخر هذا المقال. ويفترض ان هذه الحقيقة موضع تسليم واعتراف. ولا ينبغي ان ننكر الوجود التاريخي لهذه الرواية، حتى لو لا تعجبنا، ولا تنطبق عليها مقاييس الفن الروائي السائدة اليوم. فهي كانت رواية بمقاييس زمانها. والفن الروائي لا يزال يتطور ويكتسب، صيغاً وأساليب مختلفة. وما نظنه جديداً مبتكراً اليوم يصبح تقليدياً في زمن مقبل. فهل يعني هذا اننا، كلما تقدم بنا الزمن، اقتطعنا من ماضينامسافة تساوي التقدم، فنظل مقيدين بدرجة الحضور الآني وحده، من دون ماضٍ ولا مستقبل؟ وأبدي استغرابي اسقاط اسماء كويتية كثيرة من الدراسة، ولها بصماتها في تاريخ الرواية الكويتية مثل طيبة الابراهيم، ولها عشر روايات، والدكتورة اقبال الغربللي، وسعاد الولايتي، وفيصل السعد، وهداية سلطان السالم، وغيرهم. مع العلم أن الباحث نشر دراسته في "الحياة" و"القبس" الكويتية، و"الاتحاد" الاماراتية. فلماذا تجاهل الباحث هذه الاسماء؟ ولماذا تجاهل ذاكرة التاريخ والآداب العلمية؟ أم اننا ادمنا اقامة مواسم الوهم، وإقامة اسواق في كل موسم لمجاملة اسماء على حساب الحقيقة؟ الكويت - فاطمة يوسف العلي قاصة وروائية وباحثة كويتية