كتب عبده وازن في العدد 13529 من جريدة "الحياة"، الصادر بتاريخ 27/3/2000 تعليقاً عنوانه: "الدكتور الذي أصبح... روائياً" تتعلّق بكتابي: "في بناء الرواية اللبنانية - 1972/1992". تتضمّن المقالة جملة أمور نحاول بيان حقيقتها في ما يأتي، مغفلين أسلوب التجريح والنيل من الكرامات. يقول عبده وازن، في مقالته - الافتتاحية: "لم يكن يعنينا ما ذهب اليه عبدالمجيد زراقط من أحكام وخلاصات في أطروحته الجامعية الضخمة..." "... التي أمعن فيها درساً وتمحيصاً". والسؤال الذي يطرح، في هذا المقام، هو: إن لم تكن الأحكام والخلاصات المتأتية عن الدرس والتمحيص في أطروحة جامعية ضخمة تعني من يكتب عن هذه الأطروحة في افتتاحية جريدة مثل "الحياة" فما الذي يعنيه إذاً؟ ما يعني وازن، كما تفيد قراءة مقالته، هو اختيار كاتب الأطروحة رواية للأستاذ الدكتور المشرف وليم الخازن ودراستها من بيناثنتي عشرة رواية اخرى تمّت دراستها في الأطروحة، إن اختزال الكلام على عمل متعدد الجوانب الى الكلام على جزئية هو تجنّ من دون ريب، ولكن قد يجد وازن أن هذا من حقّه، وهذا شأنه شريطة أن يقدّم معرفة بهذه الجزئية مستقاة من العمل نفسه، أما أن تسوِّل له مخيّلته اصطناع الافتراءات فهذا أمر لا يمكن قبوله، ويقتضي بيان حقيقته. في ما يتعلّق باختيار الرواية المعنيّة نقول: قد لا يعرف وازن أنّ شروطاً / مقاييس موضوعية تُعتمد في اختيار النماذج / موضوع الدراسة، منها في هذه الأطروحة: أن يكون الأنموذج رواية، وأن يكون قد صدر في الحقبة موضوع الدراسة، وأن يمثّل القضية التي تتم دراستها، وهي في هذه الأطروحة: "الحرب اللبنانية". والرواية المعنية تتوافر فيها هذه الشروط / المقاييس، وخصوصاً أنها تمثل وجهة نظر معينة، متميزة، الى الحرب اللبنانية.... قد لا يعرف وازن أن لجنة علمية تتألف من كبار الأساتذة في الجامعة تناقش المشروع المقدّم إليها لإعداد أي أطروحة، ومن المسائل التي تناقشها مسألة اختيار النماذج الأكثر تمثيلاً، وقد لا يعرف وازن أيضاً أن لجنة علمية تتألف من خمسة أساتذة على الأقل تقرأ الأطروحة قبل تقديمها للمناقشة، ثم تناقشها من مختلف جوانبها قبل أن تجيزها مما يعني أن اختيار النماذج ليس محصوراً بالمشرف والطالب، وأن أسساً علمية تعتمد في ذلك. يقول وازن: "حلّ الدكتور في الأطروحة - الكتاب، كروائي مجدّد، محل روائيّين لبنانيّين آخرين لم يخترهم المؤلّف - الطالب، ومنهم مثلاً سهيل إدريس وليلى بعلبكي وخليل تقي الدين وسواهم...". وقد لا يعرف وازن أن الحقبة الزمنية موضوع الدراسة تمتد من عام 1972 الى عام 1992، وأن انتاج الروائيّين المذكورين صدر قبل بداية هذه الحقبة. ولو كان وازن قرأ عنوان الكتاب، على الأقل، وهو: "في بناء الرواية اللبنانية - 1972/1992"، وليس "في بناء الرواية اللبنانية" كما ذكر حاذفاً الزمن، قصداً أو من دون قصد، لعرف سبب عدم اختيار هؤلاء الروائيين، ففيهما يتم تحديد الزمن. ثم يعود وازن ليقول إنّ المؤلّف "أتى على ذكر بعض هؤلاء الروائيين في مقدمته المختصرة جداً، ذات العنوان الفضفاض: في نشأة الرواية اللبنانية وتطوّرها". ما لم يعرفه وازن هو أن البحث في بناء الرواية اللبنانية، في حقبة زمنية دارت خلالها الحرب اللبنانية اقتضى كتابة "مدخل"، وليس "مقدمة"، كما ذكر وازن، تحت عنوان محدّد يبحث في قضيّتي النشوء والتطور، وتمثل هذا البحث - المدخل في اثنتين وستين صفحة من القطع الكبير، واعتمد منهجاً تاريخياً نقدياً في قراءة معظم الدراسات العربية والأجنبية المختصة بهذا الموضوع، وخلص الى نتائج جديدة مهدت لقراءة الروايات موضوع الأطروحة. وهذا يعني أن وازن لم يميّز بين المقدمة والمدخل ولكل منهما وظيفته، ويعني أيضاً أن العنوان لم يكن فضفاضاً، وأن المدخل لم يكن مختصراً جداً. يقول وازن إن الدكتور المشرف "حلّ في الأطروحة كروائي مجدِّد". ويقول: "غير أنّ المفاجئ هو تحوُّل هذا الدكتور الى ركن من أركان الرواية والى جهبذ من جهابذتها". ويقول: "أصبح روائياً بل رائداً من روّاد الرواية اللبنانية". تساءلت، وأنا أقرأ هذه الأحكام: هل يعقل أن يخترع إنسان أحكاماً وينسبها الى آخر، ثم يبني على أحكامه المخترعة مقالة!؟ ما لم يعرفه وازن هو أن الأطروحة تعتمد منهجاً علمياً، وصفياً تحليلياً تأويلياً، يصف الدالّ ليكتنه سرّ المدلول، وهذا المنهج لا يستخدم مثل هذه الأحكام، وليس في قاموسه مثل هذه العبارات. وما لم يعرفه وازن هو أن الأطروحة تصنِّف الرواية المعنيّة في الاتجاه التقليدي وليس في الاتجاه المجدِّد. يضع وازن عنواناً لمقالته هو: الدكتور الذي أصبح... روائياً"، ويقول: إن تواطؤاً حدث بين المشرف والطالب لاختيار رواية الأول أنموذجاً من النماذج التي تمثّل الحركة الروائية اللبنانية المعاصرة والحديثة، ثم يتخيّل علاقة تتيح للمشرف دخول التاريخ وللطالب تحقيق طموحه الى "الدكترة". ما لم يعرفه وازن هو أن الأطروحة لم تستخدم مصطلحي المعاصرة والحديثة في تسويغ اختيار النماذج، وهو إنّما أسقطهما من مخيّلته، وما يعرفه وازن هو أن "الدكتور" يمكن أن يكون روائياً... وفي تقديري أن لا سبب يمنع الأستاذ الجامعي من أن يكون باحثاً كبيراً وروائياً مبدعاً، إلا إذا كان وازن يريد أن يتّخذ تجاهل "المافيا" التي ينتمي إليها، والتي تحكم سيطرتها على كثير من المنابر الثقافية في هذا الوطن، مقياساً! ثم، وإن كان من تواطؤ بين الدكتور المشرف وطالبه، فما الذي يدفع الطالب الى اختيار رواية يعمل صاحبها في الصحافة، وبينهما، أي بين الطالب والروائي - الصحافي هذا، عداء مستحكم يعرفه وازن وكثير من القرّاء. إن ما دفع الطالب الى الاختيار في كلا الأنموذجين، وفي النماذج الأخرى جميعها هو المقاييس الموضوعية العلمية فحسب، وقراءة الأطروحة تشهد على ذلك.