يشعر المشاهد وهو يتابع القناة الفضائية السورية منذ فترة ليست بالبعيدة انها تحولت الى قناة اخبارية لكثرة ما تبث من نشرات الاخبار بلغات مختلفة عربي، عبري، انكليزي، اسباني، إضافة الى مجموعة كبيرة ايضاً من البرامج الاخبارية والسياسية على اختلاف اشكالها. واللافت في الامر ان هذه القناة كانت حتى فترة قريبة منذ عام تقريباً غير قادرة على التخلص من الآليات والضوابط التي حكمتها منذ انطلاقتها العام 1995 مع الأخذ في الاعتبار ان هذه الضوابط هي ذاتها التي كانت مفروضة على القناة الارضية منذ امد بعيد. وما من شك في ان الفضائية السورية شهدت انفراجاً كبيراً على صعيد التخلص من تلك القيود بفعل التغييرات والاصلاحات التي شهدتها البلاد منذ انتخاب الدكتور بشار الأسد رئيساً للبلاد. إلا ان ثمة ما يستدعي التوقف، او بمعنى ادق اعادة تقويم التجربة على صعيد الخطاب الاعلامي السياسي لمعرفة هل استطاعت الفضائية السورية حقاً تنفيذ خطة اعلامية جديدة واضحة المعالم والأبعاد، ام ان العملية ليست سوى عبارة عن حقل تجارب تغيب عنه أي رؤية. بعيداً من الكلام العام الذي يسوقه المسؤولون عن وطنية الاعلام السوري الذي لا يشكك فيها على أي حال، تنبغي اعادة طرح القضية من جذورها اذا ما اراد القائمون على الفضائية السورية ان يحصدوا النتائج المرجوة. فعلى اعتبار ان هذه القناة جزء من المؤسسات الاعلامية الرسمية لا يجوز تغييب التساؤل الرئيس هنا وهو: هل ما زال الاعلام الرسمي قادراً على المنافسة في عصر الفضائيات الخاصة والانترنت وغيرها من مصطلحات عصر العولمة؟ الاجابة تستدعي دراسة مطولة، الا انه يمكن الحديث حتى اليوم عن مساحة لا تزال الفضائيات الرسمية تحتفظ بها لنفسها. ولكن السؤال هو عن مدى مقدرة هذه الفضائيات على الحفاظ على هذه المساحة ليس بالمعنى الكمي طبعاً وإنما الكيفي. كان لا بد بعد اطلاق قناة "الجزيرة" القطرية ان تعيد غالبية المحطات الرسمية العربية تقويم ادائها وتجربتها. ف"الجزيرة" استطاعت خلال فترة قياسية ان تتحول الى واحدة من اهم المحطات الاخبارية، ليس عربياً وحسب بل عالمياً. وبالتالي لم تعد المقارنة كما كانت في السابق محصورة بين الفضائية السورية وزميلتها المصرية او اليمنية او غيرها من المحطات الرسمية. اذ بات هناك مستوى لا يمكن غض الطرف عنه طالما هو قادر على اختراق كل بيت. على صعيد القناة الفضائية السورية تمثل الانفتاح في مجموعة من الامور كان يبدو مجرد التفكير فيها غير مقبول بتاتاً قبل سنوات قليلة. وتمكن ملاحظة البعض منها: - بث غالبية البرامج السياسية على الهواء مباشرة. - اجراء حوارات مع الاراضي الفلسطينية المحتلة. - اجراء اتصالات عبر الاقمار الاصطناعية او عبر الهاتف في مواضيع ذات حساسية سياسية بالغة. - بث نشرة اخبار باللغة العبرية. وقد تبدو هذه الامور بديهية للوهلة الاولى، الا ان مجرد العودة للوراء قليلاً تثبت عكس ذلك تماماً. اذ ان ما حصل على هذه الصعد يعتبر اختراقاً بكل معنى الكلمة للآليات التي كانت تحكم عمل الفضائية السورية. ولكن على رغم ازدياد مساحة الحرية الا ان مستوى معيناً من الأداء لم يتم الارتقاء اليه، وهو ما ينبغي تسليط الضوء، عليه في شكل مباشر لاستكشاف السبب. تبث القناة الفضائية السورية عشر فترات اخبارية عربية موزعة بين موجزات ونشرات وصحافة يومية، إضافة الى نشرات باللغات العبرية والانكليزية والاسبانية. وعلى صعيد البرامج السياسية هناك برنامج "دائرة الحدث" و"عبر الاطلسي" و"زوايا وأعمدة" و"العالم في اسبوع"، إضافة الى الندوات السياسية والحوارات الخاصة، وكل هذه البرامج يعاد بثها مرتين. يضاف الى كل ذلك ما يسمى برامج المناسبات الخاصة كذكرى الانتفاضة او المناسبات الوطنية. ويبرز ذلك كله اهتمام القائمين على الفضائية السورية بالأخبار والبرامج الاخبارية. لكنه للأسف لا يزال حتى اليوم اهتماماً بالكم على حساب المضمون. وقد تبدو المقارنة مفيدة في هذا المجال، فقناة "ابو ظبي" تعتبر واحدة من ابرز الفضائيات العربية. وتميزت بنشرة اخبارية ذات مستوى متقدم، لدرجة انها نافست في بعض الحالات قناة "الجزيرة". الا ان لدى مقارنة ساعات البث الاخباري بين قناة "ابو ظبي" و"الفضائية السورية" تفاجأ بالفارق الكبير لمصلحة هذه الاخيرة.