أشاع الاميركيون، ومعهم البريطانيون، ان الدول المجاورة للعراق التي شاركت امس في اجتماع اسطنبول، ستناقش موضوع خروج الرئيس العراقي صدام حسين الى المنفى كوسيلة للحيلولة دون شن حرب اميركية على بلاده لإطاحة نظام حكمه. ونفت الدول المشاركة في اجتماع اسطنبول تلك الإشاعة وأكدت ان أي تغيير في الحكم يجب ان يكون من داخل العراق لا من خارجه، وان الموضوع الوحيد على جدول أعمال اجتماعها هو سبل تجنب الحرب وإقناع العراق بالتعاون مع المفتشين الدوليين في تطبيق قرار مجلس الامن الرقم 1441، واقناع مجلس الامن بإعطاء مهلة زمنية كافية للمفتشين من دون الخضوع لأي أحكام مسبقة قد يصدرها الاميركيون على نتائج عمل المفتشين واستخدامها ذريعة لاشعال فتيل الحرب. ولكن يبدو ان لا أحد سيستطيع وقف العد التنازلي الاميركي لشن الحرب المقررة سلفاً، ربما من بداية تولي جورج بوش السلطة، وان الرئيس حدد فعلاً موعد الحرب ولم يبق سوى تصعيد وتيرة الهجوم على نظام الحكم العراقي وشخصنة الهجوم على رئيسه واختزال بلد بأكمله، بكل من وما فيه، في شخص رجل واحد لم يعد الامبراطور الاميركي يطيقه. لن يوقف الحرب الآتية اي احتجاج او اي مبادرة من الدول المجاورة للعراق او من الدول العربية ككل او من الدول الاوروبية، خصوصاً المانيا وفرنسا، التي تحبذ اعطاء المفتشين متسعاً من الوقت وتعتبر الحرب الخيار الاخير. لقد جاهر الاميركيون بأنهم سيحتلون العراق وانهم سيكونون قوة الاحتلال "التي ستحافظ على آبار النفط" في العراق بوصفها "امانة" للشعب العراقي على حد قول وزير الخارجية الاميركي كولن باول الاربعاء. والنفط العراقي في الحرب الآتية هو بيت القصيد، وهو الذي سيحتل الاميركيون العراق للسيطرة على حقوله وآباره وصناعته. والواقع ان رائحة الكاز والكيروسين والبنزين تفوح من اعضاء ادارة بوش جميعهم تقريباً، بدءاً بالرئيس ونائبه ديك تشيني، وصولاً الى مستشارته لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس وغيرها من المسؤولين في الادارة، الذين عملوا في مجال النفط ومع شركاته بصفة او باخرى. لكن "عبق" النفط الذي يفوح من اولئك المسؤولين الاميركيين لا يعني حرصهم على تحقيق منافع شخصية، فالامر يتعلق بالاستهلاك الاميركي المتزايد للنفط ورغبة الولاياتالمتحدة في تأمين امدادات نفطية خارجية مضمونة حتى لو عنى ذلك شن حرب كالآتية قريباً على بلد يعتبر هدفاً سهلاً مقارنة ببلد مثل كوريا الشمالية التي لا يصر الاميركيون على مواجهة عسكرية معها لانها، بعكس العراق، تملك فعلاً صواريخ طويلة المدى وقوة عسكرية كبيرة. ستحرص قوة الاحتلال و"حكومة" الاحتلال الاميركية على سلامة آبار النفط العراقية كما لو كانت آباراً اميركية. ولا ضير في ذلك اذا دفع الاميركيون ثمن ما يشترونه من نفط تلك الآبار للخزينة العراقية. لكن الكارثة التي سيجلبها الاميركيون للعراق تتمثل في بلايين الدولارات التي سيصرفونها على اعادة تأهيل صناعة النفط العراقية لزيادة انتاجها، وهي أموال سيوجّهون "الادارة العراقية" الطيعة المقبلة نحو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤسستين تسيطر عليهما واشنطن لاقتراضها. يضاف الى هذا ان واشنطن ستعمد الى اقتطاع تعويضات من عوائد النفط عن كلفة حربها على العراق! وتعويضات عن غزو العراق للكويت واي تعويضات أخرى تحلو لها كي يبقى العراق مرتهناً لها مضطراً للاعتماد عليها الى أمد طويل.