ستقود الولاياتالمتحدة، القوة التي غزت العراق واحتلت أراضيه بالقوة ودون موافقة من الاممالمتحدة، قوة لحفظ السلام في نفس البلد الذي تحتله بالقوة مسجلة بذلك اول سابقة في التاريخ. تتولى فيها قوة احتلال شنت حربا دون تفويض من الشرعية الدولية قيادة قوة حفظ سلام دولية. لقد انتصرت القوة على القانون والمبادئ بعد لعبة دبلوماسية استخدمت فيها كل اساليب الضغط والابتزاز والتهديد من اجل استصدار قرار من الأممالمتحدة يتعلق بالعراق على مدى أسابيع. وعلى الرغم من أنها قدمت بعض التنازلات الشكلية فإن واشنطن حصلت على ما كانت تريده عندما وافق مجلس الامن الدولي بالاجماع على قرار يوم الخميس الماضى يطلق يدها في ادارة شئون العراق. فالقرار الذي صدر دعا المجتمع الدولي إلى ما تسميه الولاياتالمتحدة الاسهام في جهود إعادة الاعمار في العراق. والحقيقة أن الحجج والمبررات التي قدمها وزير الخارجية الامريكي كولين باول في الخامس من فبراير إلى مجلس الامن الدولي، حيث استخدم شرائح فيلمية وتسجيلات لمكالمات هاتفية لاقناع العالم بأن صدام حسين كان يسعى للتكتم على مساعيه الرامية لحيازة أسلحة للدمار الشامل لم تقنع احدا ثم باتت في طي النسيان منذ فترة طويلة أو دفع بها على الاقل إلى الخلفية. وفي أواخر سبتمبر بدا ان الرياح تهب في اشرعة مراكب واشنطن وان الموائد تنقلب في وجه المعارضين للغزو ولخرق القانون الدولي والشرعية الاممية عندما ألمحت فرنسا وألمانيا وروسيا، وكلها دول عارضت الحرب، إلى أنها مستعدة لتنحية الخلافات جانبا والتحرك قدما. ومن ثم أبلغ الرئيس الفرنسي جاك شيراك نظيره الامريكي جورج بوش خلال اجتماع بين الزعيمين في مقر الاممالمتحدة أن فرنسا لن تستخدم حق الفيتو ضد القرار، وذلك على الرغم من معارضة شيراك خطة بوش بشأن عراق ما بعد الحرب. وهي معارضة لم يفهم قيمتها اذا كانت لا تؤثر على مجريات الاحداث. وتبع شيراك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فألمح إلى أن موسكو لن تصوت ضد القرار الامريكي، بينما أبلغ المستشار الالماني جيرهارد شرودر الرئيس بوش بان تضييق هوة الخلافات عبر الاطلنطي حول العراق أهم من انتصار الدول المناهضة للحرب في مجلس الامن.تسوية كان من الواضح انها قدمت المصالح على العدالة والمبادئ وحتى المواقف التي لم تعد تعني شيئا كانت واشنطن بحاجة إلى أغلبية بسيطة فقط من تسعة أصوات داخل مجلس الامن الذي يضم 15 دولة، وهي مهمة لم تكن شاقة على الولاياتالمتحدة بعد ان تعهد الثلاثة الكبار بالتزام الصمت وتمرير القرار الذي شارك كل من بريطانيا وأسبانيا الشريكين في الحرب في رعاية القرار: وامكن كسب اقناع بلغاريا والكاميرون العضوين في المجلس باسلوب يظل سرا تعرفه واشنطن. ولم تجد أنجولا وغينيا وكلتاهما تعتمدان إلى حد كبير على المعونات (الاجنبية) بدا من التصويت لصالح القرار الامريكي. وانحازت شيلي والمكسيك وباكستان في بادئ الامر إلى فرنسا وروسيا وألمانيا غير أنها تراجعت عن مواقفها لانها أدركت أن المعارضة الاوروبية سوف تتصدع وتعرف كيف يكون العقاب الامريكي فمن رأى وجرب ليس كمن سمع. ثم لحقت الصين بركب الاذعان لانها تدرك ان الذي يقف في الحلبة القوى الاعظم في العالم وليس احدا غيره. هذه التغيرات جعلت الدبلوماسيين الامريكيين يعلنون بثقة إن إدخال تغييرات مهمة على القرار أمر غير محتمل قبل التصويت، وذلك لانهم ضمنوا تسعة أصوات. فقد تخلت باريسوموسكو وبرلين عن مطلبها السابق. بأن تلعب الاممالمتحدة دورا سياسيا في عراق ما بعد الحرب وعن ضرورة وضع جدول زمني لتسليم السيادة إلى العراقيين. واكتفت بدعوة قوة الاحتلال لتحديد مهلة لتسليم السلطة إلى العراق. والخلاصة أن واشنطن عارضت كل مطالب المجتمع الدولي ولم تقدم تنازلا اكثر من وعد فضفاض.