يحار المرء إزاء ما يحدث هذه الأيام في بلدنا وأمام ما نفعله بأيدينا. فنحن نطمس هويتنا الثقافية التي عجز الاستعمار عن طمسها في أيام مضت، ونخرب ضميرنا القومي بأنفسنا. فثقافتنا القومية معرضة ولغتنا الى هجمة شرسة تفرض علينا حرباً ضروساً مع أنفسنا ومع الغير. فنحن نعترف بأننا متخلفون. نحن من أعطى الغير الفرصة لمحاكمتنا، بل وتصنيفنا في مصاف الدول العديمة التراث. والآخرون يعتبرون تراثنا الإسلامي وحضارتنا العربية يعوقان التنمية والتقدم في بلادنا. وإذا كان العدو يقف على الحدود ويستعد لتصويب بندقيته نحو ثقافتنا وتراثنا ويتحين الفرصة لتدميرنا، فإن هناك عدواً داخل الحدود لا يقل خطورة عن غيره، عدواً نصنعه بأيدينا ويعمل على طمس هويتنا ومسح ثقافتنا من على وجه الأرض، إذا تأملنا في أسواقنا وفي مطاعمنا فإننا نتعرف على عدونا. فمدننا تحولت الى نسخ من المدن الغربية. شوارعنا مضاءة بلوحات كتبت عليها لغات غير لغاتنا، وإعلامنا يروج لسلع غير سلعنا. لماذا نلجأ الى البضائع المستوردة؟ ولماذا لم نقلد المدن الغربية في تطورها وازدهارها، وفي نظافة شوارعها ونقاء جوها؟ اننا نأكل طعام الغربيين ونلبس لباسهم لكننا لم نسلك سلوكهم في التنمية والتطور. لقد أدرك اعداؤنا أننا شعب أكول، مولع بالطعام، فملأ أسواقنا بالمطاعم ومحال الوجبات السريعة، ونشر سلعه في أسواقنا، وطبق مقولة الطريق الى القلب المعدة. لقد اختصرنا على أعدائنا الطريق، فأصبح في غنى عن تسيير الجيوش وخوض المعارك لينشر قيمه الثقافية ومعاييره الفكرية في أرض غير أرضه. ومع الأسف، أكدت الإحصاءات ان الشباب العربي يقبل في شكل كبير على الأغاني والأفلام الأميركية. ولذلك فإن إحدى القنوات الفضائية العربية أنشأت قناة عربية فضائية تبث على مدار الساعة أفلاماً أميركية، و"فيديو كليب" عربياً بالخلطة الأميركية. وأصبحت المذيعات تتحدث العربية ممزوجة بالانكليزية وحلت كلمة "هاي" مكان "السلام عليكم". فكيف للأم أن تعلم طفلها نطق اللغة العربية؟ جدة - جلال بوشعيب فرحي [email protected]