في احدى روايات فيودور دوستويفسكي تطلق فتاة عبارة صارت شهيرة عن ان "من يهين انساناً لا بد ان ينال عقابه" اثناء محاكمتها لمحاولة اغتيال رئيس شرطة سان بطرسبرغ لأنه مارس التنكيل بسجين سياسي. غير ان مثل هذه الأصوات لم تعد مسموعة بعدما تبدلت أحوال روسيا وغدت اليوم غير ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، وهو الأمر الذي أظهرته بجلاء الحرب الدائرة منذ سنين في الشيشان. ودرجت لجان حقوق الانسان والمنظمات الدولية العاملة في الجمهورية الشيشانية على توجيه انتقادات مباشرة حيناً ومبطنة أحياناً الى السلطات العسكرية الروسية بسبب انتهاكات حقوق الانسان التي غدت ظاهرة مألوفة استمرت على مدار سنوات الحرب في غالبية المدن والقرى الشيشانية. ولم تكن هذه الانتقادات "بريئة" دائماً، فهي لم تخل في كثير من الأحيان من دوافع سياسية، ما دفع موسكو الى الامعان في تجاهل أصوات الانتقاد والقيام احياناً بعملية هجوم مضاد عبر توجيه الاتهامات الى جهات دولية وانسانية بمحاباة المقاومة الشيشانية أو حتى بدعم مطالب الانفصاليين. ولا بد من ان انطلاق الحملة الدولية التي قادتها الولاياتالمتحدة ل"محاربة الارهاب" وفّر للموقف الروسي روافد جديدة زادت من تصميم موسكو على ادارة ظهرها للمنتقدين. وهو ما ظهر من خلال تشديد الاجراءات الروسية في المناطق الشيشانية وبدء حملة واسعة تفاقمت خلالها معاناة المدنيين، اذ شرعت موسكو في ملاحقة أهالي المقاتلين ونسف منازلهم وشددت اجراءاتها الأمنية على الحواجز العسكرية. والملاحظ ان مراقبي الشأن الشيشاني اقتصروا في غالبية الاحيان على التركيز على المجريات الميدانية للمعارك وانصرفوا الى ابراز البيانات الرسمية لطرفي الصراع متجاهلين الاوضاع التي يعيشها المدنيون، وغدا ضحايا الحرب من هؤلاء مجرد ارقام جديدة تضاف الى سجلات المتحاربين. وانحصرت تغطية الاحداث الدائرة في الجمهورية الشيشانية بالحديث عن أنشطة بضع مئات من المسلحين فيما غاب عن الصورة مئات الألوف من المدنيين الذين تفاقمت اوضاعهم المعيشية في مخيمات اللاجئين وداخل المدن والقرى الشيشانية على السواء. ويروي الشيشانيون شهادات حية عن عسف العسكريين الروس خلال حملات التمشيط التي غدت يومية، إضافة الى أوضاع الاهانة والاذلال التي يتعرضون لها على الحواجز العسكرية الروسية ناهيك عن عمليات الخطف واختفاء المدنيين ليظهروا لاحقاً جثثاً في مكان ما وهو ما كشف عنه العثور على مقابر جماعية في أماكن مختلفة من الجمهورية الشيشانية. ولا تقتصر الانتهاكات على تجاوزات العسكريين لصلاحيتهم لكنها تعدت ذلك الى ارتكاب جرائم فادحة وصل الكثير منها الى ساحات القضاء. وقد تكون القضية التي باتت تعرف في روسيا باسم "قضية العقيد بودانوف" واحدة من أبرز الشواهد بسبب الشهرة الواسعة التي نالتها من جهة، وكونها غدت شاهداً على الانقسام الحاد في الشارع الروسي حتى في تناول الجانب الانساني للحرب الدائرة في الشيشان، خصوصاً بعدما فجرت القضية جدلاً ساخناً في الاوساط العسكرية والبرلمانية الروسية. ولعل أهمية قضية بودانوف تكمن في الملابسات التي رافقت محاكمته والتي تجلت خلالها المحاولات الحقيقية التي بذلت من أجل تبرئته ما دفع كثيراً من المراقبين الى اعتبار محاكمة بودانوف محاكمة للجيش الروسي كله ولسياسة موسكو في الجمهورية القوقازية. وقد تكون هذه المقارنة لعبت الدور الأساس في مجريات القضية الأشهر منذ اندلاع الحرب في القوقاز. قضية العقيد بودانوف في ليلة 26 - 27 آذار مارس عام 2000 كان العقيد يوري بودانوف قائد كتيبة الدبابات المرابطة قرب بلدة تانغي - تشو في منطقة أوروس مارتان الشيشانية يحتفل مع بعض عناصره بعيد ميلاد ابنته التي بلغت الرابعة من عمرها، وصادف اليوم نفسه ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في روسيا التي أسفرت عن فوز ساحق للرئيس فلاديمير بوتين ما أعطى للاحتفال زخماً أكبر. وقال بعض الشهود ان بودانوف أفرط تلك الليلة في شرب الكحول. وبحسب الناطق باسم قسم العلاقات العامة في النيابة العامة العسكرية أيقظ بودانوف قرابة الواحدة صباحاً، طاقم احدى العربات العسكرية واصطحبهم الى البلدة المجاورة، وهناك اقتحم منزل آل كونغايف، وتحت تهديد السلاح خطف ابنتهم ايلزا 18 سنة أمام أنظار اخوتها الاربعة ونقلها الى موقع الكتيبة. ويبدو من الصعب التحقق مما حدث داخل غرفة العقيد في الساعات اللاحقة لأن أقوال الشهود تبدلت بعد ذلك مرات عدة، لكن الثابت في محاضر القضاء ان بودانوف استدعى حوالى الرابعة صباحاً حراسه وطلب منهم دفن جثة الفتاة التي كانت مسجاة وهي عارية تماماً في وسط الغرفة. وتنفيذاً للأمر "العسكري" لفّ الجنود الفتاة ببطانية ودفنوها في مكان قريب مع ملابسها التي كانت تحوّلت الى قطع ممزّقة. وأبلغ بودانوف المحققين في وقت لاحق انه كان يشك "منذ زمن" بكون الفتاة قناصة محترفة وانه حاول في تلك الليلة انتزاع اعتراف منها بأنها مسؤولة عن مقتل عدد من ضباطه، لكنه لم يتمكن من تفسير عدد من الملابسات التي شهدتها الليلة المشؤومة، ومنها قيامه بالتحقيق مع ايلزا داخل غرفته على رغم ان هذا ليس من صلاحيات المؤسسة العسكرية أصلاً وتوجيهه أوامر الى الجنود ب"عدم ازعاجه" خلال عملية التحقيق، اضافة الى تهديدهم ب"عدم الثرثرة" بما شاهدوه. والأهم من هذا كله ان "التحقيق" جرى بعد الواحدة صباحاً ووجدت الفتاة عارية بعده. ولعل أكثر ما أثار الاهتمام في تفاصيل القضية انه تم في ما بعد تجاهل عدد من هذه الوقائع، وقبلت المحكمة العسكرية بتفسيرات العقيد وحده الذي قال انه "اضطر الى قتل الفتاة" بعدما هددته وحاولت الوصول الى مسدسه. وأشار الى انه "فقد وعيه جزئياً" عندما لاحت أمام ناظريه "صور رفاقه القتلى" ولم يفق من حالته هذه الا بعد ان لفظت ايلزا أنفاسها بين يديه. وعلى رغم ان بعض من أثارتهم بشاعة الحادث لمح في الأيام الأولى بعد اعتقال بودانوف الى ان الأخير كان يتصرّف "بثقة من يؤمن بعمق ان احداً لن يحاسبه على فعلته". الا ان اللافت ان ثمة تحركاً عاجلاً بدأ منذ الساعات الأولى من أجل "لفلفة" الموضوع. ويكفي تتبع مسلسل الاحداث وتصريحات المسؤولين الروس في الأيام التي تلت الحادث لملاحظة التضارب الواضح بينها من جهة ومحاولة بعضهم وقف التحقيق حتى قبل بدايته من جهة أخرى. ففي 31 آذار، أي بعد أربعة أيام فقط على الجريمة أثبت الفحص الطبي الأولي ان ايلزا تعرّضت للاغتصاب قبل موتها، وأفاد محضر الكشف ان الفتاة اغتصبت بطريقة وحشية ثم ماتت خنقاً. وفي 7 نيسان ابريل قال الناطق باسم وزارة العدل غينادي ليسنيكوف ان "التحقيق ! أظهر ان الفتاة كانت قناصة محترفة". وأكد انها لم تغتصب قبل موتها. وفي اليوم التالي مباشرة كذب نائب رئيس ادارة العقوبات في النيابة العامة هذه المعلومات، وقال ان ادارته لم تقم بعد بالتحقق منها. وفي العاشر من نيسان أكد نائب رئيس النيابة العسكرية يوري ياكوفليف انه لا يوجد ما يثبت صحة ادعاء بودانوف بأن ايلزا "ارهابية" وأشار الى ان النتائج الأولية تؤكد واقعة الاغتصاب. وفي حزيران يونيو عام 2000 أجري أول فحص لقوى بودانوف العقلية واثبت تحمله مسؤولية افعاله. لكن فريق الدفاع عنه رفض النتائج وطالب باعادة الفحص. وفي شباط فبراير 2001 وُجهت رسمياً لبودانوف تهمة القتل العمد اضافة الى تهمتي الخطف وتجاوز الصلاحيات، فيما اسقطت المحكمة العسكرية التي بدأت النظر في القضية تهمة الاغتصاب لأن الفحص الشرعي الثاني أظهر ان ايلزا "تعرّضت لتحرش جنسي بعد موتها بفترة زمنية". فيما افترض المحققون انها كانت لا تزال حية طوال وجودها داخل غرفة العقيد المغلقة. ويجدر التوقف عند هذا التطور في قضية بودانوف. اذ انه شكّل نقطة تحوّل في مسارها، وبعدما نجح فريق الدفاع في استبعاد تهمة الاغتصاب عن بودانوف بدأت جهوده تتركز على نفي تهمة القتل العمد نفسها. اما في ما يتعلق بما وصف بأنه تحرش جنسي فقط، فقد ظهر فجأة احد معاوني بودانوف واعترف بارتكاب الجريمة ولم يلبث ان أفرج عنه بعد شهور لشموله بقرار عفو رئاسي، وانطلقت في هذه الاثناء حملة قوية داخل صفوف المؤسسة العسكرية ثم انتشرت لتشمل شرائح عدة في المجتمع الروسي، وبدا من الواضح ان هدف الحملة ينصب على تخفيف وقع فعلة بودانوف وصولاً الى اطلاقه. وكان من الجلي ان جهات عسكرية تخوفت من تحوّل محاكمة العقيد الى محاكمة لممارسات الجيش الروسي في الشيشان وهو ما يفسر تراجع اصوات عبرت في البداية عن اشمئزازها لبشاعة جريمة العقيد الروسي. اذ اعتبر رئيس الاركان أناتولي كفاشنين ان "جريمة بودانوف وحشية"، وهي "عار على القوات الروسية"، وفيها ازدراء لمشاعر الشعب الشيشاني. لكن حدة هذه العبارات لم تلبث ان تراجعت في شكل كبير في وقت لاحق. فقال وزير الدفاع سيرغي ايفانوف خلال لقاء مع رؤساء تحرير الصحف الروسية انه "انسانياً يشعر ببودانوف"، ووصفه بأنه "ضحية للأوضاع السائدة ونقص القوانين". ثم سار الراديكاليون في المؤسسة العسكرية خطوة اخرى وأرسل قائد القوات الفيديرالية آنذاك في الشيشان الجنرال شومانوف برقية الى والدي بودانوف قال فيها ان الاخير "بطل قومي يحق لكما ان تفخرا به". والمثير ان الحملة الواسعة التي بدأت لمناصرة بودانوف أسفرت بالفعل عن تحويل القاتل الى بطل قومي، وشاركت صحف روسية في نشاط اعلامي محموم ركز على "إنجازات" العقيد الروسي الذي كان حصل على وسامين قبل ذلك ل"شجاعته" كما أعلن عن فتح حسابات مصرفية لجمع التبرعات من اجل "انقاذه"، وانهالت رسائل التأييد له من مشجعين داخل الجيش وخارجه، وتزايدت الاعتصامات امام ابواب المحكمة العسكرية مطالبة بتبرئته من كل التهم في وقت لم تقم حتى أي منظمة نسائية بحملة تدعو الى الاقتصاص للفتاة القتيلة، وكان بودانوف وقضاته يقابلون على بوابة المحكمة بهتافات التأييد والتشجيع، ورفعت لافتة على باب المحكمة العسكرية التي نظرت في القضية في مدينة روستوف على نهر الدون كُتب عليها "الحرية للرجل الحقيقي" وتحولت مع الوقت الى واحدة من العلامات الثابتة في المنطقة. في هذه الاثناء بدا ان القضاة تأثروا بالضغوط الممارسة عليهم وبدأت القضية تسير نحو تبرئة العقيد من التهم المنسوبة اليه، وجاء الفحص الطبي الثاني مطابقاً لهوى المتهم اذ اكد تفسيرات بودانوف نفسه، ونص على ان العقيد "كان في حال نفسية أقرب الى الجنون لمدة عشر دقائق ... قُتلت خلالها الفتاة" وكان هذا يعني مباشرة ان بودانوف لا يمكن ان يعد مسؤولاً عن فعلته. كما قبل القضاة تأكيدات المتهم ان ايلزا "استفزته عبر تهديده بالانتقام منه ومن افراد عائلته على رغم تأكيد اهالي قرية الفتاة انها اصلاً لم تكن تتحدث الروسية. لكن القضاة رفضوا الاستماع الى شهادة عدد من اصحاب العلاقة بمن فيهم اخوة القتيلة. والغريب ان جهة الادعاء أيدت تقرير الطب الشرعي حول الحال النفسية لبودانوف، وكاد الملف ان يغلق لولا الضجة التي أثارتها منظمات انسانية وصفت هذه التطورات بأنها "فضيحة لروسيا". وكان سير القضية في هذا الاتجاه يعني ان بودانوف سيخرج من قاعة المحكمة مباشرة ويعود الى مواصلة حياته العسكرية وكأن شيئاً لم يكن، لكن الكرملين تدخل في اللحظة الاخيرة وعزل رئيسي الادعاء وطلب من رئيس الادعاء الجديد اعادة فحص المتهم نفسياً. وتكمن اهمية سرد هذه الوقائع في أنها عكست الآلية التي سارت عليها المحكمة العسكرية منذ بداية النظر في القضية والتي أتت ثمارها قبل أيام عندما أعلنت المحكمة العسكرية عن اقتناعها بأن العقيد بودانوف "يعاني من اختلال نفساني" وأعفته من المسؤوليات الجنائية المترتبة على فعلته وأرسلته للعلاج في مصحة نفسية. وشكل هذا القرار صدمة في الشيشان بعدما أمل كثيرون على رغم الملابسات التي رافقت القضية بأن يكون قرار القضاة رادعاً. واعتبر المحامي الشيشاني عبدالله حمزايف وكيل ذوي القتيلة ان قرار المحكمة غدا مثالاً على انه "يمكن قتل المدنيين الشيشانيين من دون عقاب". وكان حمزايف صرخ في وجه القاضي بعد اعلان الحكم بأن هذه المحاكمة اثبتت انه "ليست في روسيا عدالة عندما يتعلق الامر بحقوق الشيشانيين". ووصف حمزايف في حديث الى "الحياة" قرار المحكمة بأنه "سياسي". وقال انه ثمرة جهود استمرت طوال السنتين الماضيتين قامت بها جهات مارست ضغوطاً كبيرة بهدف الوصول الى تبرئة بودانوف. ويرى محللون روس ان نتائج المحاكمة لم تكن مفاجئة لأحد باعتبار ان "الخيارات كانت محدودة امام القاضي العسكري" بحسب ما يشير مدير مركز الابحاث السياسية فاليري فيدوروف الذي قال ان المحكمة كانت امام اختيار صعب، بين ان تعلن بودانوف مذنباً ما يوفر فرصة لمعارضي الحرب لتجريم الجيش الروسي كله أو ان تصمه بالجنون الأمر الذي سيفتح الباب للتساؤل عن حال المؤسسة العسكرية التي "يصل فيها المجانين الى أعلى الرتب". ويرى المحلل ان المحكمة بلجوئها الى الخيار الثاني انما اختارت أهون الشرين. في الوقت نفسه يشير مدير معهد الدراسات السياسية سيرغي ماركوف الى ان قرار المحكمة يعد انتصاراً لما وصفه "الايديولوجية غير الرسمية للحرب الشيشانية التي قال ان القوات الروسية تخوض الحرب على أساسها. واضاف "ان روافع هذه الايديولوجية تقوم على اساس ان الحرب في الشيشان تدور "دفاعاً عن شرف روسيا وعزتها"، ومن اجل نفض غبار الهزيمة التي لحقت بها عام 1996 بعد توقيع اتفاقية السلام التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية مذلة لروسيا. ويقول الخبير في الشأن الشيشاني ان الايديولوجية غير المعلنة "تغض الطرف" عن التجاوزات غير القانونية في الشيشان، خصوصاً اذا صدرت عن "أشخاص مخلصين لروسيا مثل بودانوف" ما يعني ان العقيد "تصرف بدقة بوحي من الأطر التي حددتها هذه الايديولوجية" وهذا ما يفسر الدعم الواسع الذي حصل عليه من جميع الجهات التي تمثل المؤسسة العسكرية. وحذر ماركوف من ان نجاح الجنرالات في تبرئة بودانوف سيؤدي الى تعزيز مواقع اصحاب هذه الرؤية واضعاف مؤسسات الدولة التي ثبت ان القوانين لا تنفذ فيها. أما منظمات حقوق الانسان فرأت في المسار الذي آلت اليه المحاكمة نكسة لمحاولات ابراز معاناة المدنيين في الشيشان من عسف القوات الفيديرالية. ووصف احد ناشطي حقوق الانسان قرار المحكمة بأنه أشبه ما يكون برسالة الى الضحية جوهرها "قتلوك وعلى رغم ذلك أنت المذنبة". ولا بد من ان المرارة التي تغلف تعليقات ممثلي المنظمات الانسانية تعود الى ان تبرئة بودانوف ستعزز الثقة لدى العسكريين الروس بأن انتهاكاتهم ضد المدنيين يمكن ان تمر دائماً من دون عقاب رادع، كما ان الفشل في استصدار حكم في قضية واضحة المعالم يقلل من فرص ابراز عشرات القضايا الاخرى التي تملأ ادراج هذه المنظمات. شهادات حيّة عن انتهاكات حقوق الانسان مراد طالب جامعي: "في 20 كانون الأول ديسمبر عام 2000 قصفت الطائرات العسكرية في شكل مركز مبنى الجامعة الشيشانية من التاسعة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر. ثم جمع العسكريون المعلمين والطلاب وقاموا بتصويرهم وأخذ بصماتهم واعتقلوا عدداً من الطلاب كما فتّشوا الطالبات في شكل مهين، وطوال هذه الفترة منعوا أهالينا الذين تجمعوا عند الأسوار من دخول الجامعة ولم يسمح لنا بإخلاء جثث الطلاب القتلى الا في المساء". فاطمة قاديروف مدرسة كيمياء في احدى مدارس غروزني: "في أيار مايو الماضي كنا نستعد للحفل السنوي لمناسبة انتهاء العام الدراسي وأبلغنا الحواجز العسكرية القريبة منا. وعلى رغم ذلك بدأوا باطلاق النار في شكل عشوائي بعد لحظات من بدء الحفل وهرع التلاميذ المذعورون الى منازلهم المدمّرة... انهم يتعمدون إرعابنا... وأشعر أحياناً ان تصرفاتهم كيدية...". آحد الناجين في مستشفى الولادة في غروزني: "في تشرين الاول اكتوبر 2000 لم يكن ثمة إطلاق نار خلال النهار وفجأة انهمرت صواريخ عدة على المستشفى ودمرت حافلة كانت تمرّ قربه وقُتل في الحادث 27 شخصاً. ثم سمعنا ان القوات الفيديرالية كانت تستهدف سوق المدينة بحجة انه مركز بيع الأسلحة". ميلانا ربّة منزل - 19 عاماً: "كنا في طريقنا لمغادرة غوديرميس على ظهر شاحنة ومعنا عدد من النساء والأطفال، لاحظنا مروحية عسكرية تحوم فوق رؤوسنا فرفعنا الاطفال الى الاعلى كي يراهم الطيار لكنه مع ذلك أطلق صاروخاً نحو الشاحنة... قتل الجميع وتمكنت من انقاذ طفل في الثالثة. كنّا الناجيين الوحيدين في الحادث وكانت المروحية قريبة الى درجة انني رأيت وجه الطيار الضاحك. لن أنسى ابداً هذا الوجه". اليزابيتا حسانوفا مديرة المدرسة رقم 7 في منطقة بيرفامايسكايا وسط غروزني: "عندما عدنا الى المدرسة بعد القصف كان كل شيء مدمّراً تماماً. تجوّلنا بين بقايا الصفوف. لم يكن ثمة ما يمكن ترميمه... في الطابق الثاني في قاعة اللغة الروسية وجدت صورة الشاعر الروسي الكسندر بوشكين. انها ما تزال سليمة على رغم انها شهدت حربين... ماذا سنفعل؟ سنواصل تعليم الاطفال اللغة الروسية... لا بد ان يأتي يوم تنتهي فيه هذه الحرب...".