يبدو ان عصر اعتبار المرأة كائناً "دونيا" الرجل كائناً "علوياً" ولى من دون رجعة، على الأقل في بعض المجتمعات الأوروبية، التي قرع رجالها أجراس الزوال هذه، بعد ان نفضوا أيديهم من غبار الإجحاف، الذي امتد تاريخاً طويلاً، ليعلنوا إلغاء إيمان آبائهم وأجدادهم بتقسيم العمل بين الرجل والمرأة. الإيطاليون الذين يعيشون عصر ما بعد الصناعي، عصر "السوفت وير" والكومبيوتر، تسير تجمعات كبيرة منهم نحو إلغاء واحدة من المعضلات الاجتماعية التي تنيط بالمرأة واجبات بيتية محددة كرعاية شؤون الأسرة واعداد وجبات الطعام وتنظيف المنزل ، إضافة الى الغسل والكوي ونشر الغسيل... وذلك لاقتناعهم بأن تحرير المرأة مرتبط بفكر الرجل وسلوكه ومستواه الحضاري والثقافي، وإيمانه بالحرية والعدالة. وبدأ الطليان اخيراً تشكيل جمعيات ونواد في العديد من المدن والضواحي، يتدربون فيها على كيفية تأدية المهمات المنزلية، ويرون ان زحزحة هذه المعضلة لا يأتي الاّ من خلال تحول الدعوة الى المساواة الحقيقية بين الجنسين بمشاركة الرجل في عدد من الأدوار المنزلية التي تقوم بها المرأة إذ باعتقاد العديد من الأزواج الإيطاليين بأن مثل هذا التوجه سيزيل "عصر الحط" من مكانة المرأة وانزالها الى مرتبة دنيا. في إحدى الجمعيات الجديدة في مدينة افيتزانو الايطالية التي تدرب أعضاؤها من الذكور على كيفية تأدية الخدمات المنزلية. يرى ماركو بينزينيتي 36 عاماً مدرس تاريخ فنون ان تحرير المرأة لا يمكن ان يتم بسعيها وحدها للتحرر، وذلك لا بد من ان يسعى الرجل نفسه وبكل الوسائل المتاحة لتحرير نفسه من العديد من العادات والتقاليد التي جعلت المرأة أداة للتناسل، والعمل المنزلي ومتعة الرجل. ويضيف بينزينيتي: "يمكن النساء ان يلعبن دوراً أفضل في تنمية أوضاعهن وتحقيق كامل حقوقهن المشروعة ذلك من خلال تطوير النظرة الاجتماعية الى عمل المرأة وممارساتها، وعبر تأمين ضمانات لهن، وعدم التفريق بين عمل المرأة والرجل، وعبر فتح مجالات جديدة أمامهن ولا سيما في مجال المعلوماتية والأعمال التي تتطلب عملاً ذهنياً اكبر، ولا يمكن ان يتحقق هذا الا بوجود مناخ حقيقي من المساواة والحرية والاحترام لعمل المرأة واقتسام مهمات العمل المنزلي ورعاية الأطفال على أساس الشراكة الحقيقية بين الطرفين الأساسيين الزوج والزوجة. ولذلك اقوم بتدريب نفسي على أمور كثيرة تتطلبها طبيعة علاقتي بزوجتي وأولادي من خلال التدرب على تأدية الواجبات المنزلية أسوة بالزوجة وقد بدأت أتعلم كيفية ممارسة العديد من الأعمال المنزلية الى جانب زوجتي التي تنصرف لتأدية مهماتها ومتابعة واجبات الأولاد المدرسية وأتقاسم مع زوجتي تنظيف البيت وغسل الملابس وكيها واعداد الفطور وغير ذلك، ولا اشعر بالغبن او جرح كرامتي". ويقول باولو بروتيكي 33 عاماً موظف حكومي: "عمل الرجل في منزله لم يعد عيباً كما كان يرى آباؤنا وأجدادنا عندما كانوا ينصحون بتكريس التمييز بين عمل الرجال والنساء تبعاً الى نظراتهم المتخلفة والضيقة التي كانت تطالب على الدوام بعودة المرأة الى البيت، لتصبح كماً مهملاً في المجتمع، والذين لم يدركوا انها نصف الطاقة الإنتاجية في المجتمع. فالمرأة شريكة الرجل في الأسرة والحياة، ولا يمكن ان تكون أدنى منه بتحميلها واجبات محددة لأن من شان هذا، اختلال الميزان العائلي، وبالتالي الموازين الاجتماعية. لا عيب في أداء الرجل بعض الواجبات المنزلية كإعداد وجبات غذائية او تشغيل جهاز الغسيل او تنظيف الأرائك وغسل الصحون بعد ان جهدت الزوجة في إعداد وجبة الطعام، ولا ضير في ان يتقاسم مع زوجته واجبات إعداد فطور الصباح وتهيئة أولاده للذهاب الى مدارسهم. ويضيف: "لا أعتقد ان من شأن هذا إلحاق ضرر بكرامته او خدش في حيائه، بل انه من خلال المساهمة بعمل الزوجة، سيبعد الكثير من المشكلات والحساسيات التي تنشأ عادة من عدم اهتمامه والقيام بواجباته التي يتحتم عليه القيام بها". وتقول السيدة ماريلينا مارولي 42 عاماً موظفة في مصرف من مدينة افيتزانو: "اذا كانت المرأة حقاً تريد زواجاً سعيداً فما عليها إلا ان تشرك زوجها ومنذ البداية في مساعدتها بالأعمال المنزلية وانا راضية على ما يقدمه زوجي من ساعات عمل منزلي، لأنه بخلاف ذلك فان عدم المساواة تؤدي الى بناء مشاعر العداوة بين الطرفين، والتي كانت تتفجر بين الحين والآخر لأسباب تبدو بعض الأحيان تافهة الا ان أساسها هو عدم الشراكة في العمل المنزلي، كنت أجد جواربه وأحذيته واربطته في كل زاوية من زوايا البيت، وقمصانه، وملابسه الداخلية تحت السرير، فالتقطها واحدة بعد الأخرى وكأني خادمة له، الآن الوضع تغير تماماً، والفضل يعود الى صبري الطويل. اصبح منتظما بكل شيء، وهذا يسعدني كثيراً". وتنصح مارلينا زميلاتها العربيات: "حاولي إقناع زوجك منذ البداية بتأدية بعض الأعمال البسيطة، كأن يلتقط ملابسه بعد نزعها ويضعها في مكانها وعدم بعثرتها في الأرض أو على الأرائك كما هي عادة الرجال، ودعي زوجك ان يرتب أثاث المنزل، او ان يساعدك في غسل الصحون بعد الانتهاء من تناول الطعام بحجة شعورك بالتعب. حاولي إرشاده الى قمصانه او ملابس أولاده ولا تضعي ملابسك ضمن المجموعة، كلفيه بغسل الزلاطات وتقطيعها ووضع الصحون على المائدة، علميه كيف يستخدم جهاز إزالة الغبار من غرفة النوم او الصالة، وبعد ان تريه منتظماً بحفظ الإرشادات ادفعيه بتأن وعدم مبالغة الى مواصلة عمله اليومي لمساعدتك، ولا تحاولي الجلوس أمامه وهو يشتغل، ولا تظهري تضايقاً عند وضعه نسبة كبيرة من الأملاح او أحياناً قليلة على وجبة طعام، اظهري تسامحاً مرناً وشفافية كبيرة، شجعيه وامتدحي عمله باستمرار حتى وان كان مخطأ في تنفيذ بعض الخدمات، فعلامات رضاك ستكون محفزاً له لاكتساب العديد من العادات الجديدة داخل المنزل.، وستكتشفين مع مرور الوقت كم أنت وهو سعيداً".