عاد رئيس الوزراء التركي عبدالله غل الى أنقرة أقوى مما تركها في ما يخص موقف حكومته من الملف العراقي بعد نجاح جولته في دول المنطقة، وأبدى غل امتنانه لتجاوب دول المنطقة مع زيارته ومبادرته من أجل عمل اقليمي لتجنب الحرب وما أبداه زعماء تلك الدول من زيارات تشاور في شأن الملف العراقي. والتفت غل الى الأوساط السياسية الداخلية وبعض وسائل الاعلام التي انتقدت سياساته تجاه العراق ووصفتها بأنها مترددة. واستدعى في البداية رئيس الأركان الفريق أول حلمي اوزكوك ووقف على تصريحاته الأخيرة التي انتقد خلالها الحكومة وسياساتها وتصريحات بعض القيادات العسكرية التركية التي طالبت باتخاذ الحكومة والبرلمان قراراً سريعاً في شأن المطالب الاميركية لاستخدام الأراضي التركية للانقضاض على شمال العراق. وخرج الطرفان من اللقاء بعد الاتفاق على ضرورة دعم موقف الحكومة وتوحيد الصفوف وتأكيد ان موقف الحكومة تشكل خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الذي شارك فيه الجيش وقال فيه كلمته، وعلى ضرورة مداومة مساعي التوصل الى حل سلمي للملف العراقي. ثم اهتم غل بوسائل الاعلام والمعارضة السياسية التي كانت اشارت الى أن جولته في المنطقة وارساله وزير الدولة للتجارة كورشات توزمان الى العراق على رأس وفد من رجال الاعمال، من شأنهما ان يؤثرا سلباً على العلاقات التركية - الاميركية خصوصاً مع صدور تسريبات صحافية اميركية بأن واشنطن مستاءة من تباطؤ انقرة في الرد على خطابها، كان آخرها حديث لسفير واشنطن السابق المتقاعد مارك باريس الذي حذر تركيا من التعاون مع الدول العربية، مؤكداً ان الدول العربية لن تخرج عن ارادة واشنطن ولا تثق في تركيا، وأن تركيا ستخسر علاقاتها المتميزة مع واشنطن في حال استمرت على سياساتها الحالية. وبادر رئيس الوزراء بالرد على هذه المواقف بعنف ووصف مارك باريس بأنه "وسيط الظلام"، وأكد ان علاقات انقرةبواشنطن "لم تتأثر ولم تهتز". وأشار الى أن تصريحات المسؤولين الاميركيين لا تزال تقدم الحل السلمي على ما سواه. وفي كلمة ألقاها أمام نواب حزبه في البرلمان قال غل انه "من المؤسف ان يكون في تركيا لوبي يسعى الى دخولها الحرب ضد العراق". واكد ان حكومته ودول الجوار تعمل على منع وقوع هذه الحرب بكل ما تملك لأنها تعرف آثارها السيئة على المنطقة. وأشار الى أن صدر حكومته "يتسع لجميع الانتقادات إلا انه لن يقبل تحركاً منظماً سيئ النوايا يخدم مصالح قوى خارجية أو يهدف الى النيل من الحكومة أو الاساءة اليها". وهذه هي المرة الأولى التي ينبري فيها غل للرد على الانتقادات التي توجهها أوساط تركية مؤيدة للحرب على العراق بهذه الشدة، وهذا الحزم. ولم يتردد غل في الاتصال برئيس جمعية رجال الاعمال الاتراك أوز الهان بعد دقائق من كلمة ألقاها أوز الهان في اجتماع لجمعيته انتقد فيها سياسة حكومة غل. ويرى المراقبون ان تركيا تشهد حرباً داخلية بين الحكومة ومؤيدي اللوبي الاميركي في تركيا الذي بدأ يحركه السفير الاميركي بشكل كبير من خلال زيارات مع غالبية الجمعيات والمؤسسات العامة، ويتوقع ان يتصاعد هذا التحرك نهاية الاسبوع مع بدء تركيا محادثات جديدة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تسبق زيارة رئيس الأركان الاميركي ريتشارد مايرز الذي سيسعى للحصول على رد تركي واضح على المطالب الاميركية على خلفية ضغوط سيمارسها صندوق النقد الدولي.