يبدو لي ان لساطع الحصري صاحب "نص عثماني للمفكر القومي" المنشور في "الحياة" في 22 و23/11/2002 تركات ثقيلة، وجنايات في ممارساته العملية في العراق، لا سيما الكبرى في حقل التعليم. ودعتني ممارساته ان أتأمل النص اكثر من مرة. غير ان النص المنشور في "الحياة"، خلافاً لما جاء في صدر العنوان، "لأول مرة بالعربية"، سبق نشره. وقام بالنشر كليفلاند وليام في دراسة عنوانها "صنيع الوطنية - العثمانية والعربية في حياة ساطع الحصري" The making of an arabe nationalist - ottomanism and arabism in the life and thought of Sati Al-Husari 1971. ولعل الوقوف على ما ذكره الأستاذ محمود الحداد في تقديمه النص في الفقرة السادسة، يوضح لنا مقدمات جنايات الحصري: "كرر الحصري اهمية التعليم في انقاذ الشعب الألماني من وضعه البائس بعد احتلال فرنسا لدويلاته في بداية القرن التاسع عشر...". وبتعبير ادق جاء الحصري الى العراق بعد تكوين الدولة العراقية الحديثة 1921 ليتربع على رأس هرم التعليم، لعقدين من الزمن، ويحارب جزءاً من الشعب في العراق، ولنشر الجهل والأمية في اوساطه. ومن بين اعماله، على سبيل المثال لا الحصر، منع هذا الجزء من تأسيس كلية التربية في مدينة الحلة بابل تحت ذريعة ان المدرسين الشيعة سيشكلون نسبة عالية في هيئة التدريس. ويعتقد المؤرخون وبعض الباحثين ان وزارة التربية والتعليم العراقيين بقيادة ساطع الحصري، اسهمت في زيادة الطائفية في العراق، وحرمان شطر كبير من ادنى قدر من التعليم. وحافظت ممارساته على موازنة العثمانيين في حقل التعليم بين جزأين كبيرين من الشعب العراقي. ولا ريب ان طائفية الحصري لا تختلف عن سياسة ترسيم التعليم وتبعيثه اي جعله بعثياً النظام القائم في بغداد. ويسأل الدكتور فرهاد ابراهيم، مدير مركز الشرق الأوسط في جامعة برلين وهو من مواليد سورية في بحثه "الطائفية السياسية في العالم العربي - نموذج الشيعة في العراق" 1996، لماذا مارس ساطع الحصري سياسة التفرقة؟ وهذا يقودنا الى نص الحصري 2-2 من مسألة الرابطة الدينية، وفيه: "الرابطة الدينية وهي بالطبع تمثل احدى الروابط العامة فإننا حين نضع هذه الربطة في النظرة الأوروبية، ومدى قيمتها هنالك تجد انها كانت تحتل مكانة متقدمة خلال القرون الوسطى وكذلك خلال عصر النهضة امام كل الروابط الأخرى، حيث وجدنا كيف اتحد وتجمع اهل الصليب الصليبيون تحت هدف ورغبة واحدة وبالملايين في اطار الحس الديني خلال الحروب الصليبية على رغم الاختلافات الظاهرة في الأوطان واللغات. كذلك نجد كيف اجتمع وتلاقى كل من الألمان البروتستانت والألمان الكاثوليك اثناء الصراعات الدينية...". يفهم القارئ انه كان يدعو الى تلاقي المذاهب من خلال التجربة الألمانية بين الألمان البروتستانت والألمان الكاثوليك. ولكن المس جيرترود بيل سكرتيرة المندوب السامي في العراق السير كوكس، سجلت اعترافات واضحة في رسائلها، قبل مجيء الحصري الى بغداد اثناء الثورة العراقية الكبرى عام 1920 وقالت: "من الصعب علينا اختراق الوحدة الوطنية بين السنّة والشيعة...". والغريب ان الحصري ركّز على الوطن والوطنية وتجنب الخطأ في النص 1-2. فقال: "علينا ان نفكر وندرس كل الجوانب جيداً، فيلزم اولاً التفكير في نوع العناصر التي يتكون منها مفهوم الوطن وفكر الوطنية ونقوم بدراسة عميقة محيطة بكل العناصر تحدد ايهم اكثر اهمية وضرورة ثم نفكر في اي العناصر اللازمة لتكوين وتشكيل هذا الفكر وهذا الحس والتي تتوافق وتتطابق مع احوالنا وظروفنا بعد ذلك نستطيع ان نحدد ونكون وطنيين...". اعتقد ان مراحل تناقضات الحصري: من الدولة الدينية الى اللادين ومن الوطنية العثمانية الى القومية العربية، ومن القومية العربية الى الطائفية، ليست تطوراً في شخصيته ونموه السياسي. وأن مشكلته الحقيقية هي "عقدة الانتماء" وهي اكبر من "عقدة تصادم الولاء" التي عالجها الكاتب البريطاني كولن ولسن، فظل الحصري لا يدري لمن ينتمي. وبرزت عقدته بوضوح في انتقاله من اسطنبول الى دمشقوبغداد، فإلى صنعاء وغيرها، ومن اللغة التركية الى العربية. واستفحلت عنده عقدة الوطن في وقت مبكر من ادوار حياته، وفي وصفه لها قال: "ان الحب والارتباط الموجود لدى الإنسان نحو وطنه على قدر ما يعتبر تعبيراً عن مشاعر دفينة إلا انه في بعض الأحيان يكون على شكل نوع من المرض، ويكون باعثاً على المرض والاضطراب، فالبعض حين يبتعد عن موطنه يلتزم جانب الحسرة على بلاده والشيء الذي يسمى بداء الصلة والحنين ويظل منشغلاً ذهناً وحساً بالأوطان دون غيرها بل يشعر بنوع من العصبية والقلق المرضي لأجل الأوطان ويصاب بالاضطراب والكوابيس المزعجة، وكذا وسوسة الموت ويفقد شهية الطعام ويضيع من جفنه النوم، وكلما بعدت المسافة بين هؤلاء البعض وأوطانهم فشلوا في الخروج من حالة هذه الاضطرابات الذهنية والعضوية..." 2-2. سان لويس - عادل الياسري المنظمة الشيعية لمراقبة حقوق الإنسان