لوحت كوريا الشمالية أمس بالغاء اتفاق تعليق التجارب الصاروخية في وقت بدأ سريان مفعول قرارها الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما أثار قلقاً وانتقاداً دوليين. لكن بيونغيانغ أبدت استعدادها للسماح للولايات المتحدة بالتحقق من عدم امتلاكها أسلحة نووية، وكررت طلبها بإبرام ميثاق عدم اعتداء مع واشنطن وحذرت الأميركيين من اي محاولة "لتركيعها". أعلن السفير الكوري الشمالي في الصين كو كيم سو أمس ان اتفاق تعليق التجارب الصاروخية الكورية الشمالية يمكن ان ينتهي في وقت تؤكد الولاياتالمتحدة "بطلان كل اتفاقاتها" مع بيونغيانغ. وأوضح ان "اتفاق تعليق اطلاق الصواريخ لن يشكل استثناء، لا سيما ان الولاياتالمتحدة اكدت بطلان كل الاتفاقات المبرمة بينها وبين جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية". ومن جهته قال مستشار في السفارة في ختام مؤتمر صحافي لشرح تصريحات السفير الكوري الشمالي ان "اتفاق تعليق اطلاق الصواريخ انتهى. يمكننا اطلاق الصواريخ". وكانت كوريا الشمالية اعلنت أول من امس انسحابها من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية اعتباراً من أمس. ورداً على سؤال لمعرفة ما اذا كان ذلك يعني ان بيونغيانغ تحتفظ فقط بحق اطلاق صواريخ او تنوي فعلاً اطلاقها، أجاب المستشار: "من يعلم؟". وبعدما اوضح أن اتفاق تعليق اطلاق الصواريخ كان مرتبطاً برغبة الحوار مع الولاياتالمتحدة، قال السفير: "اتخذنا قرار تعليق اطلاق صواريخ على امل استمرار الحوار بين جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية والولاياتالمتحدة وقيامها بالتخلي عن سياستها المعادية تجاه بلادنا عبر اتخاذ اجراءات ايجابية لتطبيع العلاقات الثنائية". وكان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل تعهد في ايلول سبتمبر الماضي خلال زيارة تاريخية قام بها رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي لبيونغيانغ تمديد مهلة اتفاق تعليق التجارب الصاروخية الى ما بعد موعد انتهائه في 2003. وأبلغت كوريا الشماليةالاممالمتحدة رسمياً بانسحابها من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية اعتباراً من 11 كانون الثاني يناير 2001 في رسالة وجهها وزير الخارجية بايك نام سان الى رئيس مجلس الامن الدولي. في غضون ذلك، اعلن السفير الكوري الشمالي في فيينا كيم غوانغ سوب ان بلاده مستعدة للسماح للولايات المتحدة بالتحقق مما اذا كانت تصنع اسلحة نووية في حال تخلت واشنطن عن سياستها المعادية لبيونغيانغ. وقال في مؤتمر صحافي: "اذا تخلت الولاياتالمتحدة عن سياستها المعادية الهادفة الى قمع جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية ووضعت حداً لتهديدها النووي ضدها، فإن جمهورية كوريا الشعبية يمكن ان تثبت، من خلال تحقق منفصل بينها وبين الولاياتالمتحدة، أنها لا تصنع اسلحة نووية". وأكد كبير العلماء في كوريا الشمالية ان بلاده لا تملك اسلحة نووية ولا تنوي الحصول عليها. وقال تاي يونغ شول رئيس اكاديمية العلوم الاجتماعية الكورية الشمالية في تصريحات للاذاعة الرسمية نقلتها وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية: "اننا لا نملك اسلحة نووية ولا نحتاج اليها ولا ننوي تصنيعها". وأضاف يونغ شول الذي اوضح انه يتكلم باسم كل العلماء في كوريا الشمالية انه يؤيد تاييداً تاماً قرار بيونغيانغ الانسحاب من المعاهدة الدولية معتبراً ان ذلك يحمي المصالح القومية للبلاد. وكررت بيونغيانغ أمس طلبها بإبرام ميثاق عدم اعتداء مع الولاياتالمتحدة. ونقلت وكالة الانباء الكورية الشمالية الرسمية عن صحيفة "رودونغ سينمون" الرسمية: "سيكون من الافضل للولايات المتحدة معرفة من هو خصمها ووقف كل تحركاتها المجنونة لخنق جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية بأسلحة نووية ... وقبول اقتراح بيونغيانغ ابرام معاهدة عدم اعتداء في اسرع وقت". وأضافت الصحيفة ان "الولاياتالمتحدة تخدع نفسها اذا اعتقدت ان في وسعها تركيع جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية او خنقها عبر ضغوط او ابتزاز". وفيما ذكرت وكالة الانباء الكورية الشمالية ان اكثر من مليون شخص احتشدوا في بيونغيانغ أمس لإظهار تأييدهم قرار الحكومة الانسحاب من المعاهدة، أثار القرار انتقادات شديدة على المستوى الدولي. اذ أصبحت كوريا الشمالية أول بلد ينسحب من معاهدة عالمية لحظر انتشار الاسلحة النووية، الامر الذي أدى الى نشاط ديبلوماسي محموم لاستعادة الهدوء. وسعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى طمأنة الحكومات التي اصيبت بالقلق من انها لا ترى ان القرار يزيد من المخاطر في الأزمة وأنها تشعر بأنه ما زال هناك مجال لكي ينجح العمل الديبلوماسي. ومن المقرر ان يصل جيمس كيلي مساعد وزير الخارجية الاميركي الى سيول اليوم وأن يزورها وزير الخارجية الياباني بعد ثلاثة ايام. وأكدت كوريا الجنوبية التي تقع عاصمتها في مرمى مدفعية كوريا الشمالية المنتشرة على الحدود ان هناك حاجة لكي تأتي بيونغيانغ الى مائدة التفاوض. وقالت ناطقة باسم الرئيس المنتهية ولايته كيم داي جونغ ان "الموقف في شبه الجزيرة الكورية يتدهور". ودان وزير الخارجية الاميركي كولن باول قرار الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي وقال ان المسألة يجب ان تعرض على مجلس الامن الدولي. ودعت فرنسا دول العالم ومجلس الامن الدولي الى استخدام ما لديها من نفوذ لإقناع كوريا الشمالية بالعدول عن قرارها. واعتبر الاتحاد الاوروبي ان الانسحاب من المعاهدة يمثل سابقة خطيرة، ودعا بيونغيانغ الى التراجع بسرعة عن قرارها والتزام تعهداتها الدولية. الى ذلك، ابدى الديبلوماسي الاميركي السابق وحاكم ولاية نيو مكسيكوجنوب غرب بيل ريتشاردسون الذي اختاره الكوريون الشماليون لاستئناف الحوار مع واشنطن، حذره في ختام الجولة الثانية من المحادثات مع اثنين من الديبلوماسيين الكوريين الشماليين. وقال للصحافيين: "آمل في التوصل الى نتائج ايجابية في نهاية المحادثات، لكنني لا اريد التكهن حول احراز تقدم"، معلناً ان لقاء جديداً كان مقرراً ان يعقد أمس في سانتا في، عاصمة الولاية. وأضاف بعد سبع ساعات من المحادثات مع ممثلين عن نظام بيونغيانغ "ان انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية يقلقني ولا شك"، مشيراً الى انه يدعم تحرك ادارة الرئيس جورج بوش. وكانت ادارة بوش اعلنت مطلع الاسبوع انها على استعداد لاستئناف الحوار المقطوع مع بيونغيانغ منذ قرار كوريا الشمالية اعادة اطلاق برنامجها العسكري النووي انتهاكاً لاتفاق موقّع مع المجتمع الدولي في 1994. ولا يشارك اي مسؤول في ادارة بوش الجمهورية في هذه المحادثات، لكن ريتشاردسون، وهو ديموقراطي سفير سابق في الاممالمتحدة، على اتصال مع باول ويرفع اليه تقارير حول محادثاته مع الكوريين الشماليين.