مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية العاشرة لمساعدة الشعب السوري    انخفاض درجات الحرارة على منطقتي الرياض والشرقية اليوم    أمسية شعرية مع الشريك الأدبي يحيها وهج الحاتم وسلمان المطيري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة المساجد بالمحافظة    «واتساب»: اختبار تبويب جديد مخصص للذكاء الاصطناعي    الهلال الأحمر بعسير: تعزيز الاستعدادت ورفع الجاهزية للحالة المطرية    «سهيل والجدي» ودلالات «الثريا» في أمسية وكالة الفضاء    «هيئة الشورى» تحيل مشاريع أنظمة واتفاقيات للعرض على المجلس    مواد إغاثية سعودية للمتضررين في اللاذقية    قوة الوظائف الأمريكية تقضي على آمال خفض الفائدة في يناير    سورية الجديدة    خيسوس يعد الزعيم للمحافظة على «الصدارة»    شبح الهبوط يطارد أحد والأنصار    الخريجي يعزز العلاقات الثنائية مع إسبانيا    نغمة عجز وكسل    الراجحي يضيق الخناق على متصدر رالي داكار    محمد بن عبدالرحمن يواسي الخطيب والبواردي    سعود بن بندر ينوّه باهتمام القيادة بقطاع المياه    العلاقة المُتشابكة بين "الذكاء الاصطناعي" و"صناعة المحتوى".. المحاذير المهنية    «موسم الرياض» يسجل رقماً قياسياً ب16 مليون زائر    11,000 فرصة وظيفية لخريجي «التقني والمهني» في 30 يوماً    الصحي الأول بالرياض يتصدر التطوع    "الأحوال المدنية" تقدم خدماتها في 34 موقعًا    أمير نجران يستقبل مدير الجوازات    جامعة الملك سعود تنظم «المؤتمر الدولي للإبل في الثقافة العربية»    «التربية الخليجي» يكرم الطلبة المتفوقين في التعليم    أمير الشمالية يطلع على أعمال جمرك جديدة عرعر    المسجد النبوي يحتضن 5.5 ملايين مصل    السجائر الإلكترونية.. فتك بالرئة وهشاشة بالعظام    طالبات الطب أكثر احتراقاً    برشلونة يقسو على ريال مدريد بخماسية ويتوّج بالسوبر الإسباني    يِهل وبله على فْياضٍ عذيّه    أمير القصيم يرعى المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي    متفرّد    خرائط ملتهبة!    لمسة وفاء.. المهندس أحمد بن محمد القنفذي    قصر بعبدا.. بين عونين    سيتي يتطلع لحسم صفقة مرموش    الأهلي يسابق الزمن للتعاقد مع أكرم عفيف    الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية في غزة    لبنان الماضي الأليم.. والمستقبل الواعد وفق الطائف    جميل الحجيلان    السباك    في موسم "شتاء 2025".. «إرث» .. تجربة ثقافية وتراثية فريدة    «ولي العهد».. الفرقد اللاصف في مراقي المجد    تمكين التنمية الصناعية المستدامة وتوطين المحتوى.. قادة شركات ينوّهون بأهمية الحوافز للقطاع الصناعي    هل نجاح المرأة مالياً يزعج الزوج ؟!    مطوفي حجاج الدول العربية الشريك الاستراتيجي لإكسبو الحج 2025    155 مليون ريال القيمة السوقية للثروة السمكية بعسير    أغرب مرسوم في بلدة إيطالية: المرض ممنوع    هل أنت شخصية سامة، العلامات والدلائل    المستشفيات وحديث لا ينتهي    7 تدابير للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    مباحثات دفاعية سعودية - أميركية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    الديوان الملكي: وفاة والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لما حكي فولادكار": مريم على شريط فيديو عنيف
نشر في الحياة يوم 10 - 01 - 2003

يطالب المخرج اللبناني أسد فولادكار جمهور فيلمه "لما حكيت مريم" بالاستسلام كلياً للشاشة. فالكل معتقل في الصالة المعتمة، بغض النظر عما اذا كان الفيلم هو "تيتانيك"، او "لما حكيت مريم". وهو اذ يتحدث بتواضع لافت عن فيلم جميل... وبسيط، فإنما يدفع بالجمهور أو من لم يستنفد المقدرة منه على مواصلة السحر السينمائي دونما تعقيدات، وبامكانات بسيطة جداً لا تتعدى ال15 ألف دولار اميركي الى الصالات.
اسد فولادكار في عروض فيلمه كان على موعد مع جمهور يرطن نصفه بدموع غريبة، او هو يريد ان يذرفها منعاً للالتباس برمته، فعندما انتهت مريم برناديت حديب من حكيها الواضح والصريح عبر شريط الفيديو الذي ارسلته الى زياد طلال الجردي قبل موتها المخلخل والمأسوي وهي منتحلة اسم ضرتها ثريا سليمان، كان على اسد فولادكار ان يحكي ايضاً مباشرة من دون فيديو، في مواجهة التباسات الدموع التي طالبه بها الجمهور، فما كان من احد الظرفاء إلا ان اقترح اعادة عرض الفيلم وتوزيع مناديل ورقية... منعاً للالتباس المتجدد في كل عرض، وفي كل امسية وفي كل... الخ...!
لما حكي فولادكار كان عنوان امسيات العرض الخاصة بامتياز، وهي امسيات تعززت بفيلم مبني بمتانة التدوير عن بناء مشمس ومهوى لقصة حب تكاد تكون مستحيلة. ولأنها مستحيلة، فإنها تتجاوز واقعها اللبناني الى رحابة الصالة وقداستها النفسانية وان كانت معتمة، فهي مضاءة بالحب الجارف والضائع على تويجات كاميرا ثابتة في معظم الاحيان اتهمت من البعض بأنها كاميرا هواة من دون توضيح لمغزى الاتهام المجاني، فإن اهتزت الكاميرا من وجهة نظر المؤلف العارف، فإنها تصبح هاوية او على شيء من الغطرسة الفيلمية... الخ هذه التعليقات.
بناء معماري
"لما حكيت مريم" هو تجديف الموت عبر شريط فيديو مفاجئ، وأهم ما يميزه بهذا المعنى هو بناؤه المعماري الدقيق، ففي تعشيق كادرات فيلمه، وبخاصة تلك التي تميز اللقاءات الحميمة التي تجمع بين زياد ومريم، يكون فولادكار قرر نوعية التجديف عندما يقوم زياد بتغسيل مريم وهي ميتة، ويصبح بالتالي على المتابع المستسلم كلياً لقدره امام الشاشة ان يعد مسامات جلده في العتمة كما يحدث امامه في الفيلم. فإن كانت اليد الظمأى للحب تمر فوق كل تلك المسامات، فإنها تندد بالموت المقبل خلسة. وهي تندد به عبر نقاط الماء وخيوطه المسترسلة والدافقة في شرايين الصورة الحية، وهذا ما كان يفعله فولادكار طوال ال98 دقيقة.
ان الموعد الجميل مع الموت وتوقعاتنا بحتمية لا تبلبله الا معرفتنا بأن مريم تتحدث الينا عبر شريط فيديو متلفز، ذلك ان الموعد يأزف في أكثر من مكان... وهو موعد مشبه به الموت الحقيقي، فزفاف زياد الى ثريا انما كان ينبئ بقرب نهاية الفيلم، ففي رقصة مريم ما يشي بأنها بدأت تحكي ردع فكرة شريط الفيديو التي لا نتوقعها من اسد فولادكار البتة، وهي التي تجيء قاسية وعنيفة، مثل يد زياد التي تريد الدخول في شاشة التلفزيون، فإذا بها تحصل على حبيبات غبشة لا نهاية لها، هي حبيبات الصمت والفراغ والعتمة الباردة التي يعيشها زياد بعبثية مقنّعة وقانعة في آن، ففي قنديل الموت تصبح اليد التي تمتد لتلمس او لتغسل او لتحظى بقبلة، انما هي وقود هذا الحب المستحيل الذي لا ينتهي بموت مريم، او انه لا يبدأ مع دوران البكرة الاولى من الشريط المتخيل الذي يدور اصلاً في مهرجانات مختلفة كما اخبرنا فولادكار وشاهدناه على شريط فيديو، ذلك ان برناديت حديب التي ابانت عن ممثلة بقدرات فائقة تكاد تصلنا بأدائها بذلك الغبش الذي ينتج من موت الكلام الذي تقرر مريم نوعيته.
استسلام للسينما
لذلك فإن حكي فولادكار عن الاستسلام للسينما، انما يجيء في مكانه، ذلك ان الغبش التلفزيوني الذي تنتهي به القصة، نتحرر منه تلقائياً بالاستسلام للمعمار الكلي الذي ينظم سيناريو الفيلم المتقن الذي لا يترك وقتاً للارتجال امام المخرج كما صرح هو. ففي الشاشة المنسجمة مع رطانة لا مبرر لها ثمة ما يشير الى تداعي الارتجال البصري... لأن عين السينما الساحرة التي تطل الى دواخلنا، من دون ان تفصح عن هوية الساحر لا تسمح بالارتجال... او هي لا تريد ان تسمح لئلا يضيع غبش العمر... كما ضاع عمر مريم في شريط فيديو يبث عبر لعنة التلفزيون. وكأن الموت لا يجيء إلا عبر هذه الوسيلة الغبشة والمفتوحة على سر بسيط، لا نستطيع ان نلمسه حتى ونحن نرى مريم تعيدنا الى اصل الصورة عندما تقدم يدها لزياد ليقبلها، ففي هذا تمرين على محاولة الاستسلام للشاشة الصغيرة بغية ملامسة الموت وتجدراته. تلك اليد التي تحدث قطيعة مع الحكمة السينمائية الكبرى التي يريدها فولادكار ويريدها جمهور يغادر لبنانية الحكاية الواقعية التي استوحى الفيلم منها الى عش الصالة الكبير القائم على كراسٍ مقششة بعنف الفيديو، ذلك ان شريط الفيلم السينمائي يدور في المهرجانات، وهو - أي المخرج - لا يملك نسخة اخرى منه، ففي لبنان الذي يغادره الفيلم بارساليات مستحيلة لم يقدم له احد امكان نسخة اخرى، فيظل يحكيه لنا عبر شريط بيتا كام، هو سر الفيلم برمته...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.