1 خيام صحراء لا متناهية وريح من كل ناحية، ريح بلا غبار ولا رمال وشمس متمركزة وسط السماء وضوء باهر، خيام قليلة سود تمزقت في اكثر من موضع تكون دائرة غير مستوية، خيام رفيعة مثل اجنحة او اشرعة من اي زاوية يراها الناظر، بين الخيام رجال وعجائز منه النساء، ولأن الريح باردة اوقدوا بينهم ناراً، مدوا فوقها اياديهم التي ظهرت عروقها، وحولهم وقفت إبل حمر منكسة رؤوسها الى الارض تنفخ بأنوفها في الرمال التي لا تتحرك عن الارض، التصقت بها فعجزت حتى الريح عن تحريكها، نظر اكبرهم سناً الى المرأة الاعجز فلم تره ولم يرها، لكنه يعرف مكانها من قديم الازل، ولما اتت الريح معها بمظلة من الحِداء حطت على رؤوسهم فلم يهشها احد، حتى جاء النسر العجوز ورفرف فوق الجميع، فرت الحِداء وحملتها الريح وظل النسر باسطاً جناحيه ثم دار دورة كبيرة وابتعد، لقد رأى النسر النار تخمد وتنهار ألسنتها ثم تتباطأ وتروح وتجيء حمراً وخضراً بين الاحجار ثم تنام على الارض وتصعد الى أنوفهم رائحة الرماد، استداروا لترى الريح وجوههم فرأوها تتراجع والحِداء تحاول الطيران اليهم ولا تستطيع فمشوا على مهل الى الخيام، احتضن كل رجل خيمة، بعد أن دخلت كل خيمة امرأة، ثم حمل كل منهم الخيمة التي دخلتها المرأة. ومشوا، صاروا طابوراً لا نهاية له في فضاء شديد الضوء، شديد الاحمرار. 2 أحلام علم احلامه ووضعها امامه على المنضدة وجلس يضحك ويبكي. احلامه السعيدة تضحكه وأحلامه التعيسة تبكيه، وجرب ان يطلب من احد الاحلام ان يمشي امامه فقفزت من فوق المنضدة امرأة راحت ترقص وتخلع ثيابها وتتراجع حتى خرجت من النافذة، وابتعد الى الناحية الاخرى من الاحلام فقفز من فوق المنضدة شرطي اسود يحمل حديدة محماة حمراء تسبقها حرارتها ووقف امامه غاضباً يقول إما ان احرقك او احرق احلامك؟ قال لنفسه إن هي إلا احلام استطيع ان اتذكرها او ارى غيرها، فمشى الشرطي بالحديدة النارية على الاحلام فاشتعلت المنضدة واقامت بينه وبين الشرطي سوراً من لهب، كان يرى من خلاله وجه الشرطي يضحك بينما النار قد امسكت في قدميه هو وتصعد الى بقية جسمه شيئاً فشيئاً... ولما لم يعد يرى الشرطي ادرك انه يتهاوى، وأن الاجزاء السفلى تذوب وتدخل الاجزاء العليا في الذوبان، لم يكن لديه فرصة في النجاة، ورأى احلامه التي صارت دخاناً تتجمع اعلى الغرفة في احد الاركان. 3 أغان ساد المدينة صمت عجيب، انشغل كل شخص بالاغنية التي يسمعها. لم يكن أي من سكان المدينة يحمل مذياعاً ولا كان يحمل جهاز تسجيل. كأن في رأس كل منهم اغنية يسمعها، والذي كان لا يصدق حاملي الاغنية كان يطلب منه ان يذهب الى البار الصغير وسط المدينة. فمن هناك يحمل الناس اغانيهم التي يحبونها، ومن ذهب يطلب اغنية لعبدالحليم حافظ دخل البار وعاد بها. في رأسه يسمعها أثناء الليل وأثناء النهار، والذي يحب اغنية لعبدالوهاب يذهب الى البار فيعود حاملاً اغنية لعبدالوهاب تعمل بهدوء في رأسه، ومن عجب ان البار لم يكن يقدم الخمر التي نعرفها، كان يقدم الماء، لكن النادل كان يقول عن الماء انه ليس بماء، انما هو الاغاني القديمة التي تم تقطيرها من الفضاء فصارت ماء، كانت القوارير في البار كثيرة جداً، وبكل قارورة ماء اغنية ولكل قارورة لون الاغنية ايضاً. جاء الغريب الذي سمع بمعجزة الغناء هذه، والتي جعلت الناس يجلسون في صمت ويمشون في صمت ويأكلون في صمت وينامون ويحبون ويكرهون في صمت، ودخل الغريب البار، امسك بزجاجة بيضاء بها اغنية مبهجة فتلونت الزجاجة بالاسود وخرج يحمل اغنية حزينة، قرر الغريب ان يفعل العكس فيمسك بقوارير الغناء الحزينة السود علها تتبدل في يده فتصير بيضاء، فذابت في يده وسالت على الارض ومشت في الشوارع المياه التي لم يتصور انها بهذه الكثرة، وحفرت المياه لها اخاديد من الطرقات صار الناس يسمعون منها الاغنيات الحزينة التي ما لبثت ان صعدت الى الجدران فاسودت يوما بعد يوم، وسقطت نوافذها على مهل كما يسقط الدمع، وحاول الناس جاهدين ان يبتعدوا عن الاغنيات الحزينة التي بدأت تبدل لون ثيابهم، لكن الشمس كانت شديدة فتسببت في تبخر ماء حزين راح ينزل على الثياب والاشياء فصارت المدينة كلها متشحة بالسواد. فكر الناس في تحطيم البار لكنهم حين ذهبوا اليه لم يجدوه، وأشار لهم الغريب الذي كان جالساً مكان البار ان يتبعوه، فهو يعرف مكانه الجديد، وأخذهم خارج المدينة، وهناك انغلقت ابواب المدينة خلفهم.