خاض الافغان اولى معارك الحرب الدولية على الارهاب قبل ان يعرف العالم اسامة بن لادن بوقت طويل. ففي الثمانينات من القرن الماضي، أرست الاستخبارات الباكستانية قواعد ما أصبح في وقت لاحق يسمى بالارهاب الشامل الذي انطلق من بلادي. وبدأت معسكرات التدريب العسكري والايديولوجي من باكستان يديرها الافغاني المتطرف، السيئ الذكر قلب الدين حكمتيار الى جانب الاستخبارات الباكستانية. وبدأ نفوذ حكمتيار يتزايد تحت غطاء الاستخبارات الباكستانية حتى وجدت القيادة ما بعد الشيوعية نفسها تحارب محاولات استيلائه على السلطة. وبعد مرور عقد من الزمن، قوي اعضاء حركة "طالبان" وتمولوا، فانقلبوا على حكمتيار وبدأوا يجتاحون المدن الافغانية الواحدة تلو الاخرى. وعندما استقام لهم الأمر وأحكموا قبضتهم على هذه المدينة والبلاد كلها تقريباً، وجد "الطالبانيون" في تحالف الشمال وهو المقاومة الافغانية التي قادها أخي، أحمد شاه مسعود، عدواً لدوداً لهم. ولم يمض وقت طويل حتى اتخذ اسامة بن لادن واعضاء "القاعدة" وبعض المخططين الارهابيين افغانستان مركزاً لهم. وشهد المقاومون في ذلك الحين تدفق الاسلحة والعتاد العسكري والمال، اضافة الى الاف المقاتلين العرب والباكستانيين والشيشان الذين حطوا رحالهم في هذه البلاد لانشاء النواة الاولى للارهاب العالمي. وفي مرحلة تأسيس النواة هذه، كانت انظار الولاياتالمتحدة متجهة الى اماكن اخرى من العالم. ولكن بعد الهجمات الارهابية في 11 ايلول سبتمبر الماضي، وللمرة الاولى منذ عقود، تتشابك المصالح الاميركية والافغانية. وبالتالي يصبح من الضروري معرفة كيف شكلت الاحداث السابقة توطئة للعلاقات الحالية بين البلدين. خلال الحرب الباردة، قدمت الولاياتالمتحدة دعماً فعلياً للمقاومة الافغانية ضد الاتحاد السوفياتي، حتى نالت الاخيرة حصتها من الانتصار على الشيوعية. ولكن الغرب نسي بسرعة الوعود التي قطعها لإعمار بلادنا بعد انهزام السوفيات. واصبحت افغانستان المدمرة غداة هذه الخيانة، فريسة سهلة لمطامع جيرانها الذين انقضوا على الفرصة وراحوا يتسابقون في نقل خطط حروبهم اليها عبر دعم الفصائل المختلفة فيها. واستفاد دعم باكستان لحركة "طالبان" والارهاب من العلاقة المميزة التي تربط اسلام آباد بالغرب، خصوصاً واشنطن. وفي مناسبات عديدة سافرت وفود من الحكومة الافغانية وتحالف الشمال لاحقاً الى الولاياتالمتحدة واوروبا لتحذر الغرب من مخاطر علاقاته مع باكستان. الا ان هذه الجهود باءت كلها بالفشل. وخلال السنوات الثلاث والعشرين الاخيرة، لم تعترف واشنطن الا بباكستان حليفاً اقليمياً لها، تضع ثقتها فيه وهو يدافع بدوره عن مصالحها في المنطقة. اما افغانستان فلم تكن سوى عامل هامشي بسيط، لا يعتبر ذا نفع إلا في ما يتعلق بموازين القوى بين اسلام آباد ونيودلهي. وفي رحلة تاريخية الى اوروبا ذات نيسان ابريل 2001 بدعوة من الاتحاد الاوروبي، حذر اخي الذي يعرف بأسد بانشير، من انشطة اسامة بن لادن الارهابية، وقال ان عواقبها ستقع قريباً على الولاياتالمتحدة. وكان الغرب اعتاد الا يعير اذناً صاغية لاخبار ممارسات "طالبان" و"القاعدة" الهمجية. فاغتيل اخي على يد افراد "القاعدة"، قبل يومين على الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي. وجاءت الاحداث المأسوية في 9 و11 ايلول لتبرهن توقعاته السابقة، وفي النهاية تمت التضحية به وبآلاف الاميركيين الابرياء. اما الآن وقد وجدت الولاياتالمتحدة نفسها مضطرة الى التعامل مع افغانستان، ساءت الجماعات الارهابية بينها وبين الاحتلال السوفياتي في الثمانينات. هذه فرضية خاطئة، ناقضتها التجربة الافغانية المريرة. فمنذ عام 1996 تقوم حركة "طالبان" ومناصروها الارهابيون بتصوير الافغان بصورة الضحايا. على العكس نحن نرحب بالمساعدة الاميركية، وان جاءت متأخرة، في صراعنا معهم. ورغم كل شيء، وكما ردد المسؤولون الاميركيون مرات عديدة، فان الحرب على الارهاب لا تقتصر على العمل العسكري، بل تتناول النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، لاستئصال التهديد بشكل نهائي. ونأمل ان تأتي المساعدة الاميركية شاملة بما يكفي لتضم اعادة اعمار افغانستان وبناء مؤسساتها. فالاتحاد السوفياتي وبعده "طالبان" و"القاعدة"، وباكستان طبعاً سعوا جميعهم الى قولبة المجتمع الافغاني بما يتناسب وايديولوجياتهم ومصالحهم. ورافقت اجتياح الجيش الاحمر اوهام التحديث والتطوير من دون الأخذ في الاعتبار الخصوصية الافغانية الثقافية والتاريخية، ما ادى الى اتحاد شعبنا ضد الاحتلال. وجاءت حركة "طالبان" وزعماؤها الاجانب فرفعوا راية القيم التقليدية. غير ان المبادئ التي اعتنقوها كانت غاية في التطرف والبربرية ما ادى الى مزيد من الخراب في البلاد والنفوس. اما الولاياتالمتحدة فركزت جهودها حتى الان على الحقائق المتحكمة بالمجتمع الافغاني. لهذا السبب بالذات نحن متفائلون، اضافة الى اننا نؤمن انه بالدعم الدولي المستدام ستتخذ خطوات حقيقية لتطوير افغانستان بما ينسجم والتقاليد. فمبادئ الديموقراطية تحتاج وقتاً طويلاً لتتجذر في بلادي المحافظة، كما يجب ان ترافقها مجموعة متنوعة من التغيرات الاجتماعية. ومن الخطأ ان تدعم الولاياتالمتحدة حركة طائفية في حربها على الارهاب كما فعلت، لأنها ستوجد لنفسها الاعداء من داخل المجتمع الافغاني وقد يصعب ان لم يصبح مستحيلاً، احلال نظام ديموقراطي حقيقي. وتبقى افضل وسيلة لتحقيق هذه الغايات هي دعم المبادئ الاسلامية المعتدلة. استغرقت اوروبا قرون عدة لاصلاح انظمة قاسية وقيم دينية متطرفة. فالنهضة والاصلاح حركتان تلقائيتان وذاتيتا الدفع، شملتا النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشعبية. ولعدد كبير من الاسباب لم تعرف الدول الاسلامية تغييرات مماثلة. يبقى ان الدور الاميركي في هذا المضمار دور اساسي ولا يمكن التغاضي عنه. ومن اجل دعم صعود الاسلام المعتدل ننتظر ان تقدم الولاياتالمتحدة الدعم للحكومة الافغانية الاسلامية الانتقالية لجعلها قوية وموضع ثقة وتهتم برفاهية ابنائها. وهذه الاجراءات كفيلة باضعاف التطرف الاسلامي وبناء دولة القانون. ثانياً، على الولاياتالمتحدة ان تساعد شعبنا على التطور عبر تفعيل المنظمات الاجتماعية والجمعيات والمؤسسات التي تدعم الاسلام المعتدل وتستأصل اسباب نشوء التطرف. الفوضى عدو التناغم. وغياب حكومة مسؤولة خلال حكم "طالبان" منح الارهابيين فرصة ذهبية لارساء قواعدهم في افغانستان. اما بناء حكومة دائمة تتعاون مع المجتمع الدولي، خصوصاً الولاياتالمتحدة، سيجنب بلادي حالة الفوضى هذه. كذلك، والمساعدات الدولية من شأنها ان تساهم في تأمين رفاه الشعب الافغاني وقطع الطريق على الارهابيين. الا ان عوائق كثيرة تقف في وجه بناء حكومة من هذا النوع ابرزها النشاطات الارهابية في الشرق الافغاني ومنطقة القبائل في الجنوب حيث لا يزال نفوذ قادة الحرب كبيراً. فهذه المناطق القبلية لا تزال تؤمن الملاذ لجماعات ارهابية تدخلها بحجة اقامة مشاريع اقتصادية. وقد توصل الارهابيون الى الانصهار الفعلي في المجتمع ثقافياً وايديولوجياً عبر روابط اقتصادية تعتمد على الاتجار بالمخدرات وبيع الاسلحة والتهريب. ومن اجل استئصال ثقافة الارهاب في تلك المناطق لا بد من نزع السلاح بصورة كاملة. وبعد ذلك تدعم الزراعة والصناعات الخفيفة وتبدأ المدنية والتربية المعتدلة بشق طريقها الى الشباب. اضافة الى ذلك، فإن انشاء خطوط نفط وغاز قد يكون السبب الرئيس في تحويل اقتصاد البلاد جذرياً خصوصاً في الجنوب. فانابيب الغاز هي اكثر من مجرد اداة اقتصادية. انها جزء من الحرب على الارهاب، ومحفز على التغيير الجذري في منطقة اعتادت المبادئ الاقتصادية القبلية منذ عصور. وفيما يشكل الزعماء المحليون عقبة حقيقية في وجه الاهداف المنشودة، لا بد لأي مبادرة من ان تأخذ في الاعتبار نداء الحكومة المتكرر الى التمييز بين قوات المقاومة الافغانية التي حاربت "طالبان" و"القاعدة" والفصائل التي تسعى الى تقويض السلطة الحالية. وفي النهاية، يعتمد اضعاف قبضة الارهابيين في افغانستان على بناء حكومة مركزية قوية وموثوق بها، تطبق القانون وتفرض النظام، وتؤمن الرفاه الاجتماعي والتعليم والخدمات الصحية. كان محرر "ذا ويكلي ستاندارد" ويليام كريستول على حق حين قال انه بما ان الولاياتالمتحدة تعتبر نفسها منبر الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، فإنه يترتب عليها بالتالي دعم هذه المبادىء ونشرها في مناطق اخرى من العالم. وفي هذا الاطار، يبقى ان افضل وسيلة لمحاربة التطرف الاسلامي هو دعم قيم الاسلام المعتدل في الدول الاسلامية مثل افغانستان. * سفير افغانستان لدى بريطانيا، والاخ الاصغر لقائد تحالف الشمال احمد شاه مسعود الذي اغتيل في 9 ايلول الماضي، ومؤسس الحزب السياسي الجديد "حركة افغانستان الوطنية". خدمة "نيويورك تايمز"