سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هاني السباعي يروي قصة الاختراق الذي تعرضت له "جماعة الجهاد" في الخرطوم . أعدم الظواهري صبيين بتهمة التجسس فطرده السودانيون الى أفغانستان ... فتوحد هناك مع "القاعدة" 4 من 4
تتناول الحلقة الأخيرة من رواية الإسلامي المصري هاني السباعي لقصة "جماعة الجهاد" تفاصيل محاولة الاختراق التي تعرّضت لها جماعة الدكتور أيمن الظواهري في السودان والتي قادت الى إعدام صبيين مصريين اتهمتهما الجماعة بتقديم معلومات الى الأمن المصري. ويكشف ان إعدامهما هو ما أثار غضب السلطات السودانية التي كانت تستضيف الظواهري فطردته الى أفغانستان حيث دخل لاحقاً بجماعته ضمن "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" بقيادة أسامة بن لادن. أصدرت "جماعة الجهاد"، مع دخول السنة 1995، قراراً بوقف أي عمل مسلح. فالحصيلة التي تمت أسفرت عن اعتقال العديد من الشباب ومصادرة كثير من البيوت والشقق والأموال. وقُتل ايضاً العديد من القيادات الكبيرة مثل عادل عوض الذي كان من احسن الشخصيات في جماعة الجهاد. فقررت جماعة الجهاد وقف العمليات. قالوا إن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، والجهاد مناط القدرة، ونحن غير قادرين، فلن نستطيع. فانتظروا واجلسوا وتعلّموا. العملية صعبة ونحن نخسر كثيراً بتنفيذنا اليوم هذه العمليات. وهكذا أوقفت جماعة الجهاد عملياتها لعدم القدرة في العام 1995. عملية إسلام آباد لكنها نفّذت في ذلك العام عملية أساسية تمثّلت بتفجير السفارة المصرية في إسلام آباد. فلماذا تمت هذه العملية؟ قالت جماعة الجهاد بعد العملية انها فجّرت السفارة انتقاماً من عملية كبيرة قامت بها المخابرات المصرية. إذ شهدت تلك الفترة صراعاً مخابراتياً بين الحكم المصري وجماعة الجهاد. كان كل منهما يخدع الآخر. الحكم يضحك على جماعة الجهاد وهي بدورها تضحك عليه. لكن الدولة، بحكم انها دولة لها إمكانات كبيرة، كان لها السبق. الذي حصل ان جماعة الجهاد ارادت ان تخدع المخابرات المصرية في السودان. عملت إعلاناً طريفاً جداً وهو ان الدكتور أيمن الظواهري سيذهب الى سويسرا. ووزّعوا الإعلان على وكالات الأنباء، وفيه ان الدكتور سيعقد مؤتمراً صحافياً في سويسرا، وحددوا المكان والزمان. تحدثت الصحف ووكالات الانباء، بما فيها جريدة الحياة، عن هذا الموضوع. وقبل اليوم من التاريخ المحدد أصدرت جماعة الجهاد بيان اعتذار قالت فيه انه بلغها ان المخابرات المصرية تُحيط بالفندق وتتآمر لقتل الدكتور، ولهذا السبب تأجل ظهور الدكتور الى حين آخر. صدّق العالم كله الرواية وقال إن الدكتور طلب اللجوء السياسي في سويسرا. لكنه كان طبعاً في السودان. الحكومة المصرية كانت الوحيدة التي تعرف انه في السودان وان كل القضية خداع بخداع. لكن الحكومة المصرية سارت في الخدعة على رغم ذلك. فاحتجت لدى الحكومة السويسرية وسألت: كيف تسمحون لمثل هذا الرجل بدخول بلادكم. فرد السويسريون بأن ليس عندهم رجل بهذا الإسم. فقال المصريون: ربما دخل باسم آخر. وقدموا احتجاجاً الى الحكومة السويسرية وأثاروا ضجة كبيرة في وسائل الاعلام. كانت المخابرات المصرية تعرف ان القصة كلها فقاعة إعلامية. لكنها مشت في الحيلة لأنها كانت تُخطط لشيء آخر. ففي تلك الفترة كان ضابط مصري جنّد ولداً عن طريق بعض الناس السودانيين. فالمخابرات المصرية كان لها نفوذ كبير في الخرطوم وكانت تتصرّف كأنها ساحة تابعة لها ومتحكمة فيها. وعلى رغم ان الحكومة السودانية كانت طردت المصريين، إلا أن هؤلاء كانت عندهم ذيولهم هناك. فاستطاعوا تجنيد إبن أحد الاخوة. اصطادوه في إحدى المكتبات وسألوه عن الأمور التي يحبها. دعوه الى لقاء. قالوا له: تعال نشرب الشاي او العصير وعندنا أفلام واشرطة فيديو جميلة. جاء اليهم الولد واسمه أحمد، فقدّموا له عصيراً يحوي مخدراً ومارسوا معه اللواط وصوروه. وبعدما أفاق عرضوا عليه الصور وهددوه بإخبار والده، وهو رجل متدين نشط مع إحدى الجماعات العاملة في ذلك الوقت مع الشيخ اسامة بن لادن، أي تنظيم القاعدة. الولد مصري لكن والده لم يكن تابعاً ل"جماعة الجهاد". فخضع الولد وصار يذهب اليهم ويعطيهم معلومات واسراراً ويحكي لهم عن الجماعة التي يعيش في وسطها. وبعد هذا الولد، جُنّد ولد آخر اسمه مصعب هو إبن ابو الفرج اليمني أحد قادة "الجهاد" وهو مصري وليس يمنياً. جُنّد بالطريقة ذاتها. قال له الولد الأول: تعال معي عند صاحبنا وهناك سقوه عصيراً وخدّروه وقالوا له في النهاية انهم صوّروه وعملوا فيه كذا وكذا. كان ابو الفرج في تلك الايام في جماعة الجهاد والولد يعيش مع عائلات الجماعة وبينهم الدكتور الظواهري. وهكذا جُنّد الولد. المخابرات السودانية كانت تُراقب ما يحصل، كونها تراقب أصلاً تحركات الديبلوماسيين. فصوّرت الولد وهو ينزل من سيارة تابعة لهيئة ديبلوماسية. عرفت انه إبن ابو الفرج ووالده تابع لجماعة الجهاد. فذهبوا الى الدكتور وقادة الجماعة وقالوا لهم ان الولد يتردد على هؤلاء الناس ويجب ان تراقبوه. قدّموا المخابرات السودانية لهم تقريراً عن ذهاب الولد الى هذه الفيلا او تلك. طلب السودانيون من جماعة الجهاد القبض على الولد واستدعوا والده. قالوا له ان الولد صغير ولن نعمل له حاجة. لكنهم سألوه عما كان يفعل فأخبرهم. فقالوا انه يجب عليه ان يتوب الى الله على أساس انه أُكره. تسامح السودانيون في الموضوع وسلّموا الولد الى ابيه. وبحسب حيثيات الحكم الذي اصدرته جماعة الجهاد وقد قرأت نصّه الذي وزع على حركات إسلامية مع أشرطة فيديو للتحقيق الذي حصل، فإن الوالد قال ان الافضل ان يُرسل ابنه الى "الخلاوي الشرعية" في السودان حيث يُحفّظ القرآن. أُرسل الولد الى هناك، لكنه صار يقوم بتصرفات غير جيدة في الخلاوي، واشتكى منه الطلبة الاخرون الذين قالوا انه يقوم بحاجات غريبة ويحاول ان يراودهم. فتم استدعاؤه من هناك. كان والده مشغولاً دائماً ويسافر دائماً، وابنه استسلم للشيطان. إذ ذهب وأخبر الذي جنّده انهم يريدون ارساله الى الخلاوي الشرعية، وأبلغه أموراً في منتهى الخطورة. فاحت رائحته عند المخابرات السودانية، وعرفت "جماعة الجهاد" انه يتردد على شقق معينة ويحكي للمصريين ماذا يحصل في اوساطهم. عرفوا ان جلسات الجنس تتم باختياره. ففي حيثيات الحكم يقول الولد: انا عاوز اروح لعند ... "علشان ... عليّ". جماعة الجهاد اعتبرت ان الاولاد دُمروا. ابن ابو الفرج كان يحفظ القرآن كله. لم يرض الولد ان يعاون الناس الذين كانوا يحققون معه وصار يضللهم. سألوه عن الرجل الذي يقابله وعن الأماكن التي يقابله فيها، فصار يعطيهم اسماء وأماكن غير حقيقية لكي "يضللهم". كانت المخابرات السوادنية مازالت على الخط، فحذّرت جماعة الجهاد منه. وطلبت منهم تغيير أماكنهم، لكي لا يعرفها الولد. وانتهت المسألة عند السوادنيين عند هذا الحد. لكن الولد كان مستمراً في طريقته. طلبوا منه ان يدخل المكتب الذي كان يجتمع فيه الدكتور مع بقية قادة الجماعة ويضع لهم جهاز تنصت في الهاتف - بعدما علّموه كيف يفعل ذلك - ووعدوه بأن يسلموه شنطة متفجرات. كان ذلك يوم خميس تقريباً. حاولوا ان يعطوه حقيبة متفجرات وطلبوا منه ان يأخذها الى المكتب الذي يتجمع فيه عادة الناس الجهاد ويتركها هناك، وعلّموه كيف يتم تشفيرها. قُبض عليه بعد تسلمه الشنطة وهو ينزل من سيارة الشخص المصري. كانت جماعة الجهاد تراقبه، وكذلك المخابرات السوادنية. كل منهما يعمل لوحده، لكن الطرفين كانا يراقبانه. قُبض عليه والشنطة معه. وكان الامن المصري في تلك الفترة يؤكد ان زمام المبادرة في يده، وانه يعلم أين هم. تركوا الإعلام يسير في موضوع أن الدكتور موجود في سويسرا، لكنهم كانوا يسيرون في خطة تفجير كوادر جماعة الجهاد كافة في وقت واحد. كانت الخطة تقضي بإدخال شنطة المتفجرات الى المكتب. ولكن قُبض على الولد ومعه الشنطة. فأخذته المخابرات السودانية في أول الأمر. لكن جماعة الجهاد قالت لهم "ان الولد بتاعنا" ولازم نحقق معه. سجنه السودانيون عندهم في انتظار النظر في أمره. وكانت الجماعات الإسلامية كلها متجمعة آنذاك في السودان وعرفت بالموضوع. فحصلت فضيحة. قال بعض الناس ان جماعة الجهاد يجب ان تأخذ الولد من الأمن وتحقق معه ف"قصة الدلع غير مسموح بها". أرادوا الضغط عليه ليتكلم. قالوا ان السودانيين لن يحققوا معه بالطريقة الصحيحة. فذهبوا الى الأمن السوداني وخدعوهم بالمسايرة وأخذوا الولد منهم. كيف أخذوه؟ ليس واضحاً حتى الآن. ثم بدأ التحقيق مع الولد والولد الآخر الذي جنّده. اعترفا. لم يكن هناك دلع في التحقيق معهما، مثلما كان يحصل عند السودانيين. اعترف الولد أولاً انه فتح شنطة والده وكان فيها جوازات سفر لرحلة احد الاخوة الذين قبض عليهم، خلال نزوله الى إحدى الدول العربية. لم يكن أحد يعرف بذلك. اعتُقل خمسين يوماً في الدولة التي نزل اليها ثم رُحّل الى مصر. وهو يقضي فترة العقوبة الآن. كذلك اعتُقل أخ ثان كان من المقرر ان ينزل الى مصر. قُبض عليه عند حدود دولة وهو يحمل جوازاً غير جوازه الحقيقي. امسك به المصريون وحكموا عليه بالإعدام. وقد اعترف الولد بذلك، وصار يتكلم عن أسرار لا يعرفها أحد. ففي شنطة والده كانت الجوازات التي ستُسلّم الى الشباب. كانت المخابرات المصرية تستأجر شققاً أمام الشقق التي يعيش فيها اعضاء جماعة الجهاد في الخرطوم. وكانوا يجلسون طوال النهار في الفيلا ويضعون كاميرا ويسألون الولد من هو الذي دخل فيقول لهم هذا الشيخ الفلاني وهذا ابو فلان. كان يعرف كنى بعض الناس واسماء بعضهم. كل ذلك كُتب في محضر التحقيق وظهر في شريط الفيديو. لكن بعد الاعترافات، ناقشت الجماعة الناحية الشرعية في الموضوع. طرح بعض الناس هل يجوز ان يُقام عليهما الحد وهما فتيان. فكشفوا على الأولاد ووجدوا انهم انبتوا فعلاً ويحتلمون .... تأكدوا انهم بالغون. ثم أصلّوا للموضوع وردوا على الشبهات الشرعية، وقالوا ان الحكم عليهما هو حكم اللوطي وحكم الخائن والمتآمر لقتل الناس. قالوا لهما: هل تعلمان ما حكم الذي يتعامل مع الأمن؟ اجابا: مرتد. وهل تعلمان انها خيانة شرعية؟ فردا: نعلم انها خيانة شرعية. سألوا الولد: ما الذي دعاك الى ان تفعل ذلك على رغم اننا اعطيناك فرصة وكان بإمكانك ان تتوب الى الله سبحانه وتعالى. كان ذلك في المرة الأولى لكنك رجعت اليهم مرة ثانية. فرد عليهم: هو كده اي جاء على باله ان يفعل ما فعل. تكلم بهذه الصفاقة. اما الولد الآخر، أحمد، فطُلب منه ان يكتب وصية أبيه وأمه، فكتب انتم االسبب ولا احبكما. قال ناس في جماعة الجهاد ان الأمر خطير جداً. كانوا يريدون الوصول الى المسؤول عن تجنيد الأولاد. خططوا لاعتقاله من خلال إقامة حفلة يأتي هو اليها حيث يُعرّى من ملابسه ويأتون برجل ... فيه. في النهاية، أصدرت جماعة الجهاد حكم الإعدام على الولدين ونُفّذ. وقالت انها فجّرت السفارة في باكستان رداً على عملية الخرطوم. عندما جاء الشيخ ابو الفرج وعلِم بإعدام إبنه ذُهل. أثار بعض الناس عنده الشبهات، فتسبب ذلك بمشاكل بينه وبين الدكتور وجماعة الجهاد. قال ان الجماعة كان يجب ان تترك له موضوع التصرف بمسألة إبنه. هاجمها. لم يكتف بالانسحاب منها، بل صار يشتمها إذا اقتربت منه. قال لهم: قتلتم ابني ولم تعطوه حقه الشرعي. فردّت عليه الجماعة: أنت من كان يقول انني اريد ان اغسل عاري بنفسي. سافرت وعدت ووجدت اننا اقمنا على إبنك الحكم الشرعي وعيّنا قاضياً خاصاً له. هذا كان ردهم عليه. لكنه وجد فريقاً آخر شجّعه ودعاه الى الانضمام اليهم وقالوا له ان جماعة الجهاد ضالة. تسبّب إعدام الولدين بأزمة بين الجهاد والحكومة السودانية. قال السودانيون انهم لم يعرفوا بأن الجماعة قتلتهما. قالوا لهم: انتم ظانون أنفسكم ايه، دولة داخل دولة. حصلت مشادة بينهم. ورد الدكتور الظواهري، بحسب الكلام الذي سمعناه عنه، بأننا ما كنا نُطبّق سوى شرع الله، وإذا لم نطبّقه على أنفسنا فإنه لا يصلح ان نطبّقه على الآخرين. وأضاف للحكومة السودانية: نحن ضيوف عندكم. انتم تطبقون مشروعاً إسلامياً، ونحن قمنا بواجب شرعي، فإذا ارتكب واحد منا جريمة لا بد ان نطبق عليه حكم الشرع. فإذا لم تطبّقوه انتم، يجب علينا نحن ان نطبّقه. وإذا لم نفعل ذلك، فالأفضل لنا ألا نكوّن جماعة إسلامية. هنا رد السودانيون بطرد الجماعة وقالوا لهم: مع السلامة. قالوا: اعطونا فرصة لنأخذ نساءنا وأغراضنا. فرد السودانيون: لن نسلمكم إلى مصر، ولكن ارحلوا من هنا. لم يعطوهم فرصة لترتيب اوضاعهم. حملوا أغراضهم بسرعة ورحلوا الى افغانستان وتفرّقوا في الأرض. السودانيون لا يعترفون بذلك، لكن هذه هي الحقيقة. انتقلت "جماعة الجهاد" والدكتور الظواهري الى أفغانستان في 1996، وهناك حصل تقارب كبير مع الشيخ أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة". وقد تُوّج هذا التقارب في بداية العام 1998 بإعلان تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين. وقد عرفت بذلك من خلال قراءتي صحيفة "الحياة" او "القدس". ظننت البيان في البدء من الأمور المفبركة. لكن بعدما تقصّيت، علمت انه صحيح. لكنه كان حركة دعائية. لا لزوم له، بلا لون ولا طعم ولا رائحة. وركيك لغوياً وشرعياً. جلب البيان المصائب الى جماعة الجهاد خصوصاً، والجماعات الإسلامية بصفة عامة. كان "أبو ياسر" رفاعي طه، المسؤول السابق عن مجلس شورى الجماعة الإسلامية وقّع البيان، لكنه انسحب منه بعد ضغط من جماعته. وكان يمكن الدكتور أيمن ان ينسحب بدوره ويقول انني غير مقتنع بالصياغة. لكن المروءة عنده والشهامة منعتاه من ذلك. لكن المشكلة ان الدكتور لم يستشر مجلس الشورى. وبحسب ما سمعت، فإنه لم يقرأ أصلاً البيان سوى على عجل، إذ اُعد بسرعة. لكن، أولاً، تأسيس مثل هذه الجبهة يحتاج الى دراسة قبل التوقيع. وثانياً: كيف يوقّع الدكتور على بيان مثل هذا وجماعته لا تعرف بالأمر. سألنا عن الموضوع فعرفنا ان معظم أعضاء مجلس شورى جماعة الجهاد لم يكونوا يعرفون بالموضوع. احدهم اقسم لي بأنه لم يعرف إلا بعد صدور البيان. قال بعضهم: كيف يتحالف الظواهري مع الشيخ أسامة بن لادن علماً ان جماعة الجهاد كانت أخذت موقفاً منه في السابق؟ فهو تركهم في باكستان عندما وقعوا في أزمة مالية ولم يترك لهم فرصة ليحلوا مشكلتهم. ولما نزلوا الى السودان اعتبروا ايضاً انه لم يتعامل معهم بشكل جيد في أمور كثيرة لا يريد الواحد ان يتكلم فيها. رد مؤيدو إعلان الجبهة ب"أننا كلنا تحت لواء طالبان الآن، سواء كنا قاعدة او غير قاعدة". صدر بيان الجبهة العالمية سنة 1998، وكان تنظيم القاعدة ينمو. ثم حصلت عمليتا نيروبي ودار السلام، واتُهمت القاعدة فيهما. لكن ذلك جرّ مصائب كبيرة الى "جماعة الجهاد". مجرد توقيع البيان تسبب في اعتقال كثير من المتعاطفين مع الدكتور او الاعضاء في تنظيمه. ومن هذا المنطلق، كان واضحاً ان هناك ظروفاً اقتصادية وامنية وراء دخول جماعة الجهاد في هذه الجبهة. ذهب الدكتور الى أفغانستان وظروفه صعبة، والتضييق الأمني عليه كان عالياً جداً. كذلك قُبض عليه ستة شهور في داغستان ولم يعرف أحد بذلك. لم يعرف بذلك الاعضاء الاساسيون في جماعته وهذه السرية لها ناحية ايجابية إذ لم تعرف المخابرات المصرية باعتقال الدكتور واحمد سلامة وشخص ثالث اسمه مسهل في داغستان. كان يمكن ترحيل الدكتور الى مصر أو إلى أي دولة أخرى بما فيها أميركا. لكن عندما خرج مع الرجلين المسجونين وهما من القيادات المهمة قرر العودة الى افغانستان على أساس انها البلد الأكثر أماناً له وللجماعة. لكن إمكاناته المادية لم تكن قوية، في حين يُلاحق رجاله حول العالم، وعنده اسر يتامى عليه ان يتكفّل بها. كان هناك محسنون يأتون من هنا وهناك ويساعدون الجماعة، لكن ذلك لم يكن مضموناً دائماً. اعتقد ان هذا كان سبباً جوهرياً في دخوله هذا الاتحاد مع الشيخ اسامة بن لادن وتأسيس الجبهة العالمية قبل ان يعلنوا لاحقاً ما سموه "قاعدة الجهاد"، ما يعني ان جماعة الجهاد اتحدت مع القاعدة. هذا الاتحاد هو اتحاد الدكتور ومحمد صلاح وطارق أنور وثلاثة او اربعة اخوة آخرين من قادة جماعة الجهاد مع إبن لادن. لكن قادة آخرين في جماعة الجهاد لم ينضموا اليهم، مثل الرجل الثاني ثروت صلاح. ثروت اختلف معهم عندما رأى انهم سائرون في المشروع الوحدة مع "القاعدة"، فهو من المحافظين على المشروع القديم لجماعة الجهاد: أي انها جماعة مصرية لا تريد ان توسّع دائرة معركتها. رأى ان توسيع المعركة لتشمل أميركا أمر خطير، وانه يجب التركيز على مصر، كما في السابق. رأى ان الجماعة تتغير وانها لم تعد جماعة الجهاد التي يعرفها. صارت تقوم على أسس مختلفة الآن. في البدء كانت ترى ان قتال العدو الاقرب أولى بقتال العدو الأبعد، وان عقوبة المرتد اغلظ من عقوبة الكافر الاصلي، الاميركان والبريطانيين. كانت تعتبر ان الأهم مقاتلة المرتد لأنه السبب الذي جاء بالكفار لاحتلال بلادنا. لكن الجبهة العالمية غيّرت القاعدة: صار عندها قتال الاميركان قبل مقاتلة المرتدين في البلاد. في النهاية، قرر ثروت صلاح ومجموعة معه البقاء على حالهم لكنهم لم يعلنوا ذلك. كانوا يريدون ان يبقوا كمجموعة مع اسرهم في أفغانستان. وكان سبق ثروت صلاح في العمل لوحده كاتب معروف من قادة الجماعة وكان يُعد من الأساسيين ومرشحاً ليكون نائب امير الجماعة. وهو ترك الجماعة لخلافات في وجهات النظر. وعاش لوحده. وسار الدكتور وأنصاره في خط التوحد مع إبن لادن. وكانه هذه هي الحال عندما بدأت الحرب الأميركية على أفغانستان مما زاد في تشتت جماعة الجهاد التي لم تعد موجودة إلا في السجون المصرية ومشتتة في جبال أفغانستان.