أدى تأجيل اعلان النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية التي جرت الجمعة في المغرب حوالى 10 ساعات امس الى ترجيحات، كان ابرزها تقدم حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي الى المرتبة الاولى. فيما اعتبر مراقبون استمرار ظاهرة عدم الاقبال على صناديق الاقتراع في المغرب مؤشر الى ضعف التأثير السياسي للاحزاب المختلفة. وتباينت مواقف القوى السياسية امس من العملية الانتخابية التي اعتبرها البعض "حيادية" فيما ندد آخرون بتجاوزات شملت نقص في اوراق الاقتراع والقيام بحملات امام مكاتب عدة. عزا بيان اصدرته وزارة الداخلية المغربية تأخير اعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت أول من أمس الى أسباب تتعلق ب"العناصر الجديدة التي ميزت الاقتراع" وفي مقدمها ارتفاع عدد الدوائر الانتخابية وعدد المكاتب والتصويت بورقة واحدة وتعقيد العمليات الحسابية في نمط الاقتراع بالقوائم. وجاء في البيان الذي صدر ظهر أمس قبل اعلان النتائج ليلاً ان السلطات تواصل رصد نتائج الاقتراع باشراف قضاة، في اشارة الى التقليل من أهمية الانباء التي ترددت عن شكل الخريطة السياسية المقبلة، خصوصاً في ضوء تزايد المعلومات عن إمكان حصول حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي على ضعف مقاعده الحالية، أكثر من ثلاثين مقعداً. لكن المعلومات التي توافرت ل"الحياة" تؤكد رصد نتائج أكثر من نصف الدوائر الانتخابية حتى ظهر أمس وضعت "العدالة والتنمية" في المرتبة الأولى، في مقابل تراجع أحزاب "الاشتراكي" و"الاستقلال"، في حين أحرز "تجمع الأحرار" تقدماً لافتاً، لكن مصدراً رسمياً قال ان المعطيات الدقيقة لن تظهر إلا بعد المؤتمر الصحافي الذي سيعقده وزير الداخلية ادريس جطو ليل السبت - الأحد. وصدرت مواقف عن مختلف الشركاء السياسيين رأت ان اقتراع الجمعة ساده "حياد الإدارة"، وان وصف بعضها ذلك الحياد بأنه كان سلبياً، كما صرح قيادي في "الاستقلال". في حين أعلن قيادي في "الاتحاد الاشتراكي" ان خطوات الاصلاح تسير تدريجاً، لكن الشعور السابق ازاء "تحكم الادارة في صنع الخرائط الانتخابية" كان غائباً الى حد كبير، وان كانت بعض الاحزاب انتقدت الاجواء التي شابت الاقتراع. وأصدر المؤتمر الاتحادي الذي يتزعمه عبدالحميد بوزديع بياناً اعتبر بأن خروقات شابت اجواء الاقتراع. وندد بما اعتبره تجاوزات شملت استخدام الأموال والقيام بحملات امام مكاتب الاقتراع ونقصاً في أوراق الاقتراع في مكاتب عدة. وقال ان التجاوزات "خربت صدقية الانتخابات ونزاهتها" وانها "ترشح البلاد الى كل الاحتمالات". عنف وتجاوزات وكان لافتاً ان بعض الدوائر الانتخابية شهدت أحداث عنف وتجاوزات، اذ تأخر فتح مكاتب الاقتراع في تيفلت على مسافة 60 كلم شمال العاصمة الرباط، حتى مساء الجمعة، بسبب احتجاج اعضاء في الأحزاب المتنافسة على تجاوزات أدت الى تدخل محافظ الاقليم بعد اكتشاف نقص في عدد أوراق الاقتراع، لكن مصادر ربطت بين أحداث تيفلت وردود فعل نشطاء في حقوق الانسان ضد زعيم "الحركة الديموقراطية الاجتماعية" محمود عرشان الذي يتهمونه بأنه شارك في تعذيب معتقلين سابقين عندما كان عميداً للأمن. لكن تجاوزات حصلت في مناطق أخرى، خصوصاً في طانطان على الساحل الأطلسي جنوباً وفي مناطق شرق البلاد. وقالت مصادر رسمية ان المتورطين في تلك الأحداث اعتقلوا وان تحقيقات فتحت في شكاوى قدمها متنافسون. وتحولت مراكز الأحزاب في المعارضة والموالاة الى خلايا رصد سير عملية الاقتراع استمرت الى ما بعد فجر أمس. واكتفى قياديون بارزون بالحديث عن ضمانات سلامة الاقتراع من دون الدخول في تفاصيل الى ما بعد الاعلان الرسمي للنتائج. مؤشر الى ضعف تأثير الأحزاب الى ذلك رأى مراقبون ان استمرار ظاهرة عدم الاقبال على صناديق الاقتراع في المغرب يمثل مؤشراً على ضعف التأثير السياسي للأحزاب المختلفة. لكنهم اعتبروا أن تراوح نسبة المشاركة في اقتراع الجمعة بين 52 و55 في المئة علامة مشجعة على صعيد تكريس منطق حياد الادارة. ولاحظوا ان توزيع أوراق الاقتراع الذي تجاوز 11 مليون من مجموع 14 مليون ورقة تولته الادارة في الأيام الأخيرة، لكن ذلك لم يحل دون اقبال أعداد كبيرة من الناخبين على سحب أوراقهم. واللافت ان ظاهرة عدم المشاركة لازمت غالبية الاستحقاقات، اذ شهدت انتخابات العام 1963 اقبالاً بنسبة 88 في المئة وتدرجت بعد ذلك في الانخفاض الى أقل من 60 في المئة في انتخابات العام 1997. وقال مراقبون ان عدد الأوراق الملغاة كان لافتاً وعزا بعضهم ذلك الى نمط الاقتراع بالقوائم والتصويت بورقة واحدة، اضافة الى استخدام الرموز التي نسج المغاربة حولها مزيداً من الحكايات والطرف. غير أن مناصري التيارات الاسلامية، وخصوصاً حزب "العدالة والتنمية" شاركوا بكثافة، في حين ترددت فئات كثيرة من الشباب في علامة على عدم الرضا عن أداء الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. وقال مسؤول مغربي بارز ل"الحياة": "إذا كان صحيحاً ان نسبة المشاركة لم تكن وفق المتوقع فالمهم أنها أنهت ظاهرة نسبة 99 في المئة". واعتبر ذلك كسباً للديموقراطية في البلاد. الا ان تأثير تدني المشاركة ستكون له انعكاسات على الأحزاب الصغيرة التي شاركت في اقتراع الجمعة للمرة الأولى، ما يهيئ لبدء العد العكسي لتقليص أعداد الأحزاب التي بلغ عددها 26 حزباً. "العدالة والتنمية" الرابح الرقم واحد؟ بعد انشقاقه عن الحركة الشعبية ذات الهوية الامازيغية، اختار الدكتور عبدالكريم الخطيب الذي رأس البرلمان المغربي مطلع الستينات ان يؤس حزب "الحركة الشعبية الدستورية" في العام 1967، لكن الحزب ظل في تراجع أمام باقي الأحزاب التقليدية، قبل أن يفسح الخطيب في المجال أمام اسلاميين من تنظيمات الشباب الاسلامي سابقاً ونشطاء في تيارات اسلامية غير مرخص لها، للانضمام الى حزبه الذي صار يحمل اسم "العدالة والتنمية" بعد التحاق اعضاء من "حركة التوحيد والاصلاح" به. وكانت أول تجربة انتخابية يخوضها بوضعه الجديد بعد الاستحقاقات الاشتراعية في العام 1997، اذ حصل على حوالى 14 مقعداً من اصل 325 . وكان لافتاً ان عدداً من هذه المقاعد كانت في مدينة الدار البيضاء الكبرى ذات الثقل الاقتصادي والتجاري. واختار الحزب في العام 1998 ان يدعم حكومة رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي قبل ان يدخل معها في مواجهات بدأت في ضوء الخطة التي اقترحتها الحكومة ضمن ما يعرف ب"ادماج المرأة في التنمية". اذ لم يكتف بانتقاد تعارضها مع المرجعية الاسلامية بل نظم مع تيارات اسلامية اخرى تظاهرة حاشدة في الدار البيضاء وبدا من خلالها ان الحزب ماض في استقطاب شرائح عدة من المجتمع. وشكل انسحاب "العدالة والتنمية" من مساندة حكومة اليوسفي واختياره المعارضة في العام 2000 ضربة قوية لها، ترجمت في مواجهات داخل مجلس النواب في شأن ملفات الفساد والموقف من قضايا سياسية واخلاقية وبلغت المواجهة ذروتها بعد سماح "الاتحاد الاشتراكي" لشخصيات اسرائيلية بالمشاركة في "مؤتمر الدولية الاشتراكية" الذي استضافته الدار البيضاء في وقت تتصاعد الهجمات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. ودفع ذلك عدداً من النواب في الاتحاد الاشتراكي الى عرض فكرة استخدام اموال التبرعات التي جاءت للحزب في دعم الانتفاضة. وزاد في تعقيد الموقف شن السلطات حملات ضد تنظيمات "السلفية الجهادية" و"التكفير والهجرة" التي شملت اقفال بعض المكتبات بدعوى انها تروج لكتب منافية لوحدة المغرب، اضافة الى حجز واتلاف شرائط كانت تباع امام المساجد. وتعرض الحزب الى مزيد من الاتهامات باستخدام المساجد لاهداف سياسية. واللافت ان حزب "العدالة والتنمية" الذي كان يتوقع بأنه سيكون ضمن الخاسرين، استناداً الى هذه المواجهات والانشغال الدولي بالحرب ضد الارهاب، تحول الى الرابح الرقم واحد في استحقاقات الجمعية استناداً الى مصادر عدة في انتظار ظهور النتائج النهائية.