يتوجه 14 مليون مغربي اليوم الى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخاب 325 عضواً في مجلس النواب، الغرفة الثانية في البرلمان المغربي، والأكثر اهمية دستورياً كون الحكومة تتشكل على خلفية الغالبية النيابية في المجلس، اضافة الى انها تمنح الثقة للحكومة او تسحبها منها وفق المعادلة نفسها. وكان الملك الراحل الحسن الثاني اختار نظام الغرفتين لتمكين مجلس النواب من نمط الانتخاب المباشر بعدما كان ثلثه ينتخب في اقتراع غير مباشر، على ان تضم الغرفة الثانية منتخبين محلياً ومندوبين عن الجهات والهيئات المهنية في الصناعة والتجارة والزراعة ورجال الاعمال. ومكن هذا الاختيار اهم احزاب المعارضة السابقة، بخاصة "الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال"، من الانتقال الى الحكومة التي اسندت رئاستها الى الزعيم الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي عام1997، في حين انتقلت احزاب الموالاة السابقة، "الاتحاد الدستوري" و"الوطني الديموقراطي" و"الحركة الشعبية" الى المعارضة، وإن كان لافتاً ان الحزب الاسلامي العدالة والتنمية الذي كان يساند حكومة اليوسفي في العامين الأولين من عمرها انتقل الى صفوف المعارضة أيضاً منذ العام 2000 بسبب خلافات يقول قياديون انها تطاول عدم احترام المرجعية الاسلامية في اقرار القوانين. الا ان القطيعة بين الحزب والحكومة بدأت على خلفية تزايد الجدل حول خطة كانت الحكومة تنوي تنفيذها لجهة ادماج المرأة في التنمية، رأت فيها تيارات اسلامية متشددة ومعتدلة مخالفة للشريعة في جوانب عدة. الا ان من حسنات ذلك انه اثمر للمرة الاولى اتفاقاً بين مختلف الشركاء السياسيين على تخصيص 30 مقعداً في مجلس النواب للنساء يتم انتخابهن في قوائم محلية وأهلية. وبذلك سيكون حضور النساء بنسبة أكثر من10 في المئة احدى مميزات الخريطة النيابية المقبلة. لكن انتخابات اليوم تنطبع بخصائص اخرى. اذ انها الاولى التي تجرى في غضون استمرارية الحكومة، على رغم انها حكومة ائتلاف سياسي يتنافس مع بعضه بعضاً ومع المعارضة لحيازة غالبية في مجلس النواب المقبل. وكانت جرت العادة ان يتم تشكيل حكومة انتقالية تكنوقراطية تشرف على تنظيم الانتخابات، او يعين زعماء الاحزاب السياسية في المعارضة والموالاة في مناصب وزراء دولة للاشراف على الاستشارة، لكن تنظيم الانتخابات هذه المرة مع استمرار الحكومة التي ترشح نحو عشرة من اعضائها للانتخابات الحالية، يفترض حصول وفاق سياسي مع المعارضة حول ضمان نزاهة الاقتراع وفق اقرار آليات للرقابة القضائية والاجرائية، وما يزيد في ترسيخ هذا الاعتقاد في المنتديات السياسية اختيار نمط الاقتراع بالقوائم بديلاً عن الاقتراع الفردي في الانتخابات المقبلة. وفيما يقول مناصرو هذا النمط انه يحول دون استخدام الاموال وحدوث التجاوزات في التأثير في الناخبين، يقول معارضوه انه اكثر تعقيداً بالنسبة الى بلد ترتفع فيه نسبة الأمية بين الفئات وبخاصة في الارياف. الا ان داعمي هذا الخيار يؤكدون انه يحول المنافسات الى صراعات بين البرامج وليس الاشخاص، ما يقلل من تأثير نفوذ الانتساب القبلي او الشخصية الماكيزمية. لكنه مع ذلك يظل نمطاً يعزز دور الاحزاب الكبرى على حساب التنظيمات الصغرى، وقد يدفع في اتجاه احداث تحالفات وادماجات توزع الخريطة السياسية بين تيارات اقل عدداً، أحدها في الحكومة وآخر في المعارضة وثالث بينهما يعزز دور هذا التيار او ذاك بحسب معطيات اي فترة، ما يعني ان المنافسات القائمة بين 26 حزباً يصبح مآلها التقليص بعد نهاية الانتخابات، إن من خلال ضرورات تشكيل غالبية تساند الحكومة المقبلة او من خلال اندماج احزاب ذات ميول مشتركة مع بعضها، بخاصة ان نوعية البرامج المتنافسة قائمة بين ثلاثة خيارات: فهناك من يدعم النهج الليبرالي والمبادرة الحرة، وهناك من يقرن بين الابعاد الاجتماعية وضرورات الانفتاح في الخيار الاشتراكي، وثالث يركز على العقيدة الاسلامية مرجعية في الدين والدنيا. ومن خصائص هذه الانتخابات أيضاً انها تشمل المحافظات الصحراوية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو، مثل بقية الاقاليم، وإن كانت جرت العادة لجهة عدم استثناء هذه المحافظات من اي استشارة انتخابية. فاللافت في التجربة الراهنة انها تأتي قبل نهاية الولاية الحالية لبعثة "مينورسو" في الصحراء. اذ من المقرر ان يبت مجلس الامن الدولي بعد الولاية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل في احد الخيارات المطروحة لحل قضية الصحراء. اما من خلال العودة الى خطة الاستفتاء، او الاتفاق على منح الاقليم حكماً ذاتياً تحت سيادة المغرب، او تكريس خطة التقسيم. لكن دلالات اجراء الانتخابات التي لم يحدث عليها اي اعتراض من طرف الاممالمتحدة انها تدعم توجه ما يعرف بالحل الثالث، اي منح الاقليم حكماً ذاتياً واجراء انتخابات لتشكيل برلمان وحكومة محليين بمشاركة كل السكان، وضمنها المنتسبون الى جبهة بوليساريو. والحال انه في غضون تزايد الازمة مع اسبانيا حول وضع جزيرة ليلى ومستقبل المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية شمال البلاد، فإن اعداداً كبيرة من سكان الاقليمين سيشاركون في الاقتراع، اذ سجل الآلاف من الرعايا في المدينتين اسماءهم في الهيئة الناخبة، وهي رسالة موجهة الى الجارة اسبانيا في الدرجة الاولى. وعلى رغم أن السياسة الخارجية خلت من تباينات بين الاحزاب المتنافسة، فإنها التقت عند قضيتين محوريتين، هما التمسك بمغربية المحافظات الصحراوية ودعم الحل السياسي الثالث، وحض اسبانيا على الدخول في مفاوضات مع المغرب للبحث في مستقبل مدينتي سبتة ومليلة. لكنها تباينت ازاء تسريع وتيرة البناء المغاربي والدعوة الى معاودة فتح الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر منذ صيف 1984، في حين تجنب الشركاء السياسيون اثارة موضوع الحدود الشرقية مع الجزائر التي ركزت على ترسيمها معاهدة الاخوة وحسن الجوار المبرمة بين البلدين في السبعينات، على رغم ان هيئة اشتراعية في اي فترة لم تصادق على المعاهدة، وتركت الباب مفتوحاً امام رصد التطورات السياسية في العلاقات بين البلدين الجارين.