في الوقت الذي تتواصل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة في المغرب يقودها رجل الأعمال التكنوقراطي، ادريس جطو، أشار استطلاع للرأي أجرته شركة "ارغوس ماركتينغ"، الى ان نسبة 85 في المئة من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين ورؤساء الشركات الكبرى تؤيد اسناد منصب رئيس الوزراء لشخصية غير سياسية، بسبب الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب والاستحقاقات التي تنتظره في المنطقة التجارية الحرة مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. أظهر الاستطلاع ان الأولوية في المغرب يجب ان تكون للقضايا الاقتصادية على حساب الجوانب السياسية، نظراً لما يُتوقع ان تواجهه البلاد من تحديات في مجالات عدة، خصوصاً العولمة والمنطقة الحرة سنة 2010. وحسب ترتيب الأولويات، جاء الاهتمام بالعمل في المرتبة الاولى بنسبة 30 في المئة، يليه الاستثمار الاجنبي 24 في المئة، ثم اصلاح الادارة 12 في المئة والتعليم 11 في المئة وتقليص الفقر 7 في المئة. وعارض نحو 7 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع اسناد منصب رئيس الوزراء الى شخصية غير متحزبة، في حين أيد القرار 93 في المئة اعتبروا ان له انعكاسات ايجابية على الاداء الاقتصادي المغربي في الفترة المقبلة. وقال المُستجوَبون ان اداء الحكومة الائتلافية السابقة كان متواضعاً في المجالات الاقتصادية، وانها حققت نسب نمو ضعيفة 3.2 في المئة في المتوسط "لم تكن كافية لامتصاص البطالة وتحسين مستوى المعيشة"، ما راكم الصعوبات الاجتماعية. وأكد الاستطلاع ان تركيز الجهود على الجانب السياسي على حساب الجانب الاقتصادي -الاستثماري في الفترة السابقة أضاع على المغرب فرص حقيقية للتنمية بسبب "عدم جرأة" بعض السياسيين على معالجة قضايا العجز المالي والتجارة الخارجية والبورصة والاستثمار والتنمية الريفية والتعليم والرعاية الصحية واصلاح الادارة والقضاء، ما ضاعف عدد الفقراء في المغرب نحو ستة ملايين شخص وقلَّص الدخل الفردي الى النسب التي كان عليها في منتصف التسعينات نحو 1250 دولاراً. وانتقد متداولون في البورصة اداء وزارة المال بسبب الخسائر التي تكبدتها البورصة في عهد الحكومة الائتلافية، حيث ان الأسهم فقدت نصف قيمتها السوقية الى 8.8 بليون دولار، بعدما كانت بلغت 16 بليون دولار في نهاية الستعينات. واعتبر مسؤولون في شركات كبرى في الدار البيضاء ان المغرب أضاع عائدات التخصيص لانه استخدم الجزء الأكبر منها في تمويل عجز الموازنة. وكان المغرب حصَّل نحو خمسة بلايين دولار من بيع شركات عامة في الأعوام الثلاثة الماضية. وقال عدد من الذين شملهم الاستطلاع ان العجز الحقيقي في موازنة 2003 سيصل الى 6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من دون احتساب عائدات التخصيص المقدّرة السنة المقبلة بنحو 1.2 بليون دولار. وكان الملك محمد السادس أكد في خطاب افتتاح البرلمان الجديد مساء الجمعة الماضي "ان الانشغالات الحقيقية لمغرب اليوم والغد تتمثل في الاستثمار والعمل والتعليم والتنمية، وان التحديات التي تواجه المجتمع تشمل القضاء على الأمية والفقر والتهميش التي يجب ان يوليها السياسيون أهمية بالغة للاقتراب من هموم الأمة ومعالجة قضاياها الأساسية والابتعاد عن السجال السياسي، بالتركيز على الرهانات الحقيقية لخوض المعركة بين التقدم والتأخر في عالم لا يزيد الا تحدياً على تحديات وصراعاً على صراعات". واعتبر الملك ان الأولويات الاربع في المغرب هي "العمل المنتج والتنمية الاقتصادية والتعليم النافع والسكن اللائق" التي يتعين ان تكون لها الأفضلية "بعيداً عن المزايدات الفارغة والمجادلات العقيمة التي لن تشغل عاطلاً ولا تعلم أمياً أو تنصف مظلوماً أو تصون كرامة". وكان الملك يرد في شكل غير مباشر على اختيار ادريس جطو لمنصب رئيس الوزراء من التكنوقراطيين، وهو القرار الذي انقسم حوله السياسيون الذين سيجدون أنفسهم تحت رحمة الاقتصاديين في المرحلة المقبلة، على اعتبار ان الأولوية ستكون للاستثمار الذي وصفه الملك بانه "البوابة نحو التنمية وتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل". ودعا الملك الى رفع الحواجز عن معوقات الاستثمار كي يصبح المغرب "ورشة كبيرة" للانتاج وخلق الثروات. واعتبر ان المرحلة المقبلة تتطلب توفير حجم أكبر من الاستثمارات وتحقيق معدلات نمو أعلى لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد والقضاء على البطالة والفقر و"إعادة الأمل الى نفوس المحرومين". ويقدر عدد الفقراء في المغرب بنحو 21 في المئة من السكان، فيما تبلغ نسبة البطالة لدى الشباب نحو 20 في المئة. وقال محمد السادس انه يتعين على الحكومة المقبلة "الالتزام بتحسين تدبير الشأن العام والإسراع في الاصلاحات العميقة في الادارة والقضاء والضرائب والمال وتأهيل الشركات، والتركيز على القطاعات التي يملك فيها المغرب قدرة تنافسية دولية، وإقرار نظام جديد للضرائب ومدونة جديدة للعمل من أجل حفز المستثمرين على إنشاء المشاريع، مع ضمان حقوق المستثمر والعامل في نطاق ميثاق اجتماعي تضامني يؤدي الى إعداد المغرب لمناطق التجارة الحرة والاستحقاقات الدولية في أفق 2010. ويعتقد المتتبعون للشأن المغربي ان الرباط ستحصل على دعم من البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة لإنجاح حكومة يقودها تكنوقراطيون وتأهيل البلاد للمناطق التجارية الحرة التي تحتاج الى عشرات البلايين من الدولارات بما فيها الخسائر الجمركية لبناء مرافئ تجارية دولية طنجة وتجهيز شبكات الاتصال والطاقة وتمويل التنمية الريفية واستثمارات ضخمة في مجال البنى التحتية، مثل الطرق والسدود، وتحسين اداء التعليم. ويعرض البنك الدولي قروضاً بنحو 450 مليون دولار سنوياً، فيما يعرض الاتحاد الاوروبي القيمة نفسها 436 مليون يورو في إطار برنامج "ميدا الاورومتوسطي"، فيما تدعم واشنطن حصول المغرب على قروض من دول عربية ومؤسسات غير حكومية لتطوير بعض المنشآت الحيوية وتقليص الفقر في الأرياف لاعداد البلاد لشراكة دولية ترغب واشنطن ان تكون الرباط بوابتها في شمال افريقيا وغرب المتوسط.