إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما فعله بن لادن ليس سياسة، وما فعلته اميركا في فلسطين وافغانستان ليس سياسة أيضاً - كيف يرى خمسة شبان ، يعيشون عند تقاطُع البلدان، الحدث الكبير؟
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 2002

خمسةٌ ضمّتهم طاولة للتداول في أمر 11 أيلول سبتمبر. إنهم من ممثلي الجيل الذي ابتدأ اهتمامه بالشأن العام مع الحدث الهيولي. أكبرهم سناً، مروان قصّار، من مواليد 1980. أصغرهم، لين كسبار وجون-مارك مرقّدي، من مواليد 1983. وفي الوسط أليسّا موكسلي وماياكّور سار من مواليد 1982 و1981 على التوالي.
الخمسة الذين يجمع بينهم العمر، ثلاثةٌ منهم قصّار وكسبار ومرقدّي من أصول عربية، فيما موكسلي أميركية، وسار سنغالي. لكنهم يلتقون أيضاً عند كونهم يسافرون ويعيشون على تقاطُع طرق وبلدان، وهو ما سيوضحه كلامهم اللاحق. وإذا ما جمعهم، وجمع غيرهم بهم، الطابع الكوني للحدث، بقي أن علاقتهم بالولايات المتحدة قاسم مشترك آخر بينهم وبينهم وبين غيرهم الى حد ما. فنقد أميركا الشائع ينمّ، حين يصدر عنهم بكثرة وإلحاح، عن تعاطٍ مع "أب" مرفوض. فكأنما رفض الآباء الأصليين والطبيعيين تحصيل حاصل، فيما الإشكال دائر حول هذه الأبوّة الكونية التي تم اختيارها، وتمت صناعتها، وتم... نقدها.
هنا، الآراء التي قيلت، كما قيلت:
حازم: كيف سمعتم ب11 أيلول؟ أين كنتم في تلك اللحظة، وماذا أحسستم؟
أليسّا: كنت في الطائرة من نيويورك الى لندن. هناك سمعت به. ما همّني، للوهلة الأولى، أن لا يكون الذين أعرفهم قد تأذّوا. بعد برهة، أحسست بالخشية وكان إحساساً ملبّداً بالغموض. خفتُ من شيء كحصول حرب عالمية لا أعرف من يصنعها ومن يخوضها. مرّ في ذاكرتي مرور البرق حادث أوكلاهوما سيتي، وكنت في الولايات المتحدة يومها. إذاً هناك مجنون آخر... لكن الأمر، على ما يبدو، أكبر هذه المرة.
لين: كنت في العمل. في الباتيسري. الزبائن جاؤوا يتساءلون: هل سمعتم الأخبار؟ لم أفهم. بعد لحظات شعرت بالغثيان. شعرت برغبة في البكاء. بكيتُ فعلاً مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء. دُهشت وقرفت وخاب أملي. بعد ذاك عرفت، من أهلي، تفاصيل أكثر. أهلي قدّروا أنه بن لادن. سمعت عنه في ما بعد، وسمعت أن الأميركان سبق لهم أن استعملوه. قبل ذاك لم يصل بي الشك الى أن أميركيا، أي أميركي، سيكون الفاعل. لم أعتقد أن أميركياً يمكن أن يصل به الجنون الى هذا الحد. الفلسطينيون وحزب الله خطروا في بالي، لكنهم لا يملكون الأدوات التنفيذية لمهمة كهذه. مع هذا، لم تكن هناك براهين كافية لإدانة بن لادن. كان الأميركان يعرضون أفلاماً ويترجمونها ولا أعرف ماذا كانوا يترجمون وكيف، إذ لا ثقة لي بهم.
أليسّا: ولكنْ أي برهان أكثر تريدين؟
لين: الأميركان يبحثون دائماً عمن يلومونه... هذا يُضعف الثقة بما يصدر عنهم.
أليسّا: لكنْ كانت هناك شبكة منظمة...
كأنه بروس ويليس
مروان: سمعت بالخبر وانا في القطار آتياً من غرونوبل الى باريس. عمتي تلفنت لي وقالت انهم ضربوا البرجين في نيويورك. بدت لي القصة سوريالية. لم أتوقع أبداً مثل هذا، ولم أستطع تخيّله وأنا في القطار. حتى حين شاهدت التلفزيون لم أحس أنني أمام تراجيديا. لم تأخذني مشاعر قوية في البداية. شعرت بما يشبه مشاهدة فيلم: كأن بروس ويليس يقصف برجاً. هذان البرجان لا تستطيع ان تتخيلهما ينهاران...
جون-مارك: أثّرت فيّ. أثّرت فيّ كثيراً. أثّرت على وضع أخي في مجال اختصاصه البنكي. فهو، رغم دراسته الممتازة، لم يجد عملاً بسبب نتائج 11 أيلول. بسرعة تبيّن لي أنها مسألة تخص مستقبلنا...
لحظتها، كنت في عطلة في اسبانيا. في مربايا. وعرفت من بضعة أميركان كانوا هناك بالحدث. شاهدنا التلفزيون معاً وصُدمت. انها ليست من نوع الصدمات التي تصيب عائلتي وتصيبنا في العادة... لديّ قريب في نيويورك ولكنْ في مكان بعيد عن البرجين، إذاً ما من سبب للقلق عليه. لكنني شعرت بصدمة في ما يخص الأميركان أنفسهم.
ماياكّور: كنت قد عدت قبل أسبوع من نيويورك. أحسست نفسي محظوظاً إذ أنني غادرتُها، وأحسست أيضاً أنني مصدوم. انتابني بعض التعاطف لمجرد أن شيئاً من هذا النوع ممكن الوقوع، وهو ما لم أظن اطلاقاً انه قابل للحدوث. لكن الأميركان، بمعنى ما، يستحقونها، مع أن شيئاً كهذا يبقى في منتهى السوء. لكن الأميركان ربما أعادوا التفكير بما يفعلونه بسبب هذه الكارثة. هكذا فكرت.
حازم: الا أن الطريقة التي أعادوا بها التفكير ليست من النوع الذي تريده. ما فعله بن لادن ليس من صنف المطالب السياسية الضاغطة التي تبعث على "اعادة التفكير"، على ما كانت، مثلاً، حركة الحقوق المدنية في الستينات. انه يضرب ثم يبدأ التكهّن بما هي مطالبه؟
أليسّا: نعم، الطريقة التي تعمل بها السياسة في أميركا هي الاعتراض السلمي الذي يرفع الوعي عند الناس. لماذا لم يحصل هذا في اميركا ليقطع الطريق على امثال بن لادن؟ هذا سؤال أطرحه دوماً على نفسي.
كثيرون من الأميركان هاجروا في السنوات الأخيرة الى الخارج. وهم يعرفون العالم ويعرفون حكومتهم. ومن غير العادل ان يكوّن الناس، في الولايات المتحدة، آراءهم حيال الآخرين بناء على أعمال معينة أو تقديرات معينة. لقد ذهبت الى المغرب مؤخراً ورأيت كثيرين يحدّثونني عن 11 أيلول وعن تراجع سياحتهم بسببه.
مروان: لكن هناك الكثير من التمييز عند المغاربة أو غيرهم، كما هو عند الأميركان. لا شك أنهم لن يقولوا بصراحة للأميركي، أو الأميركية، ما يريدون قوله. لن يقولوا لكِ إننا نكرهكِ لأنكِ أميركية. لكن هذا ما يُرى على نطاق جماهيري. أما في اميركا نفسها فيخافون العرب...
إلى ماذا ينتمي البشر؟
لين: لكن هذا لا يبرر شيئاً. اسمي لين، وأنا يمكن أن أكون أي شيء... انني اكره وجود دول وبلدان. وأنا، كانسانة، أكره تعريفي بدولة وأمة...
حازم: لكن شئنا أو أبينا هناك دول واقتصادات وطنية. الدول تضع خطط تنمية بناء على تعداد معين للسكان وعلى قدرات بلد بعينه. قد نقول: للأسف، لكن هذا هو الواقع...
مروان: الانتماء الى الدولة أساسي للبشر. أنا من بلدين وحيث أذهب أحتفظ بهذا الشعور... البلدان الأخرى التي قد أزورها أو أعيش فيها لا تصل عندي، ولا في النظرة لي، الى مرتبة البلدين الأصليين اللذين أنتمي اليهما...
أليسّا: الناس أيضاً ينتمون الى مُثُل والى علاقات اجتماعية. وهذا محكوم بعمل الحكومات والثقافات التي تنشرها. في أميركا لا يراعون الآخرين وأفكارهم...
لين: ينبغي أن لا ننظر الى أنفسنا كمختلفين. ينبغي ان نرى الى أنفسنا كبشر، مجرد بشر. في 11 أيلول، لم يمت أميركان فقط ولو كان أكثر القتلى من الأميركان...
حازم: لنفترض أن واحدكم كان على متن طائرة ورأى شخصاً ملتحياً وأسمر يشبه صور منفذي 11 أيلول، يروح ويجيء ويتحرك بكثرة على الطائرة. ما هو الإحساس الذي ينتابكم؟
أليسّا: حصل هذا مرة وكنت عائدة من نيويورك. كان شكل الشخص عربياً: أسمر وله لحية وكان يحدّث أصدقاءه بالعربية. المضيفة ساورها غضب وتوتر. أحست ببارانويا. فكّرت في نفسي: آمل أن لا يكون هذا الرجل ينوي تفجير الطائرة. أتمنى أن تهبط بنا بسلام. فكّرت أن عليه أن يجلس... لكني لم أذهب أبعد في ظنوني.
لين: هذا لا يخيفني... اذا كنت في الطائرة ورأيت بن لادن سأقول ليس هو. لأنه ليس أبله حتى يكون في الطائرة. لن أفكر، أوتوماتيكياً، بأن الشخص الذي أراه على الطائرة وهو بهذه المواصفات شخص متعصب وارهابي. وأعتقد أن الخطأ يرتكبه الناس الذين يصنّفون.
مروان: أعرف كثيرين من العرب ملتحين وقد يبدون لغيرهم مخيفين. أما أنا فإذا رأيت في الطائرة شخصاً بهذه المواصفات سأحس ببعض القلق. ولكن في النهاية، وربما لمعرفتي بهذه الشعوب والبلدان، قد لا أخاف. سأعتبر الأمر كاريكاتوريا. أعتقد أن المعرفة تساعد على توسيع المسافة الفاصلة عن الأحاسيس الحادة. أما اذا كنت تحمل القلق في داخلك ولا تعرف عن الآخر إلا ما تقدّمه لك هوليوود، فعندها تخاف.
مع هذا، لا بد من الحذر لأنهم فعلوها في 11 أيلول. وللأسف فحين يكون هناك ارهابيون فإن احتمال أن يكونوا عرباً كبير جداً...
معرفة أميركا والمعرفة بها
لين: أعرف ان بن لادن مسؤول ويجب أن يُدان، لكن ينبغي ان يقال الكثير عن الأميركان ومسؤوليتهم. ما حدث في 11 أيلول لم يغير قناعاتي بشأن الناس والبلدان والارهاب إطلاقاً. لكن في ما خص المسؤولية، أظن أن مسؤولية أميركا المؤكدة لا تبرر 11 أيلول... ولربما أفادت أميركا من 11 أيلول لتنفيذ خطة سياسية لديها...
أليسّا: إحدى صديقاتي الأميركيات قالت لي: "على الأقل حصل شيء مصدره خارجي"، لأن الأخبار عندنا محلية جداً. ثم هناك أجزاء أخرى في البلد لا تعرف شيئاً عن الخارج. ما يصح في نيويورك لا يصح في تلك المناطق. نيويورك صارت تعرف العالم وما يجري فيه بدرجة أكبر...
مروان: لكن هذا لن يغير شيئاً. لقد رأيت ردود فعل أشخاص معتدلين لكنهم أحسوا بخطر الضربة. وكثيرون قالوا: عرفنا ان ذلك سيحصل. أميركا هي القائد وما يحصل فيها هو البداية لأشياء تجري في أمكنة أخرى. أحياناً كثيرة يبدو أن العالم يعرف ما لا تعرفه أميركا عن نفسها، ويحس الناس خارجها ان ما فيها سوف يُعمم. في أميركا هناك دائماً حاجة الى عدو. أميركا دائماً ضد أحدهم: سوفيات، صدام، بن لادن...
حازم: لكن أليس هؤلاء هم أيضاً ضد أميركا دائماً، وهم يكتسبون تعريفهم لأنفسهم من كونهم ضد أميركا بالمطلق. خذ، مثلاً، صمت بعض اليساريين والعلمانيين عما تحقق للمرأة في أفغانستان بعد الحرب الأخيرة. هؤلاء كان يمكنهم أن يقولوا: نحن ضد السياسة الأميركية لكننا مع هذا الانجاز. وحين لا يقولون ذلك فانهم لا يمارسون السياسة بصفتها حالات تناقض وتقاطع، بل يكونون يمارسون موقفاً جوهرياً شبه عنصري...
لين: المصالح هي التي حملت أميركا على أن تفعل ما فعلته للمرأة في أفغانستان. حتى هتلر حسّن بعض جوانب الحياة في ألمانيا في عهده...
حازم: لكننا لا نتحدث هنا عن هتلر. أعتقد أن الموضوع مختلف هنا...
أليسّا: من المهم أن يُقال لماذا أميركا ضد هذا وحليفة ذاك... أميركا دفعت مالا وأعطت سلاحاً للمجاهدين في أفغانستان. العداء لأميركا ناجم عن أنها قوية جداً وغنية جداً، وأن الأميركان بذلوا الكثير ليصيروا ما صاروه، لكنهم مع هذا لم يفسّروا مواقفهم للعالم بما فيه الكفاية، ولا فهموا هذا العالم بما فيه الكفاية...
مروان: انهم أيضاً بوليس العالم. حُماة الحرية. اننا نطلب تدخلهم وندينهم حين لا يتدخلون. في أفغانستان تدخّلهم حسّن الأمور. ولكن لماذا تدخلوا في أفغانستان وتركوا اسرائيل تفعل ما تفعله بالفلسطينيين؟
أليسّا: لأن هناك لوبي يهودياً أميركياً قوياً...
مروان: لكننا لسنا هنا لإيجاد الأعذار... ثم هناك المشكلة الثقافية: ترى في كل مكان ماكدونالدز أو غاب أو... نحن في فرنسا خائفون حقاً منها. لا أعني أن الأميركان يأكلون ماكدونالدز كل وجبة، أو أنهم لا يملكون الا ماكدونالدز، وهذا بالضبط ما يجعلهم في نظر الخائفين منهم أكثر تخويفاً...
ان بن لادن ليس سياسياً. إنه عدمي. انه يريد الفوضى. لكن من يكرهون أميركا تعاملوا معه كسياسي لأنهم ظنوا ان عمله وحده هو الذي يوصل الى نتيجة...
لين: نعم ما يفعله بن لادن ليس سياسة بالطبع. لكن ليس سياسة حين تقرر اميركا ان تضرب أفغانستان، وأن تفعل ما تفعله في نزاع اسرائيل وفلسطين...
ماياكّور: هذه كلها لها خلفيات في السياسة...
مروان: ولكن الموضوع هل هناك أهداف سياسية وراءها؟
جون-مارك: اراد الاميركان ان يحرجوا العالم العربي ولا يدعموا اسرائيل الا...
لين: لا أثق بأي منهم. باسرائيل والأميركان وبن لادن...
حازم: لكنْ لنفترض للحظة أننا سنختار العيش قريباً من بوش وفي أميركا بالطريقة التي يبنيها، أو قريباً من بن لادن وفي أفغانستان التي كان يشارك في توجيه أمورها...
ماياكّور: لو كان الأمر يتعلق ببوش وحده لوثقت أكثر بأفغانستان، لكن هناك نظاماً في أميركا يتجاوز بوش...
السيء والجيد
مروان: لكن تعبير بوش "الشر" يجعله متشابهاً كثيراً مع بن لادن.
حازم: لكن ثمة من يقولون ان هذا تشابه فلسفي، لكنه ليس بالضرورة واقعيا...
جون-مارك: يقولون ان الاميركان يريدون من الآخرين ان يتبعوهم. لكنهم مع انهم جيدون في بلدهم، فانهم سيئون جدا في بلدان اخرى. وهم يريدون ان يفرضوا ارادتهم على بلدان غيرهم. أن يملكوا غيرهم...
أليسّا: ماذا تعني انهم يريدون ان يملكوا غيرهم؟
جون-مارك: يريدون ان يفرضوا ارادتهم.
ماياكور: أرى في الأميركان من السيء أكثر مما أرى من الجيد. الآلاف يموتون في أفريقيا كل لحظة، لكنهم لا يهتمون الا بالذين يموتون في أميركا. فقط أميركا أميركا أميركا...
حازم: هذه اعتبارات انسانية نبيلة. لكن ليست أميركا وحدها التي تُحاسَب على ذلك. ماذا عن مسؤوليات تلك الدول التي تحصل فيها الكوارث؟
لين: تُلام أميركا أكثر لأنها الأقوى والأشد تأثيراً، فعليها مسؤوليات تجاه بلدان أخرى وثقافات أخرى لكنها لا تفعل...
حازم: لكن أليس في الكلام عدم تماسك... كأننا بهذا نطلب من أميركا أن تكون امبراطورية الكون...
أليسّا: أعتقد أن الأميركان يعرفون ماذا يفعلون. ويجب نقدهم. ويحب ان يقال لهم هذا جيد وهذا سيء. لكن حين يحصل 11 أيلول، فهذا نوع من النقد لأميركا لا يقود الى أي مكان...
مروان: هناك مسألة المسؤولية. حين تشتري حذاء من نايكه مثلاً ينبغي ان تفكر بالصغار في افريقيا وتشغيل تلك الشركة لهم...
الكبر والضخامة من ثقافة أميركا، بما في ذلك الأبهة. وهذا ما يرفضه العالم. انهم، في البيئة، يلوّثون أكثر ولديهم أسبابهم. لكنهم لا يأخذون بجد مسؤوليتهم تجاه العالم... حين يدعمون بعض الدول لا يفكرون بمسؤوليتهم.
ماياكّور: لكن أميركا حين تتدخل تتدخل بانحياز كما في فلسطين واسرائيل... كان في وسع الأميركان أن يقتلوا صدام حسين لكنهم لم يفعلوا لأنه ليس في صالحهم... لأن أميركا تريد ضمان مصالحها حين تتدخل...
حازم: لا أظن أن أميركا كان في وسعها التخلص من صدام ورفضت...
هل غيّرنا الحدث؟
لين: مع جورج بوش تصبح الأمور كلها أخلاقية. هناك "شرّ" إذاً أتدخل... ثم كيف نضع رئيس باكستان برويز مشرّف الذي وصل الى السلطة بانقلاب عسكري، في خانة "الخير"؟
جون-مارك: حين يفعل الأميركان شيئاً ما لا يُعرف الكثير عنه في الخارج. ولكن حين يرد عليهم الخارج ويأتي الرد بوسيلة العنف، يجيب الاميركان بأنهم هم الخير وغيرهم الشر. يستغربون: نحن لم نفعل شيئاً عاطلاً، كما يستعملون قوتهم وكاريزميتهم...
مروان: لكن بن لادن كاريزمي والعرب تبعوه... يجب أن ننتقد الطرفين.
لين: أنتقد أميركا لأنني أحبها وأحترمها أكثر من غيرها كبلد، ويمكنني أن أبقى لسنوات أنتقد العرب والمسلمين، لكنني يائسة. هذا هو شعوري الآن على الأقل...
حازم: لكن على صعيد شخصي بحت، ماذا فعل بكم 11 أيلول اذا فعل؟ هل غيّر شيئاً فيكم، في عاداتهم، مثلاً؟
أليسّا: بدأت، بعد 11 أيلول، أصبح أكثر اهتماما بالسياسة. كنت قبلاً قد قررت العيش في نيويورك، ثم قررت بعدهالبقاء في لندن وان لا أعود الى الولايات المتحدة لأنني لا أعلم ما الذي سيحدث هناك. كذلك أحسست، بعد 11 أيلول، أنني ربما لم أعرف ما يكفي من أمور وعن الأمور...
لين: صرت اكثر شعورا بالانسلاخ وانفصالا عمن حولي. كانت لدي آمال كبيرة قبلاً. وبما انني اعيش في بريطانيا فان ما تقوله بريطانيا وتعلنه صار يصيبني بالقرف ويُشعرني بقدر من العزلة. صرت أحس بتشاؤم عميق. قبل 11 ايلول كنت متفائلة. كنت ادرس التاريخ وافكر بالعمل في السياسة. الآن تغيرت.
هذه المدينة الكوزموبوليتية، لندن، استحالت في نظري مدينةً عالمثالثية. في البداية لم يحدث لي شيء من هذا، ولكن بعد يومين أخذت الأمور تتفاعل. أحدهم، مثلاً، تغير وجهه حين قلت له انني لبنانية وسألني عن حزب الله! تأمّل!
ماياكّور: بعد 11 أيلول احسست بالخوف على حياتي وعلى حياة الآخرين لأننا لم نعرف اي عدو قد يواجهنا ونواجهه. ربما كنت تتحدث مع احدهم فيما يفكر هو في موتك. 11 ايلول جعلني اشد تيقظاً حيال مخاطر الحياة، وهي مخاطر من النوعين الوجودي والسياسي. ف"الآخر" قد يكون عدواً لبلدك وقد يكون عدواً لشخصك. وأنا لا ألوم الأميركان على ما حصل، وأمضي متأملاً أن يقوموا بإخبار حكومتهم أن تتصرف بشكل أفضل. انني أرى في هذا الاحتمال بعض تفاؤل ولا أراه بالضرورة سبباً للتشاؤم.
مروان: ليس 11 ايلول وحده ما سبّب لي التشاؤم، لكنني أحس نفسي على العموم أشد تشاؤماً مما كنت. بعده مباشرةً أحسست أن شيئاً سيتغير: أحسست أن وجهةً ضد الارهاب قد تنشأ في العالم الثالث، وأن وجهةً لمعرفة العالم بشكل أفضل، والتعاطي معه بصورة اشد مسؤولية، قد تنشأ في الولايات المتحدة . التغير حصل الى الأسوأ في الجانبين. شخصياً، وما عدا ذلك، لم أتأثّر.
جون-مارك: سياسيا اعرف ان الاميركان يفعلون دوما اشياء غير محبوبة، وان هناك ارهابا. الشيء الوحيد الذي يتعلق بالمخاطر الجسدية هو انني خفت حين تورّطت انكلترا على يد توني بلير. اذاً لا بد من انتقام في لندن حيث أقيم أنا وعائلتي. خفت جداً: ربما قنبلة بيولوجية أو ما يشبه... هذا ما فكرت فيه لعدة أيام.
لكن أكثر ما أثّر فيّ بالمعنى المباشر هو الانعكاس على العمل وفرص العمل، خصوصاً أن أخي لم يجد عملاً. أبي الذي كان يحبّ ويقدّر جامعات الأميركان، مع أنه يكرههم، أراد لي أن أُكمل الدراسة في الولايات المتحدة، وبعد 11 أيلول صار يتردد...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.