مع انتهاء العطلة الصيفية واقتراب موعد افتتاح المدارس يستنفر الاهالي في سورية تحضيراً لاستقبال العام الدراسي وتوفير لوازم ابنائهم، ما يشكل عامل ضغط اضافياً معيشياً بعد ارتفاع تكاليف الدراسة قياساً الى دخل غالبية الاسر، وهو لا يتجاوز في افضل الاحوال 120 دولاراً اميركياً شهرياً علماً ان التعليم في سورية مجاني وتخصص الدولة للانفاق عليه موازنة ضخمة. وتشير الارقام الى ان موازنة وزارة التربية من الموازنة العامة للدولة تقدر بنحو 2،10 في المئة اي نحو 21 بليون ليرة سورية الدولار يساوي خمسين ليرة، ويصل عدد الطلاب في المدارس الى اربعة ملايين موزعين على اكثر من 17 الف مدرسة، ويبلغ متوسط الكثافة المقررة للشعبة الواحدة 37 تلميذاً للمرحلة الابتدائية و36 للمرحلة الاعدادية لترتفع في المدارس الخاصة الى 50 طالباً، اما في المرحلة الثانوية فيعود وينخفض الى 45 طالباً. شهر ايلول سبتمبر من كل عام يحمل في طياته اعباء مالية ومعنوية على ذوي الدخل المحدود ويكلفهم نفقات ومصاريف تكاد لا تنتهي الا مع انتهاء العام الدراسي. ويضطر بعضهم الى الاقتصاد في لقمة العيش في سبيل تأمين متطلبات ابنائهم الدراسية. وتسيطر حال من القلق والتعب على أولياء الطلبة لاستغراقهم في التفكير بكيفية تهيئة الأجواء المناسبة لأولادهم لتأمين دراسة افضل وتحصيل اكبر. قال احمد عبد الحي 46 سنة ل"الحياة" :"مع كل عام دراسي جديد تبدأ معاناتي في تلبية طلبات اطفالي كوني موظفاً وراتبي لا يكفي لتغطية نفقات الطعام واللباس، واحتاج الى اكثر من 5 آلاف ليرة اضافية على مرتبي لشراء مستلزمات المدرسة من قرطاسية ولباس. ولا يقتصر الامر عند هذا الحد بل هناك مدرسون يبالغون في طلباتهم التي تعجز عن تلبيتها غالبية الموظفين". وأضافت زوجته التي كانت برفقته في احد اسواق دمشق مع اولادها للتبضع استعداداً للمدارس :"المشكلة ليست في شراء الحاجيات وانما في تلبية اذواق الاطفال فهم يبحثون عن كل ما هو جديد بينما احاول اقناعهم بطرق مختلفة شراء مستلزماتهم التي تدوم فترة اطول" ويأمل ذوو الطلاب من القيمين على العملية التربوية في البلاد تلافي الثغرات والسلبيات التي يعانيها ابناؤهم في المدارس الحكومية. وفي طليعتها تخفيف اعداد الطلاب في الصفوف الدراسية التي تصل احياناً الى نحو 50 طالباً في الشعبة الواحدة، وتكثيف حملات الرقابة الدورية على الجهاز التدريسي بعد ازدياد الاتهامات الموجهة الى المدرسين بالتقصير وعدم القيام بواجبهم تجاه طلابهم في ايصال المعلومات بهدف دفعهم الى اتباع دروس خصوصية منزلية تعجز غالبية الاسر عن دفع تكاليفها الباهظة. في المقابل يرى طلاب المدارس ان لجوء وزارة التربية الى عزل زملائهم المتفوقين في صفوف خاصة بهم ومدرسين اكفياء ساهم في اثارة الحساسية بين الطلاب وتحطيم معنويات بعضهم. ورأت فيحاء شاهين 16 سنة ان اتباع ادارات المدارس هذا الاسلوب اساء الى معنويات الطلاب وجعلهم يشعرون بأنهم فئة اقل شاناً من زملائهم في الصفوف المتميزة وقالت: "من المفروض ان يعامل الطلاب بالتساوي من دون تمييز بينهم وان يتم توزيع المتفوقين على بقية الشعب المدرسية لا حصرهم في صف واحد لتعزيز روح المنافسة الشريفة في ما بينهم وتشجيع المقصرين منهم على المثابرة والاجتهاد، وتحريضهم على المشاركة والتفاعل اثناء العام الدراسي". وقال خبراء في التعليم ان التطورات المتلاحقة التي طرأت على مختلف نواحي الحياة الاجتماعية ودخول التكنولوجيا الحديثة الى كل منزل وانتشار الانترنيت ووسائل الاعلام الاخرى ادت الى اعادة تفكير الاسر في طريقة تربية ابنائها خوفاً عليهم من الانعكاسات السلبية التي ربما تخلفها الوسائل الحديثة على سلوكهم وتؤدي الى تراجع تحصيلهم العلمي. وتطالب هذه الاسر بضرورة التشدد في مراقبة اطفالهم اثناء استخدامهم الوسائل الحديثة كي لا تعطي في النهاية نتائج عكسية. ولا يزال طلاب شهادة الدراسة الثانوية العامة "البكالوريا" يعانون من ارتفاع معدلات القبول الجامعي خلال العامين الاخيرين بعدما حلقت معدلات القبول في الكليات العلمية وغيرها من الكليات الى ارقام خيالية قذفت بأعداد كبيرة منهم خارج الجامعة مما شكل قلقاً حقيقياً اخذ يراود الطلاب وأهاليهم بعدما وصل معدل القبول في كلية الطب البشري الى 233 درجة من اصل 240 درجة. وقال احمد حمود 56 سنة وهو اب لطالب حصل على 183 درجة هذا العام ولم يمكنه معدله من الالتحاق في احدى الكليات الجامعية التي يرغبها "ان الدخول الى الجامعة اصبح حلماً لدى العديد من الطلاب بعد ارتفاع المعدلات اكثر من 10 درجات لكل كلية". وأوضح: "ان نظام المفاضلة المتبع للدخول الى الجامعات السورية معيار غير موضوعي لما يحتويه من ثغرات وسلبيات ساهمت في قلب مسيرة الطالب التعليمية وخصوصاً ابناء الطبقات الفقيرة الذين لا يستطيعون الانتساب الى الانظمة التعليمية الجديدة مثل الجامعة الافتراضية والتعليم المفتوح والموازي والتي تحتاج الى اقساط مالية باهظة". ويأمل حمود من الجهات المعنية تطوير نظام القبول من خلال اعتماد معايير اضافية تعتمد اسلوب القابلة والاختبار من لجان مختصة.