في الذكرى السنوية الأولى لارهاب 11 أيلول سبتمبر جعلت شبكة "سي بي إس" عنوان تغطيتها المتواصلة "اليوم الذي غيّر أميركا"، في حين اختارت شبكة فوكس شعاراً "يوم تغيرت أميركا". أميركا تغيرت ولم تتغير، فالارهاب الفظيع جمع الاميركيين حول ادارتهم في حرب ضد اهداف حقيقية ومتوهمة، ثم فرقهم في الموقف من الاعراض الجانبية لهذه الحرب. هناك تراجع في الحريات الشخصية، والادارة اليمينية استغلت الارهاب لفرض سرية على التحقيق والمحاكم لم يعرفها الاميركيون من قبل. وعندما اتهمت اجهزة الاستخبارات الاميركية بالتقصير في توقع ارهاب ذلك اليوم، امر وزير العدل جون اشكروفت بتحقيق مع 17 عضواً في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ عن تسريبات الى الصحافة، بدل ان يحقق جدياً في التقصير نفسه. اليوم هناك حوالى 600 معتقل من 43 بلداً في خليج غوانتانامو لم يقدموا معلومات عن زعيم واحد من القاعدة. وهناك في الولاياتالمتحدة نفسها خوسيه باديلا الذي عقد اشكروفت مؤتمراً صحافياً عنه زاعماً وقف ارهاب مخيف، فالمعتقل الذي حمل ايضاً اسم عبدالله المهاجر كان ينوي تفجير "قنبلة قذرة"، اي مشعة، في الولاياتالمتحدة. غير انه ثبت الآن ان هذا الزعم مبالغ فيه جداً، والى درجة ان يكون كاذباً. وبقي ان يعترف الوزير بالخطأ. اليوم لن تركز الولاياتالمتحدة على الاخطاء، وانما سيلوح المسؤولون والمواطنون ووسائل الاعلام كافة بالاعلام الاميركية، في تظاهرة من الوحدة الوطنية ضد ارهاب لا يبرره اي خطأ اميركي او اخطاء. حاكم نيويورك جورج باتاكي سيقرأ "خطاب غيتسبرغ" للرئىس لنكولن، وحاكم نيوجيرسي جيمس ماكغريفي سيقرأ اعلان الاستقلال، ورئىس بلدية نيويورك مايكل بلومبرغ سيقرأ خطاب "الحريات الاربع" للرئىس فرانكلن روزفلت. ويقدر الخبراء ان 90 ساعة من التغطية الخاصة ستبث عبر محطات التلفزيون اليوم، وسيصدر حوالى 150 كتاباً عن الارهاب خلال ايام او اسابيع. جير لونغمان سبق الجميع بكتابه عن الرحلة 93 التي سقطت في بنسلفانيا، وتحدثت عن بطولة اربعة ركاب حاولوا منع الخاطفين من اكمال مهمتهم، فسقطت الطائرة قبل الوصول الى هدفها. والخبراء يقولون ان رواية الكتاب عن الرحلة غير مؤكدة، ومن مصادر ثانوية، او "ثالثة"، ومع ذلك فالرحلة انجبت ابطالاً ترسخت بطولاتهم في الذاكرة الجماعية للأمة، وأصبحت عبارة "دعونا نكرّ"، او "دعونا نهجم" التي قالها احد الركاب لحظة الهجوم على الخاطفين، موضوع اغنية شعبية، وشعار فريق لكرة القدم. هذا على المستوى الشعبي، اما على المستوى الفكري او التعليمي، فهناك جدل صحّي مهم بين الليبراليين والمحافظين. وكانت جمعية التعليم الوطنية، وهي اكبر نقابة للمعلمين في الولاياتالمتحدة دعت الى التسامح وتنظيم دروس عن الاسلام، وحذرت من تحميل المسلمين المسؤولية، ورد عليها المحافظون فوراً بأنها تحاول التغطية على الارهابيين بالحديث عن تنوع المجتمع الاميركي واثارة "فكرة خطرة" عن توازن اخلاقي بين القاتل وضحيته. وقال الاتحاد الاميركي للمعلمين، المنافس للجمعية، ان اي حديث عن مسؤولية الولاياتالمتحدة في هذا الوضع بالذات هو خطأ بذاته. واذا كان لي ان ازيد تعليقاً غير نهائي على الجدل الدائر، فهو ان المحافظين اعلى صوتاً، وقد اعطى الارهاب بعضهم عذراً للتنفيس عن احقاد كامنة، ومن هؤلاء بيل اورايلي، في فوكس نيوز، فهو يميني مسعور اصلاً زاده الارهاب عداء للعرب والمسلمين، ومثله كثيرون يصعب حصرهم. واذا كان الارهاب جمع الاميركيين على مكافحته، وفرقهم على تهديده حرياتهم والوسائل والاهداف، فإن موقف بقية العالم اختلف بين يوم وقوع الارهاب، واليوم هذا. في 12 ايلول 2001 كتبت "لوموند" بحرف عريض "جميعنا اميركيون" وكان الرئىس الروسي الكسندر بوتين اول من عزى الرئىس بوش في الضحايا، فكانت مبادرته رمزاً الى نهاية عداء شغل معظم القرن الماضي. وأيدت بلدان مثل باكستان الحرب على الارهاب، وساعدت الدول القادرة الولاياتالمتحدة في إطاحة طالبان وتفكيك القاعدة. اليوم فرنسا وروسيا ضد حرب على العراق بحجة خطر الارهاب الذي يمثله النظام في بغداد. والواقع ان المكان يضيق عن سرد اسماء الدول المعارضة للسياسة الاميركية الحالية، فنكتفي بتسجيل المؤيدين، فهناك اسرائىل وربما مايكرونيزيا، ورئىس وزراء بريطانيا توني بلير، ورئىس وزراء ايطاليا سيلفيو برلسكوني، شخصياً، مع بقاء غالبية البريطانيين والايطاليين ضد اي حرب اميركية جديدة. واسرائىل لا تكتفي بالتأييد، بل تحرض علناً على العراق، ما يثبت شعور غالبية من العرب والمسلمين بأن الحرب التي تهدد بها الولاياتالمتحدة ضد العراق خطط لها انصار اسرائىل في الادارة تحت حجة مكافحة الارهاب، فهذه الحرب لا يمكن ان تفيد احداً غير اسرائىل. في مثل هذا الوضع من المعارضة للمخططات الاميركية يسهل فهم شعبية كتاب سخيف رخيص للفرنسي تييري ميسان، ترجم الى العربية ولغات عدة، هو "الكذبة المريعة" زعم فيه ان ارهاب 11 ايلول خطط له تحالف العسكر والصناعة في الولاياتالمتحدة لابقاء هيمنته على السلطة والمال. قلت امس وأكرر اليوم ان الارهاب خطط له ونفذه ارهابيون معروفون في القاعدة، وكل كلام غير ذلك باطل، خطره يرتد على قائله لأن انكار المسؤولية وابعاد التهمة عن المجرم ودفن الرؤوس في الرمال قد يؤدي الى تكرار المأساة، ويمكن الاختلاف على كل موضوع آخر، الا انه يفترض الاتفاق على نقطة واحدة هي ان ارهاب 11 أيلول يجب ألا يتكرر في الولاياتالمتحدة أو غيرها.