تتصاعد داخل الولاياتالمتحدة حرب علي جبهتين، مغايرة لحربها العسكرية في أفغانستان، هما جبهة القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب وجبهة الصراع بين الصقور والحمائم في صفوف الإدارة وخارجها في ما يتعلق بمسار الحرب وكيفية إدارتها. ويبدو أن اليمين الأميركي يرى في الظروف الحالية فرصة سانحة لفرض أجندته السياسية والقانونية على الإدارة أولا والمجتمع الأميركي ثانيا. وليس هذا الأمر مستبعدا كما يجب عدم التقليل من شأنه. وتقود المواجهة على الجبهتين شخصيات بارزة في الادارة، اذ أن نائب الرئيس دك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوويتز من المحسوبين علي تيار اليمين بمعناه الواسع. في حين أن وزير العدل جون آشكروفت أقرب إلى التيار الأصولي المسيحي المشهور بعدائه الشديد للأقليات والتعدد العرقي والثقافي والديني، والساعي منذ سنوات الى فرض قيود مشدّدة على الهجرة واللجوء السياسي و"تدفق الأجانب الذين يُغرقون البلاد ويهددون نسيجها الاجتماعي - الثقافي وقيمها الأخلاقية". وتجلى ذلك في النشاط المحموم الذي بذله جيري فالويل رئيس ما يُعرف ب"الغالبية الأخلاقية"، وغاري باور الذي رشّح نفسه للانتخابات الرئاسية الأخيرة وويليام بينت وزير التعليم السابق والقس المتطرف بات روبرتسون مقدم البرنامج التلفزيوني "700 كلوب" في التعبئة ضد المسلمين والعرب في الولاياتالمتحدة في أعقاب هجوم 11 أيلول سبتمبر الماضي، إذ أكّدوا أن ما حدث يؤكد صحة ما كانوا يذهبون إليه طوال السنوات الماضية. ليس هذا فحسب، بل أن روبرتسون الذي سبق أن وصف الإسلام بأنه "دين تخلف ورق وعبودية"، دعا مشاهدي برنامجه وأشياعه إلى الصلاة "لكي يمنع الرب انتشار الإسلام في الولاياتالمتحدة". وشّن روبرتسون هجوما لاذعا على شبكة "سي أن أن" وإتهمها بالتعاطف مع الإسلام والمسلمين و"تشويه مفهوم الجهاد عندما تصوره كأحد السبل المتاحة أمام المسلمين لتغيير أوضاعهم ومواجهة الظلم الاجتماعي ... هذا هراء. الجهاد مفهوم عنيف بالمطلق ... إن العالم الإسلامي مرتع لعمل الشيطان". لاشك في أن الظرف الموضوعي السائد منذ 11 أيلول وفر إطارا ملائما لهذا التيار ليصعّد هجومه على الحريات المدنية والسياسية. فهجمات الجمرة الخبيثة تثير الهلع وتكشف عجز الولاياتالمتحدة على رغم تفوقها العسكري والتكنولوجي عن التصدي لعدو غير محدد الملامح وإلحاق الهزيمة به سريعا وعلى نحو واضح. وأعرب ديفيد كول أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج تاون عن مخاوف عميقة من تصريحات آشكروفت قائلا إن "الحكومة حوّلت اهتمامها من الإرهابيين الفعليين إلى أولئك الذين ينتمون إلى فكر لا تقبله الولاياتالمتحدة. ليس من العدل أن نعامل إنسانا يرسل دواء إلى مستشفى كإرهابي". توسيع نطاق الحرب من جهة أخرى، يمارس اليمين الأميركي ضغوطه باتجاه توسيع نطاق الحرب وإرسال قوة برية لغزو أفغانستان لضمان إنجاز المهمة سريعا. وفي هذا الصدد اعتبر لاري هولمز رئيس مؤسسة "هيريتدج فاونديشن" وجيمس فيلبس الخبير في المؤسسة المعروفة بميولها الأصولية المتشددة، الحملة على أفغانستان فاشلة حتى اذا تم القضاء على حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" ما لم تشمل هذه الحرب إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وطفحت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة طوال الأيام الماضية بدعوات صريحة ومباشرة لتصعيد نوعي في الحرب ضد أفغانستان، وإكمال حرب الخليج الثانية مرة واحدة وإلى الأبد. ويستفيد هذا الفريق من تسريبات منظمة تصدر عن عناصر في الإدارة في محاولة لتشكيل رأي عام ضاغط في هذا الاتجاه. ولا يؤمن هذا الفريق الذي تمثله شبكات "فوكس" و"أن بي سي" و"سي أن أن" التلفزيونية وصحيفة "وول ستريت جورنال" ومجلة "ويكلي ستاندارد"، ومن أهم عناصره ويليام كريستول وتشارلز كراوثهامر المقرّبان من اللوبي الإسرائيلي وفرانسيس فوكوياما وجين كيرباتريك بأن عناصر يمينية أميركية متطرفة هي المسؤولة أو قد تكون مسؤوولة عن هجمات الجمرة الخبيثة. وكان هؤلاء وقعوا بيانا موجها الى الإدارة قالوا فيه: "من المحتمل أن تكون الحكومة العراقية ساهمت بشكل أو بآخر في الهجوم الأخير. ولكن حتى اذا كانت الأدلة لا تربط العراق بالهجوم مباشرة، فإن أي إستراتيجية لاستئصال الإرهاب ومن يرعاه لابد أن تشمل جهدا يتسم بالتصميم لإزاحة صدام حسين عن السلطة". وحظي هذا الفريق بتأييد السناتور جون ماكين والسناتور جوزيف ليبرمان الذي نشر مقالا في صحيفة "وول ستريت" دعا فيه الإدارة إلى "التمسك بتصميمها على إزالة عدونا الإرهابي المتصلب صدام حسين من السلطة قبل أن يتمكن من مهاجمتنا بأسلحة الدمار الشامل. وسواء أكان صدام حسين متورطا مباشرة في هجمات الجمرة الخبيثة أم لا، أو في عمليات 11 أيلول الإرهابية، فإنه بالتعريف العام إرهابي ولابد من إزالته". ووصف كريستول وكراوثهامر سياسة بوش في أفغانستان ب"الضعف والتردد"، وحضا الإدارة على القيام بعمليات قصف شاملة لأفغانستان يعقبها غزو بري وإلاّ واجهت الولاياتالمتحدة استمرار "طالبان" في الحكم حتى نهاية الشتاء "ما يعني ضعف أميركا وهزيمتها". ويبدو أن الدعوات التي وجهها هذا الفريق لإرسال قوات برية إلى أفغانستان لاقت تجاوبا من بعض المسؤولين في البنتاغون وفي أوساط الكونغرس بمجلسيه وفي الحزبين. وإذا كان بعضهم يفضل إرسال قوات برية صغيرة العدد تكون مهمتها تعزيز "تحالف الشمال" والتعهد بحمايته الى أجل غير مسمّى حتى يتحقق إستقرار أفغانستان، فإن آخرين أصبحوا يشككون في احتمال نجاح قوات التحالف في إلحاق الهزيمة ب"طالبان" حتى اذا توافر لها دعم عسكري أميركي. وترى هذه الأصوات أن التدخل الأميركي البري الشامل قد يصبح خيارا لا مفر منه. ويبدو أن زيارة رامسفيلد لروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ستكون متصلة بتقويم احتمالات التدخل البري الأميركي وحجمه وأبعاده.