أبعد من المناظرة التلفزيونية التاريخية التي جرت بين المستشار الاشتراكي الألماني غيرهارد شرودر وغريمه المسيحي البافاري ادموند شتويبر، ليل الأحد الماضي، وأبعد من السؤال عمن فاز فيها هناك من يقول إن شتويبر هو الفائز، وهناك من يقول شرودر، برز سؤال كبير في نهايتها: هل يمكن لمثل هذه المناظرات أن تغيّر موقف الناخب الألماني، كما يحصل في الانتخابات الأميركية، قبل أربعة أسابيع من موعد الانتخابات النيابية العامة في المانيا؟ الجواب كان "لا" بالاجماع تقريباً. إلا أن بعض الخبراء تحدث عن إمكان حدوث تغيير في مواقف نسبة من الناخبين قد تراوح بين ثلاثة وخمسة في المئة، وهو رقم قد لا يكون كبيراً، لكنه في الحالات الدقيقة قد يكون حاسماً. ومع ذلك رأى هؤلاء أن لا ضمان بأن تلتزم هذه النسبة من الناخبين بالشخص الذي تعتقد أنه فاز في المناظرة لأن غالبية الناس هنا مسيّسة على عكس الأمر في الولاياتالمتحدة. ومع ذلك أراد الطرفان الحزبيان الكبيران في البلاد، الاشتراكي الديموقراطي والديموقراطي المسيحي مع شقيقه الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري، نقل تقليد المناظرات الانتخابية الأميركية إلى الواقع الألماني الذي لم يعرف مثيلاً له في السابق. والتقليد المتبع هنا هو اجراء مناظرة بين رؤساء الأحزاب الأساسية مباشرة بعد إعلان نتيجة الانتخابات. ولم يرغب الألمان بالطبع نقلاً آلياً، فحددوا قواعد صارمة توجب على المستشار ومنافسه التزامها، مثل تحديد مهلة الرد على السؤال المطروح ب90 ثانية فقط تضاف إليها فترة 60 ثانية في حال التعقيب. بالإضافة إلى ذلك، كان ممنوعاً على الطرفين دخول سجالات مباشرة ومفتوحة. وبفضل الإعلان المسبق عنها، أصبحت المناظرة محور حديث الناس في البلاد وسجلت رقماً قياسياً في عدد المشاهدين بلغ 15 مليون شخص. وكما انقسم السياسيون ورجال الإعلام والمجتمع حول من فاز، تضاربت الاستفتاءات السريعة التي أجرتها مجموعتان من معاهد دراسة اتجاهات الرأي العام في نتائجهما، إذ أعلنت الأولى عن فوز شرودر بنسبة 42 في المئة مقابل 36 في المئة لمنافسه، بينما أعلنت الثانية فوز شتويبر على المستشار بنسبة 37 مقابل 35 في المئة. والانطباع العام لدى المراقبين هو أن شرودر تفوق في السياسة الخارجية، خصوصاً في تكرار موقفه من العراق، وبدا أكثر هدوءاً وأقل حزماً في أجوبته، لكن شتويبر ظهر أقوى في الأجوبة مما كان يعتقده الكثيرون بحيث تمكن من استغلال وضع الحكومة الضعيف في مسائل ارتفاع البطالة وبطء النمو الاقتصادي وارتفاع الضرائب، ليهاجمها بقوة ويحمل المستشار المسؤولية المباشرة عنها أكثر من مرة من دون أن يتمكن الأخير من التدخل. هذا الأمر جعل هيئة أركان قيادة الحملة الانتخابية للمستشار الالماني، ومن ثم شرودر نفسه، يطالبان بتمييع القواعد الحازمة التي تم الاتفاق عليها مسبقاً بين الطرفين بما يسمح بمساجلة مباشرة بين الشخصين مفتوحة نسبياً، لكن فريق منافسه شتويبر رفض الاقتراح بصورة مطلقة لأنه رأى ان الأمر لن يكون لمصلحته. وهكذا ينتظر الألمان بشغف المناظرة الثانية التي ستجرى في 8 الشهر المقبل، أي قبل اسبوعين من موعد الانتخابات، على رغم أنهم يعرفون سلفاً من سينتخبون بغض النظر عن الفائز فيها.