أعلنت جميع الدول العربية بلا استثناء بما فيها الكويت التي تعرضت للغزو والاحتلال العراقي سبعة اشهر عام 1990، معارضتها للعملية العسكرية الأميركية ضد العراق، وليس ذلك حرصاً على نظام صدام حسين او حباً به، فهذا النظام لا يستحق أن يذرف عليه الدمع بالنظر للجرائم العديدة التي ارتكبها في حق شعبه وحق جميع الدول العربية بلا استثناء، ولكن تأتي معارضة الدول العربية من كراهيتها ورفضها للسياسة الأميركية المنحازة بشكل مطلق لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني والمصالح العربية، ومن حرصها على العراق وشعبه الذي يعاني من شظف العيش وانعدام الامن منذ اكثر من 34 سنة عندما تولى حزب البعث برئاسة صدام حسين حكم العراق، وما حدث خلال هذه السنين من حروب ومغامرات عسكرية كبدت شعب العراق اكثر من مليون فرد بين قتيل ومصاب ومفقود وأسير، وخسائر مادية تقدر بأكثر من 500 بليون دولار، وحولته الى افقر دولة في الشرق الاوسط. وبالتالي فإن هذا الشعب اصبح في وضع لا يجعله يتحمل المزيد من المعاناة التي ستسببها العملية العسكرية الأميركية المقبلة، وما ستحدثه من قتل وخراب ودمار ليس فقط على صعيد الجيش العراقي، ولكن ايضا على صعيد الشعب العراقي وبنيته الاساسية، حيث تقدر الدوائر الأميركية أن الفاتورة النهائية لإعادة بناء العراق تصل الى حوالى 300 بليون دولار، كما سيحتاج الشعب العراقي بعد زوال حكم صدام الى مساعدات تصل الى 17 بليون دولار على خمس سنوات. السبب الثاني للمعارضة العربية، يتمثل في التخوف من احتمال قيام صدام بواسطة ما يمتلكه من صواريخ أرض - أرض واسلحة دمار شامل، ان يوجه هجمات انتقامية بواسطة الصواريخ المحملة بهذه الاسلحة ضد أهداف استراتيجية في دول الخليج العربية المحيطة به، وهو ما كشف عنه حسين كامل صهر صدام ومسؤول الصناعات الحربية عندما كان هارباً في الاردن عام 1995، وما يمكن ان تحدثه هذه الاسلحة من ابادة جماعية للبشر وخراب في مرافق البنية الاساسية لدول الخليج العربية، خصوصاً أن صدام حسين لم يتورع عن استخدام هذه الاسلحة ضد إيران في حرب الثماني سنوات، وضد الأكراد في عام 1988 وضد انتفاضة مدن الجنوب العراقية في آذار مارس 1991. كما تخشى الدول العربية من حالة الفوضى التي قد تسود العراق وتنسحب بالتالي على باقي بلدان المنطقة اثناء العملية العسكرية وبعدها خصوصاً في شكل موجات من اللاجئين العراقيين التي يتوقع ان تتدفق على السعودية والكويتوالاردن وسورية وايرانوتركيا، وهو ما جعل تركيا تجتاح بقواتها شمال العراق عدة مرات طوال السنوات الماضية بزعم مطاردة فلول حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وستشجعها الضربة المقبلة ضد العراق على تكرار ذلك. وتتمثل خطورة هذا الامر في طمع تركيا في بسط سيطرتها على هذه المنطقة من شمال العراق، بدعوى اقامة حزام امني وحماية الاقلية التركمانية، في حين ان أنقرة لا تخفي اطماعها في محافظة الموصل وكركوك بسبب مواردها النفطية، وذلك تحت مزاعم تاريخية بأن لواء الموصل كان في الماضي جزءاً من الدولة العثمانية. يضاف الى ما تقدم الغموض الذي يكتنف مستقبل العراق في مرحلة ما بعد صدام، بخاصة في ما يتعلق بطبيعة النظام الذي سيسيطر عليه، وسيكون بالطبع موالياً للولايات المتحدة، ومدى تأثير ذلك على ايران، هذا بالاضافة الى التخوف من احتمالات تقسيم العراق عرقياً وطائفياً الى ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب، قد تسعى للانضمام الى الوطن الأم في ايران، وهو ما تعارضه الدول العربية، وكذلك تركيا، لما له من تأثيرات سلبية عليها بالنظر لوجود أقليات عرقية وطائفية عدة ذات دعاوى انفصالية في هذه الدول. وتزداد المخاوف العربية من الصراعات الداخلية التي قد تسود العراق، وتصفية الحسابات القديمة بين انصار نظام صدام ومعارضيه سواء في الجيش او في القبائل والعشائر، او بين المعارضين في الداخل والمعارضين القادمين من الخارج، لا سيما ان أكثر من ثلاثة ملايين عراقي فارين من النظام الصدامي في الخارج سيعودون الى العراق، ويعكسون تيارات سياسية متباينة، وما قد يترتب على ذلك من فوضى شاملة قد تصل الى حرب اهلية كما يحدث في افغانستان اليوم، ستؤثر قطعاً على امن باقي دول المنطقة واستقرارها. سيسبب انتصار الولاياتالمتحدة في العراق ازدياداً في نفوذها في منطقة الخليج والشرق الاوسط بشكل عام، وسينعكس ضغوطاً اضافية على الدول العربية لتلبية متطلبات السياستين الأميركية والإسرائيلية وهي في الواقع سياسة واحدة تسعى الى إخضاع الدول العربية للارادة الأميركية والإسرائيلية، وتطويعها بما يتفق والمصالح الأميركية والإسرائيلية. وقد يشجع سقوط النظام الصدامي الولاياتالمتحدة ويفتح شهيتها على اسقاط أنظمة سياسية عربية وإسلامية اخرى في المنطقة لا توافق على الخضوع للإرادة الأميركية مثل سورية وايران وليبيا، وبما يكرس الهيمنة الأميركية على منطقة الشرق الاوسط، فقد كانت البداية اسقاط نظام طالبان والامساك ببن لادن والملا عمر في افغانستان، وهو ما فشلت فيه الولاياتالمتحدة حتى اليوم، ثم عرفات الذي تطالب الإدارة الأميركية وإسرائيل باستبعاده، واليوم الدور على صدام حسين، ولا بد أن الدور سيأتي بعد ذلك على آخرين من القادة العرب والمسلمين، وما اكثر المبررات والذرائع التي ستلجأ اليها واشنطن. ولا جدال في أن صدام حسين ونظامه مسؤولان مسؤولية كاملة عما آلت اليه اوضاع الشعب والجيش العراقيين من تدهور وتخلف على كل الاصعدة والمستويات، فهو الذي دفع ببلاده وبالمنطقة الى أتون الحروب وأجهز على ما فيها من مقدرات بشرية ومادية ومعنوية وهو بذلك قدم اجل الخدمات لاعداء الامة العربية والاسلامية سواء بالوعي او باللاوعي، كما أنه لا جدال في ان التخلص منه سيحظى بارتياح كبير عند الشعب العراقي وشعوب المنطقة. ولكن ما يثير قلقنا وارتيابنا هو انفراد الولاياتالمتحدة بتحديد كيفية اسقاط صدام، ونوع النظام الذي سيخلفه، وقد لا نبالغ إذا قلنا ان نوع وطبيعة النظام الذي سيخلف صدام، امر لا يقل خطورة على امن دول المنطقة من عملية اسقاط نظام صدام نفسها. فلن يقبل العراقيون ان تصنع أميركا زعيماً آخر في العراق من جلاديه الفارين بعد كل الدماء التي سفكوها والحرمات التي انتهكوها ابان وجودهم في السلطة مع صدام، خصوصاً ان الاسماء المرشحة لخلافة صدام كانت ضمن رموز السلطة وحزب البعث في العراق، مثل الفريق نزار الخزرجي رئيس الاركان السابق، واللواء وفيق السامرائي مدير الاستخبارات العسكرية والعميد نجيب الصالحي قائد احدى الفرق في الجيش. فقد اثبتت التجارب أن المواقف الأميركية عرضة للتقلب تبعاً للأهواء والمصالح السياسية الأميركية، بخاصة المصالح الانتخابية. وما يهم الادارة الأميركية حالياً هو القضاء على الخطر الذي يشكله نظام صدام على مصالحها بعد ان انتهى دوره في خدمتها، كما انتهى من قبل دور شاه ايران ودور ماركوس الفيليبيني، وليس الحرص على اقامة نظام وطني عادل في العراق، بدليل ان واشنطن التزمت الصمت حيال جرائمه الوحشية في العراق طيلة عقود زمنية ثلاثة، خصوصاً ان قواتها في الخليج لم تفعل شيئاً لمنع صدام بعد هزيمته من سحق الانتفاضة الشعبية في آذار مارس 1991 بعد ما سيطر الثوار على ثلثي العراق وكانوا من سقوط صدام قاب قوسين أو أدنى، وهو ما يفرض على قوى الشعب العراقي في الداخل والقادمة من الخارج ان تعي كل هذه الحقائق ولا تسمح للولايات المتحدة أن تفرض عليها رئيساً من صناعة أميركية، وتصر على اجراء انتخابات حرة لاختيار ممثلي الشعب العراقي بكل فئاته وطوائفه لتشكيل برلمان يتولى من داخله انتخاب رئيس للعراق ينقل البلاد من حالة الفوضى والتردي التي تسودها الى بر الامان. وعلى رغم كل هذه التقديرات والاحتمالات والتوقعات، فمن المؤكد ان الحرب المقبلة في العراق ستحمل من المفاجآت العديدة ما لا قد يتوقعه احد، فقد يفاجئ صدام العالم بإعلان تنحيه عن الحكم لصالح ابنه قصي، وهو ما يعني في المحصلة استمرار الصدامية من دون صدام وهو ما لن ينطلي على احد، وقد يكون من هذه المفاجآت ايضا سرعة وسهولة انهيار نظام صدام حسين واستسلام جيشه بلا شروط بل وانقلابه على النظام، وكذلك عشائر العراق وتجمعات شعبه، ومن المفاجآت المتوقعة ايضا ان يقود احد المقربين جداً من صدام انقلاباً عليه. كاتب مصري.