تتصاعد الجهود المحمومة للولايات المتحدة، بالتعاون مع بريطانيا، لحشد قواتها وأساطيلها المجهزة بأحدث ما انتجته التكنولوجيا العسكرية، استعداداً لشن هجوم واسع النطاق على العراق مبررة ذلك بعدم التزام النظام الدكتاتوري الصدامي بتنفيذ قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بتدمير أسلحة الدمار الشامل، مما جعل الشعب العراقي رهينة استهتار النظام الصدامي والسياسة العدوانية الاميركية التي تحاول ايجاد الذرائع للهجوم المرتقب، والذي قد يؤدي اذا ما وقع الى كارثة خطيرة لا يمكن تحديد مداها، وبكل تأكيد فأن الضحية سيكون الشعب العراقي المغلوب على أمره. فلماذا تصر الولاياتالمتحدة على استخدام القوة العسكرية الغاشمة؟ وهل هي حقاً، كما تدعي، لاجبار صدام حسين على تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، ام ان لها اهدافاً وغايات بعيدة المدى تبغي تحقيقها؟ وللاجابة على هذا السؤال نستطيع القول ان الولاياتالمتحدة لو كانت صادقة في دعواها لاتخذت من مجلس الأمن سبيلاً لفرض مطالبها على النظام العراقي بالتعاون مع بقية اعضاء مجلس الأمن الدولي، وخاصة مع الاعضاء الدائمين في المجلس، واقصد بهم روسياوفرنسا والصين. لكن الولاياتالمتحدة تريد ان تنفرد في اجراءاتها ضد العراق، بعد ان رفضت الدول الكبرى الثلاث اللجوء الى القوة العسكرية مع العراق، مدعية ان لديها تخويلاً من مجلس الأمن عام 1990 يسمح لها بمهاجمة العراق لاجبار صدام حسين على التقيد بقرارات مجلس الأمن. وهذا القول هو محض هراء لا يقره القانون الدولي على الاطلاق. فعام 1998 ليس عام 1990 عندما كان النظام العراقي قد غزا الكويت واحتلها. لا شك اذاً ان هناك دوافع خفية للحماسة الاميركية لضرب العراق تبغي واشنطن من خلالها تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة الطافية على بحيرة كبرى من النفط، اضافة الى تمتعها بموقع استراتيجي مهم جداً بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الاميركية. ان المتتبع لمجرى الاحداث يستطيع ان يستشف ما يلي: 1- ان أوراق النظام العراقي كما يبدو قد احترقت، وان الولاياتالمتحدة هذه المرة تبدو عازمة على اسقاط النظام الصدامي، واقامة نظام بديل يلبي مطامح ومصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط والخليج، ولا يسبب لها القلق لفترة زمنية طويلة ... 2- ان اسقاط النظام العراقي من قبل الولاياتالمتحدة سوف يعني فرض هيمنتها التامة على العراق، وهذا يعني حرمان روسياوفرنسا والصين من العقود الاقتصادية والنفطية التي سبق ان وقعتها مع النظام العراقي وتجيرها لصالحها. انما المواقف الفرنسية والروسية والصينية في أساسها تخضع لمصالحها الاقتصادية التي تسعى الولاياتالمتحدة الى استلابها منها واحكام هيمنتها المطلقة على نفط الخليج. ومن هنا كان التناقض في المواقف في مجلس الأمن حيث تسعى فرنسا والصين وروسيا الى حل الأزمة بالوسائل السياسية والديبلوماسية، في حين انفردت الولاياتالمتحدةوبريطانيا في قرارهما اللجوء الى القوة العسكرية، بصرف النظر اذا قبل الآخرون أم لا. 3- ان الولاياتالمتحدة تضع في استراتيجيتها مسألة عدم الاطمئنان الى الوضع القائم في روسيا اليوم، وعلى الرغم من العلاقات التي تسود بين الطرفين في الوقت الحاضر، فان الولاياتالمتحدة يساورها القلق من المستقبل، خصوصاً ان الرئيس الروسي يلتسين في وضع صحي لا يحسد عليه ... 4- أخذ النظام العراقي يسعى بكل جهده في الأشهر الاخيرة الى تحسين علاقاته مع سورية من جهة، ومع ايران من جهة اخرى، ولا شك ان الولاياتالمتحدة لا تنظر بعين الرضا لهذا التطور في العلاقات بين هذه الدول، ولا سيما وان سورية البلد العربي الوحيد الذي يقف اليوم بوجه الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة، مدعومة من قبل ايران التي لا ترتاح الولاياتالمتحدة للنظام القائم فيها، وتعتبره خطراً على أمن الخليج. وحيث ان اسرائيل لازالت تحتل الجولان السورية، فأن التوتر سيبقى مستمراً في المنطقة، وان قيام أي نوع من التعاون والتحالف بين سورية والعراقوايران في المستقبل يهدد المصالح الاميركية واسرائيل، وعليه فان الولاياتالمتحدة واسرائيل سوف تعملان بكل طاقاتهما لمنع مثل هذا التحالف. ولا شك ان اسقاط النظام الصدامي المكروه من الشعب، والاتيان بحكومة اخرى تلبي وتحفظ المصالح الاميركية في المنطقة يخدم بكل تأكيد مصالحها الاستراتيجية. وبعد كل هذا فأن ما نطمح اليه اليوم ان يجري تغيير النظام الصدامي على أيدي شعبنا وجيشنا الوطني بعيداً عن التهديدات الحربية الاميركية وهيمنتها ووصايتها. فقد كفى شعبنا العراقي ما تحمل من حروب وويلات ومآسٍ على أيدي هذا النظام الدكتاتوري الفاشي، والمعتدين الخارجيين.