في واشنطن، سباق بين اتجاهين يقوم احدهما على استمرار الحوار مع سورية حول جميع القضايا المطروحة بما فيها الارهاب وعملية السلام، فيما يدعو الآخر الى القطيعة وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على دمشق بصرف النظر عن موقفها من هذه الملفات الاساسية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. وبسبب قناعة السوريين ان "الحاجة للحوار تكون اكثر عندما تظهر الخلافات" مع واشنطن ينتظر ان ينظم "مركز بيكر للسياسات العامة" برئاسة السفير السابق ادوارد دجيرجيان الجلسة الثانية من الحوار السوري-الاميركي في كانون الاول ديسمبر المقبل بعد انعقاد الجلسة الاولى في جامعة "رايس" تكساس في حزيران يونيو الماضي. في هذا الاطار، جاء لقاء الرئيس السوري بشار الاسد اول من امس مع دجيرجيان في حلب لتأكيد "اهمية نقل حقيقة الموقف العربي الى الرأي العام الاميركي"، عبر محاور عدة: حوارات بين خبراء واكاديميين وديبلوماسيين وقيام مسؤولين سوريين بالكتابة عن الموقف السوري في وسائل الاعلام الاميركية الكبيرة والمحلية، اضافة الى ضرورة قيام السفارة السورية في واشنطن بجهود اضافية في اطار الديبلوماسية العامة والاتصال مع اعضاء الكونغرس والنافذين في الادارة الاميركية. وكان مقررا انعقاد جلسة الحوار الثانية في الخريف المقبل، لكن نصائح عدد من المشاركين بينهم السيناتور آرلن سبكتر ادت الى تأجيلها الى نهاية العام بما يسمح لعدد من النواب الجدد بالمشاركة في الحوار الذي اشترط فيه الجانبان ان يكون "بعيدا عن الاعلام كي يكون صريحا ومفيدا وعميقا" بهدف تقريب وجهات النظر حول: الارهاب وتمييزه عن المقاومة، شروط تحقيق السلام في الشرق الاوسط، وكيفية تطوير العلاقات الثنائية. ويسابق هذا التيار الذي تمثله وزارة الخارجية وعدد من اعضاء الكونغرس مثل سبكتر وداريل عيسى تيارا آخر يسعى الى فرض عقوبات اضافية على سورية. اذ يتوقع ان تناقش لجنة الشرق الاوسط في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مشروع "قانون محاسبة سورية" في الخامس او السادس من الشهر المقبل بناء على اقتراح رئيس اللجنة الفرعية النائب بنيامين غليمان، بالاستماع الى شهود بينهم الخبير البريطاني باتريك سيل القريب من الموقف السوري والدكتور دانيال بايبس رئيس تحرير "ميدل ايست كوارترلي" الداعم لموقف اليمين الاسرائيلي، اضافة الى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط السفير ديفيد ساترفيلد الذي يقوم بجولة شرق اوسطية قريبا ومسؤول مكافحة الارهاب في الخارجية فرانسيس تايلور. ويدعو مشروع القانون، الذي صاغه مؤيدو اسرائيل، الرئيس بوش الى "منع الولاياتالمتحدة من تصدير اي مواد ذات استخدام مزدوج مدني وعسكري وعدم تقديم اي تسهيلات للاستثمار في سورية وفرض عقوبات اقتصادية" الى حين تحقيق ستة شروط هي :"عدم دعم المنظمات الارهابية، سحب جميع قواتها العسكرية من لبنان، وقف تطوير الصواريخ البالستية والاسلحة الكيماوية، عدم خرق القوانين الدولية، تحقيق تقدم جوهري في مفاوضات السلام وتوقيع اتفاق سلام مع لبنان، احترامها سيادة واستقلال لبنان". وحسب المعلومات المتوافرة لاوساط ديبلوماسية في دمشق، فان مشروع القانون سيقر في لجنة الشؤون الخارجية ولدى التصويت عليه في مجلس النواب، علماً ان مؤيدي اسرائيل مثل النائب الجمهوري تكساس ريتشارد آرمي حشد تأييد اكثر من 147 نائبا من اصل 425 نائبا منذ اطلاق مشروع القانون في نيسان ابريل الماضي. لكن الاوساط الديبلوماسية ذاتها، تعتقد بأن القانون لن يقر في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الذي يحتاج الى المرور بعملية مماثلة، مع ان عضو مجلس الشيوخ السيناتور باربرا بوكسر تبنت مشروع القانون وحشدت ثلث الشيوخ. وما يقلل من احتمالات اقراره في مجلس الشيوخ اقتراب موعد الانتخابات، اذ ليس هناك وقت لمناقشته سوى شهر قبل اجراء انتخابات فرعية الاّ في حال اصرار مؤيدي اسرائيل ومعارضي سورية على مناقشته في الفترة الانتقالية لعمر مجلسي الكونغرس، قبل اعلان تشكيلته النهائية. اما المرحلة الثالثة والنهائية التي تساهم في تقليل فرص اقراره، فتتمثل في ان دخول القانون حيز التطبيق في حال اقراره في مجلس الشيوخ يتطلب توقيع الرئيس جورج بوش. وعلى رغم وجود موقف متشدد ضد سورية تمثل في خطاب بوش في 24 حزيران يونيو الماضي ودعوته دمشق الى "اغلاق معسكرات الارهابيين"، فان معارضة وزارة الخارجية ومؤيدي استمرار الحوار مع دمشق يشكل عاملا مساعدا لمنع اقراره. وكان وزير الخارجية كولن باول ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ويليام بيرنز والسيناتور سبكتر كتبوا الى الكونغرس معارضين اقرار القانون لاهمية سورية في عملية السلام ولدورها في انقاذ حياة اميركيين. ولا شك ان تطورات ملفي العراق ومفاوضات السلام وموقف دمشق منهما، ستلعب دورا كبيرا في حسم التسابق بين تيارين في الادارة الاميركية والكونغرس.