شهدت الحكومة السودانية ارتباكاً كبيراً أمس بعد اصدار المحكمة الدستورية أعلى هيئة قضائية قرارات متناقضة في شأن اطلاق الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي. وسارع رئيس المحكمة جلال علي لطفي الى نفي اعلان قاضي شؤون المعتقلين في المحكمة علي يحيى صدور قرار باطلاق الترابي. وكشفت هذه التطورات ارتباكاً شديداً في صفوف الحكم حيال مسألة الترابي المثيرة للجدل. وعلم ان تياراً في الحكم يسعى الى استباق اطلاقه نتيجة لاتفاق السلام، في حين يعارض تيار آخر الأمر ويحذر من انعكاسات على أمن الحكم لاطلاق زعيم حزب المؤتمر الشعبي. وبثت الاذاعة الرسمية تصريحاً باسم لطفي أفاد فيه انه "لم يصدر قرار مثل هذا، وإذا تبين ان هناك قاضياً أصدر قراراً كهذا ستتم محاسبته". وبدا ان التفسير الوحيد لهذا الارتباك وجود صراع بين التيارين في شأن قضية اعتقال الأب الروحي لحكومة الرئيس عمر البشير. وكان اعلان علي يحيى قرار اطلاق الترابي حرك مجدداً قضية احتجازه المستمر منذ توقيع حزبه "المؤتمر الشعبي" "مذكرة تفاهم" مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق منذ 16 شهراً. وأكدت السيدة وصال المهدي زوجة الترابي عزمه على استئناف نشاطه السياسي فور خروجه من معتقله. في غضون ذلك، تجاهلت القاهرة تصريحات مثيرة للبشير أكد فيها انه لن يتنازل عن مثلث حلايب الحدودي المتنازع عليه، وبدا أنها ترد بدلاً من ذلك على اعلان وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل عزمه زيارة القاهرة للقاء الرئيس حسني مبارك، مؤكدة انها لم تتلق طلباً رسمياً أو اخطاراً بالزيارة. في الخرطوم، أعلن مسؤول الشؤون القانونية في "المؤتمر الشعبي" محمد الحسن الأمين أن القاضي المسؤول عن قضايا المعتقلين في المحكمة الدستورية أبلغه أن قراراً اتخذ باطلاق الترابي، وأن نصه سلم الى الأجهزة الأمنية لكنه لن يسلم الى محامي الترابي قبل مرور يومين. وأكد ان هيئة الدفاع عن الزعيم الاسلامي ستتقدم الى المحكمة الدستورية بطلب يؤكد عدم تنفيذ المسؤولين الأمنيين قرارها، اذا لم يطلق الترابي اليوم. واوضح ان المحكمة اتخذت قرارها لانتهاء المدة القانونية للاعتقال من دون محاكمة. وكانت رفضت مرتين في الماضي اطلاق الزعيم الاسلامي ما يشير الى ارادة سياسية وراء قرارها. لكن السيدة وصال المهدي قالت ل"الحياة" من مقر اقامة زوجها الاجبارية في ضاحية كافوري ان مسؤولاً امنياً ابلغ اسرتها ان السلطات تدرس اجراءات تنفيذ قرار المحكمة لكنه لم يحدد موعداً. وتوقعت ان "تحاول السلطات الالتفاف على القرار بالافراج عن الترابي لفترة محدودة لتجاوز الحرج ومعاودة اعتقاله" مجدداً. وشددت على ان زوجها مصمم على استئناف عمله السياسي فور اطلاقه والعمل لاعادة بناء حزبه، خصوصاً انه لا يوجد حظر على نشاط الحزب الذي اغلقت السلطات دوره وعطّلت صحيفته. وتوقعت ألا تتحمل الحكومة نشاط الترابي ولم تستبعد ان تسعى الى منعه، مشيرة الى انه "رفض التعهد بوقف نشاطه مقابل الحصول على حريته". وعلم ان اجتماعاً عقد في القصر الجمهوري قبل اسبوع قرر اطلاق الترابي نتيجة الضغوط المتزايدة، خصوصاً بعد توقيع الحكومة اتفاقاً مع قرنق الذي طالب مرات باطلاق الزعيم الاسلامي. وتفيد معلومات تلقتها "الحياة" ان تنفيذ القرار ارجئ الى حين درس الآثار الامنية والخارجية. وعلى جبهة العلاقات المصرية - السودانية التي تعاني بروداً منذ توقيع الحكومة اتفاقها مع قرنق، ردت القاهرة بعد يوم على اعلان اسماعيل انه سيزور مصر خلال يومين لنقل رسالة من البشير الى مبارك مؤكدة أنها "لم تتلق طلباً رسمياً أو اخطاراً بالرغبة في اتمام الزيارة". وتقرأ هذه المعطيات لدى المصادر المصرية مع حديث أدلى به البشير الى صحيفة "الوطن" القطرية، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن البشير قوله للصحيفة: "لم نتنازل عن حلايب بدليل اننا قدمنا شكوى في الأيام الأخيرة الى مجلس الأمن". وأضاف: "قدمنا تصوراً بأن تكون حلايب منطقة تكامل ونحن بانتظار الرد المصري. لن نتنازل أبداً عن المطالبة بهذه المنطقة".