أصدرت محكمة باكستانية اخيراً حكم الاعدام على عمر الشيخ 27 عاماً، الناشط الاسلامي البريطاني المولد، بعد تجريمه بخطف وقتل الصحافي الأميركي داني بيرل. ولم يشكك الا القليلون بتورط عمر الشيخ. فقد أكد الصحافيون الذين غطوا مثوله الأول أمام المحكمة انه كان قد اعترف الى السلطات بخطف الصحافي الأميركي، وان الأخير قد قتل. وجاء هذا قبل بث شريط الفيديو الذي أظهر الطريقة البشعة التي نفذت فيها الجريمة. لكن ذلك الاعتراف في شباط فبراير الماضي لم يسجل قضائياً، ومن هنا لم يستطع المدعي العام استخدامه ضده. وعندما بدأت المحاكمة الفعلية تراجع عمر الشيخ عن الاعتراف، وادعى ان لا علاقة له بالجريمة التي صدمت البلاد والمتمثلة بقتل مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال". وكان برويز مشرف تلقى قبل القبض على الشيخ طلبين لتسلمه. الأول كان من الولاياتالمتحدة التي أرادت محاكمته بتهمة التورط في خطف وقتل عدد من السياح الأميركيين في كشمير في 1994. والثاني من الهند، التي طالبت به بعد اطلاقه من سجونها اثر اختطاف طائرة ركاب هندية. لكن مشرف اختار محاكمة عمر الشيخ في محكمة باكستانية. المفارقة هي ان النظام الديكتاتوري عندما جلب المتهم للمحاكمة لم يستطع القيام بذلك في الشكل الصحيح. وشهد مجرى القضية الكثير من التناقضات والأخطاء، الى درجة ترجح رفع القضية الى محكمة الاستئناف. من ذلك ان النظام القضائي الباكستاني يحتم على المشتكي، وهو في هذه الحال أرملة بيرل، المثول امام المحكمة لتقديم الشكوى. لكنها لم تحضر، ولم تُشكل هيئة لتسجيل شكواها عياناً في مكان اقامتها في باريس. كما ان القانون الباكستاني يشترط العثور على الجثة قبل البدء بمحاكمة بتهمة القتل. لكن السلطات لم تعثر على الجثة، بالرغم من وجود شريط الفيديو الذي أظهر عملية القتل. وهكذا لا يمكن، حسب القانون في وضعه الحالي، توجيه تهمة القتل رسمياً الى عمر الشيخ. الدليل الرئيسي على علاقة الشيخ بالجريمة كان شهادة سائق تاكسي أوصل الضحية الى مطعم في كراتشي، وكانت تلك المرة الأخيرة التي شوهد فيها بيرل حيا. لكن شهادة سائق التاكسي تفتقر الى قرائن داعمة. فيما يعترف السائق نفسه بأنها كانت ليلة مظلمة، ما يثير احتمال خطأ في التعرف. اضافة الى ذلك فإن المحاكمة كانت سرية، كما ان تبديل القضاة ثلاث مرات خلالها لا بد ان يثير الشكوك حولها. وهكذا فإن العلاقة بين الشيخ والجريمة تقوم في شكل أساسي على اعترافه، الذي لم يسجل قانونياً. نتيجة كل ما تقدم ان عمر الشيخ يواجه احتمالين، هما اعدامه الذي سيكسبه صفة الشهيد، أو اطلاقه من خلال الاستئناف. ان ما سيقرر مصير الشيخ في الدرجة الأولى هو الاعتبارات السياسية أكثر من القضائية، أي من هي الأطراف التي تريده ميتاً مقابل تلك التي تريده حيا. وكان دكتاتور باكستان الجنرال مشرف اعلن صراحة: "أريد لعمر الشيخ حكم الاعدام". وربما كان يريد ذلك فعلاً. ذلك ان عمر يعرف أكثر مما يجب عن الناشطين الاسلاميين وعلاقاتهم بالمتشددين في المؤسسة العسكرية. وكان يمكن في حال تسليم الشيخ الى محاكم اجنبية أنه سيكشف ما يكفي من المعلومات لمساعدة اسلام آباد على تطهير مؤسستها العسكرية التي طال تورطها في السياسة. لكن هذا بالتأكيد ليس ما يريده مشرف، الذي يفضل، على حد المثل الانكليزي، أن يركض مع الصياديين ويهرب مع الطريدة. وكان اختطاف بيرل حصل اثناء تحقيقه في العلاقة بين ريد، المتهم باخفاء متفجرات في حذائه في محاولة لنسف طائرة ركاب، ومصنع مقفل للأحذية في كراتشي. وتم التأكد من اختطافه بمساعدة مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي أف بي آي وليس من جانب أجهزة النظام العسكري الباكستاني. وتمكن "اف بي آي" من تتبع رسائل بالبريد الالتكروني أعلنت عن اختطاف الصحافي الى مقهى للانترنت، وقاد اعتقال موظفي المقهى الى اعتقالات اخرى. أما عمر نفسه فلم تعتقله السلطة، بل سلّم نفسه الى صديق له من العاملين طويلا في حقل المخابرات وتم احتجازه من قبل السلطات. وتلا ذلك ان زير الخارجية اعجاز شاه والجنرال مشرف، المعروفان بصداقتهما الوثيقة، كتما نبأ الاحتجاز عن محققي الشرطة الباكستانية. بل أن النظام الباكستاني، أثناء احتجازه السرّي لعمر الشيخ، حمّل الهند مسؤولية اختطاف بيرل. ومع تزايد المطالبة باعتقال الشيخ اعرتف النظام باحتجازه وادعى انه تكتم على ذلك مع انه في الأصل لم يكن اعتقالاً بل بداعي التحفظ والحماية لاستغلال الحدث اثناء زيارة مشرف الى واشنطن. الجنرال مشرف، كما هو معروف، تلقى تدريبه في فرق الكوماندو. وهو معروف بالدماثة - عدا عندما يغضب، حيث يتكلم وقتها دون تفكير بالعواقب. وهذا ما حصل عندما كشف في نوبة غضب عن موقفه من اختطاف بيرل بالقول ان الأخير تورط في "العاب الاستخبارات"، وانه كان "مفرطاً في الفضول" ولذا تم اختطافه - وهي تصريحات خطيرة من دون شك. عمر الشيخ بريطاني الجنسية، وبريطانيا تريده حيّا لأنها تعارض عقوبة الاعدام، ولأنها قد تحصل منه على معلومات كثيرة عن مواطنين بريطانيين انضموا الى الطالبان في أفغانستان. كما تريد معلومات عن خطف السياح الأجانب في كشمير في 1994، اذ كان من بينهم عدد من البريطانيين. تعليق عمر الشيخ عندما سمع حكم الاعدام عليه كان: "فلنرَ من سيموت أولا!"، أي هو أم الذين أصدروا الحكم. كما أرسل شخص سمى نفسه "القائد جنكيز" تهديداً الى المسؤولين عن السجن الذي أودع فيه الشيخ باحسان معاملته او تحمل العواقب. وادى حكم الاعدام الى انخفاض في سوق الأسهم الباكستاني. فيما يستغل المتشددون الحكم لحشد صفوف مؤيديهم وبذل المزيد من الجهد فيما يسمونه "المعركة الحاسمة بين الاسلام والكفّار". المثير للانتباه ان حكم الاعدام صدر يوم الاثنين، بعد يومين من قيام المتشددين بهجوم في وادي كشمير ادى الى مقتل ثمانية مدنيين. وكان الجيش الباكستان اعلن قبل الهجوم عن مناورات عسكرية تستمر عشرة أيام. كما يثير الاهتمام التوافق بين الضغوط على المتشددين والتوتر مع الهند. ففي الشتاء الماضي تحولت الانظار عن قصف جبال تورا بورا الذي قيل أن اسامة بن لادن جرح خلاله عندما هاجم مسلحون مبنى البرلمان الهندي. وفي الربيع الماضي جاء الهجوم على قاعدة عسكرية هندية في كشمير تقيم فيها أسر الجنود ليحول الأنظار عن الحملة وقتها ضد بقايا تنظيم القاعدة في المناطق القبلية الفالتة عن سيطرة الحكومة الباكستانية. ومع التقدم في عملية الاستئناف للحكم على الشيخ سيكون من المهم مراقبة الوضع على الحدود الباكستانيةالهندية حيث يتواجه نحو مليون جندي حشدهما الطرفان اثر الهجوم على البرلمان الهند ي في كانون الأول ديسمبر الماضي. * رئيسة الوزراء الباكستانية سابقاً.