لو عاش عاطف سالم بضعة شهور أخرى لبلغ عمره السينمائي نصف قرن. فهو بدأ حياته مع الفن السابع في 1943، حين مثّل دوراً صغيراً في فيلم عنوانه "ماجدة" كان من اخراج أحمد بدرخان. وبعده تنقل عاطف سالم، الذي رحل أول من امس عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، في الكثير من المهن السينمائية قبل ان يحقق في عام 1953 فيلمه الأول، كمخرج، في عنوان "الحرمان". ولكن كان عليه ان ينتظر فيلمه الثاني "جعلوني مجرماً" ليحقق مكانة وشهرة ويعتبر بفضل هذا الفيلم واحداً من أفضل مخرجي الواقع الاجتماعي ومستتبعاته السيكولوجية في السينما المصرية. منذ "جعلوني مجرماً" الذي اطلق فريد شوقي كممثل للأدوار المركبة، صار همّ عاطف سالم ان يبحث ما وراء الظواهر الاجتماعية. من هنا اهتم كثيراً بأن يستقي مواضيع بعض افضل افلامه من صفحات الحوادث في الصحف، وما عناوين مثل "إحنا التلامذة" و"أم العروسة" و"صراع في النيل" سوى بعض من تراثه السينمائي الذي جعل له مكانة في الصف الأول بين كبار مبدعي جيل الوسط في السينما المصرية، الى جانب صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وبركات، من الذين مزجوا الحس الشعبي والبعد الفني في أفلامهم. عاطف سالم، الذي ولد في عام 1927 في السودان لأب كان ضابطاً في القوات المصرية هناك، حقق خلال الأربعين سنة التي تلت "الحرمان"، اكثر من خمسين فيلماً يعتبر بعضها علامات في تاريخ السينما المصرية. وهو ظل يفخر حتى آخر أيامه بأنه تعلم فن السينما على اساتذة الجيل السابق، من أحمد بدرخان الى حلمي رفلة وأحمد جلال وحسين صدقي. لكن عاطف سالم تميز عن هؤلاء جميعاً، الى جانب ميزته في المواضيع الاجتماعية، بتعامل استثنائي مع الممثلين. ويمكن ان يقال انه كان المخرج الذي أعطى بعض كبار الممثلين أفضل أدوارهم. نقول هذا ونتذكر عماد حمدي في "أم العروسة" وعمر الشريف في "إحنا التلامذة" وحتى عبدالحليم حافظ في "يوم من عمري"... كما انه أتاح لمحمود ياسين في "قاهر الظلام" ان يقدم عبر شخصية طه حسين واحداً من اكثر ادواره انسانية. ولنذكر ايضاً فريد شوقي في "جعلوني مجرماً"، وهو واحد من أفضل أدوار "وحش الشاشة". ولم يكتف عاطف سالم ببعث أفضل ما لدى كبار الممثلين المعروفين من طاقات، بل اكتشف الكثير من النجوم... في مقدمهم نبيلة عبيد التي كانت زوجته لفترة من حياته، ومحمود عبدالعزيز الذي كانت بدايته على يديه في "الحفيد" 1974، ووفاء سالم التي قدمها في "النمر الأسود" الى جانب أحمد زكي في دور ملاكم مصري يعيش في ألمانيا. عاطف سالم الذي بدأ مسيرته شاباً متحمساً في بداية الخمسينات، انهاها خلال السنوات الأخيرة بفيلم "فارس ضهر الخيل" الذي حققه وهو شبه مقعد بعدما اصابته جلطة قضت عليه في النهاية بعد أن ظل يصارعها طيلة أربع سنوات. وهو، حتى أيامه الأخيرة، كان لا يكف عن اعلان تفضيله "أم العروسة" باعتباره الأفضل بين أفلامه. وهذا الفيلم الذي نال اعجاباً عاماً، واحد من أفضل الأفلام الاجتماعية المصرية التي تغلغلت الى صميم الواقع الذي كان التعبير عنه هاجس عاطف سالم الرئيسي، وإن كان خاض الكثير من الأنواع السينمائية، من بوليسية وتاريخية وهزلية، بحيث يمكن مساره السينمائي أيضاً ان يكون - في صعوده وهبوطه، كما في غثه وسمينه - كناية عن مسيرة السينما المصرية ككل.