ظل فريد شوقي لردح طويل النموذج الأمثل في السينما المصرية للشرير القاسي العتيد في الإجرام أحياناً كثيرة وأحياناً أخرى تنويعاً على شخصية اللص الظريف وأرسين لوبين، وساعده في ذلك تكوينه الجسماني وملامح وجهه. وهو عرف في الخمسينات والستينات بأسلوب معين يبدل به ملامح وجهه ليصبح أكثر شراً بأن يقوم برفع حاجبه الأيسر الى الأعلى فيما يبقى الحاجب الآخر في مكانه وهو ينظر الى الكاميرا نظرة تنضح شراً وقسوة. واشتهر في تلك الآونة بقسمه الشهير عندما يريد الانتقام من خصومه: "وشرف أمي" وهذا التكوين الجسماني منح الفرصة للمخرجين لكي يظهروه وهو يضرب دستة من خصومه ويحطم كراسي الحانة وطاولاتها فوق رؤوسهم من دون أن يصاب جسده بخدش واحد، كما في "رصيف نمرة 5" لنيازي مصطفى. كل هذه الأمور وضعت شوقي في إطار شخصية "الفتوة" القوى الذي لا يقهر، حتى أطلق عليه الجمهور لقب "وحش الشاشة" فمُنح شعبية طاغية لم يسبقه اليها أحد. وفي العام 1946، الذي شهد الظهور الأول لشوقي سينمائياً، كان أنور وجدي، بوسامته وشبابه هو "الدنجوان" الأول في السينما المصرية مع حسين صدقي وآخرين. وفي هذا الوقت ايضاً بزغ نجم كل من عماد حمدي وشكري سرحان وكمال الشناوي، الذي شاركه شوقي في بطولة أول أفلامه "غني حرب" وكان شوقي مختلفاً عن هؤلاء جميعاً في ملامحه وبنيته الجسدية، لذا لم يكن من المتوقع أن ينافسهم في أدوار الفتى الأول، أو "الجون بريمبير" كما كانوا يسمونها في ذلك الوقت فهو مثلاً لا يتمتع بالطيبة والنبل الذي يبدو في وجه عماد حمدي، ولا بوسامة كمال الشناوي أو وداعة شكري سرحان. ولم يكن غريباً ان نراه مثلاً في فيلم "عزيزة" يلعب دور المجرم القاسي الذي ينغص على الراقصة الطيبة نعيمة عاكف حياتها فيما يتصدى له الشرطي الطيب عماد حمدي. أو كما في فيلم "الأخ الكبير" أيضاً مع عماد حمدي الذي لعب شوقي فيه دور الأخ الأصغر المستهتر اللص والقاتل. وكان شوقي في بداية عمله السينمائي شديد الإعجاب بشخصية النجم الوسيم أنور وجدي، وكان هو لا يزال يقدّم أدواراً صغيرة، فيما يتمتع وجدي بلقب "فتى السينما" ولم يصدق شوقي نفسه عندما استدعاه وجدي ليشارك معه في دور صغير في فيلم "قلبي دليلي" 1948، في اخراج وانتاج لأنور وجدي نفسه وبطولته مع النجمة ليلى مراد. ولعب شوقي دور أحد أفراد العصابة التي تخطف ليلى مراد. ودهش وجدي عندما طلب منه شوقي أجراً قيمته مئتا جنيه وقال له: "انت تمثل أمام أنور وجدي وليلى مراد يعني تدفع فلوس مش تاخد" واقتنع شوقي ورضخ لمطلب وجدي يتقاضى فقط 50 جنيهاً. وبعد انتهاء الفيلم كان وجدي قد اقتنع بموهبة شوقي وجهز ثلاثة عقود معه لثلاثة أفلام أولها بأجر قيمته 100 جنيه والثاني 150 جنيهاً والثالث 250 جنيهاً، وتوقع شوقي لنفسه ان يصبح بعد هذه الافلام الثلاثة أحد نجوم السينما المصرية، وهذا ما حصل فعلاً. وتأكدت قصة هذا الصعود لنجومية فريد شوقي بدور صغير ايضاً مع أنور وجدي وليلى مراد في فيلم "غزل البنات" العام 1949، الذي شارك في بطولته كوكبة كبيرة من نجوم السينما المصرية نجيب الريحاني ويوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب وبالطبع لعب شوقي دور أحد أفراد العصابة التي أرادت الاحتيال على ليلى مراد في الفيلم. ولعب في العام 1953 دوراً صغيراً لأحد أفراد العصابة في فيلم "ريا وسكينة" للمخرج صلاح ابو سيف أمام انور وجدي الذي أدى دور ضابط الشرطة وقد تولّى في نهاية الفيلم القبض على جميع افرادها، وفي العام التالي فقط قاسم فريد شوقي أنور وجدي بطولة فيلم "خطف مراتي" للمخرج حسن الصيفي أمام المطربة صباح، وفي العام 1963 طلب منه المخرج هنري بركات ان يحل مكان أنور وجدي الذي كان توفي في بطولة فيلم "امير الدهاء" وهي النسخة الملونة من فيلم "أمير الانتقام" الذي كان قدمه بركات العام 1950 بالابيض والاسود من بطولة أنور وجدي وكان شوقي لعب دوراً صغيراوهو احد الاشرار طبعاً!. ولعل هذه القصة الصغيرة تختصر حكاية صعود نجومية فريد شوقي، الذي ظل طوال ستة أعوام منذ 1946 وحتى العام 1952 يقدم أدواراً ثانوية في نحو 45 فيلماً كان في معظمها يؤدي دور البلطجي والقاتل والمنتمي الى أحد عصابات القتل والسرقة. جاءته فرصة البطولة المطلقة مع أحد المخرجين المتميزين الذين سيكون لشوقي شأن آخر فيما بعد على أيديهم وهو صلاح أبو سيف الذي أسند إليه بطولة فيلم "الاسطى حسن" عن قصة كتبها شوقي بنفسه أمام زوجته في ذلك الحين المطربة هدى سلطان. وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً، خصوصاً وأنه كان يعزف على وتر حساس في ذلك الحين وهو الصراع ما بين عامل الورشة الفقير والسيدة الثرية التي تحاول سرقته من بيته وأسرته. ويبدو أن النجاح الذي حققه فيلم "الاسطى حسن" فتح شهية شوقي على كتابة المزيد من قصص الأفلام يتولى بطولتها بل وانتاجها كذلك حتى يتمكن من أمرين مهمين، هما تحقيق نجوميته بالشكل الذي يراه مناسباً له، والخروج من إطار الادوار التي كرسه المخرجون نموذجاً لها، حتى وصل عدد الافلام التي انتجها الى نحو 26 فيلماً من بينها "النمرود" لعاطف سالم و"رصيف نمرة خمسة" لنيازي مصطفى و"الفتوة" لصلاح ابو سيف. وجاءت المحطة المهمة الثانية لشوقي مع فيلم "جعلوني مجرماً" العام 1954 عن قصته ومن انتاجه واخراج عاطف سالم. وتناول الفيلم حياة الابرياء الذين تقودهم الظروف الاجتماعية الى ارتكاب جريمة يظلون يدفعون ثمنها طوال حياتهم، ولم يقتصر نجاح الفيلم على الناحية الجماهيرية فقط، بل تعداها ليؤثر في صناعة القرار وذلك عندما شاهده وزير الشؤون الاجتماعية المصري آنذاك فسعى الى إصدار تشريع جديد يتم بمتقضاه إلغاء الجناية الاولى التي يرتكبها المواطن ما لم تكن جناية حتى يتاح له أن يعيش بشكل طبيعي في المجتمع وألا يظل يُوصم بالإجرام. ولم يكن هذا الفيلم لشوقي فقط هو الذي استطاع أن يؤثر في نفوس الجماهير والمسؤولين أيضاً وكان لفيلم "كلمة شرف" العام 1972 للمخرج حسام الدين مصطفى الأثر ذاته. والفيلم يتعرض لسجين مظلوم يطلب من مأمور السجن ان يمنحه فرصة الخروج ليودع زوجته التي تحتضر في مقابل كلمة شرف بأن يعود من تلقاء نفسه الى السجن من جديد. والفيلم من النوع الميلودرامي وقد تفاعلت معه الجماهير وكذلك المسؤولون الذين عدلوا في نصوص القوانين تجاوباً مع التأثير الذي يتركه فريد شوقي عند عامة الناس، فأصبح من حق السجين في الظروف الاجتماعية القاسية ان يغادر أسوار السجن ويزور أسرته لمدة لا تتجاوز 48 ساعة. وهكذا أصبحت أفلام فريد شوقي ترجمة حقيقية لنبض الشارع وحركة البسطاء من الناس. ولعل هذا الأمر هو الذي حدا بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر ان يختار فريد شوقي بالذات ليقدم فيلماً عن العدوان الثلاثي على مدينة بورسعيد في العام 1956، ويصور البطولات الباسلة لأهالي المدينة ضد العدوان. في ذلك الوقت تم استدعاء شوقي من منزله في منتصف إحدى ليالي العدوان ليجد نفسه أمام الرئيس عبدالناصر شخصياً وقد بادره قائلاً: "لقد اخترتك بالذات لتحقيق هذا الفيلم لأنك البطل الشعبي المحبوب الذي يحب الناس أن يشاهدوه". واضاف: "أريد أن أعرض هذا الفيلم على العالم كله لأكسب به الرأي العام العالمي". وبأمر من عبدالناصر وتحت رعايته، سافر فريق الفيلم الى مدينة بورسعيد اثناء العدوان، المخرج عزالدين ذو الفقار وهدى سلطان وأمينة رزق وليلى فوزي وآخرون، مغامرين بحياتهم. ولأن المدينة كانت مطوقة بقوات من الجيش البريطاني قام فريق العمل بالتنكر في ازياء الصيادين ودخلوا المدينة في مراكب صيد عن طريق بحيرة المنزلة واخفوا آلات التصوير في "المشنات" التي يضع الصيادون فيها السمك وقاموا بتصوير مشاهد حقيقية لاستبسال أهالي المدينة. ومن المدهش حقاً أن الفيلم رغم نجاحه التجاري والجماهيري خارج مصر في سورية ولبنان مثلاً، لم يحقق النجاح التجاري المتوقع له في مصر وبلغت خسائر شوقي بصفته منتجاً للفيلم نحو خمسة آلاف جنيه مصري، كان مطلوباً منه ان يسددها بعد انتهاء عرض الفيلم. وذهب شوقي الى الرئيس الراحل أنور السادات يشكو له الأمر، وكان يتقلد آنذاك منصب رئيس منظمة "المؤتمر الاسلامي"، فعمل الاخير على إلغاء الدين باعتبار ان الفيلم حقق خدمة إعلامية لمصر في الخارج. وكان شوقي كثيراً ما يفخر بكون الرئيس عبدالناصر أصر على الاحتفاظ بنسخة من فيلم "بورسعيد" في بيته. البنية الجسدية لفريد شوقي ساعدته في تولي أدوار تاريخية بطولية عدة منها "عنتر بن شداد" و"بنت عنتر" و"ورابعة العدوية" و"فارس بني حمدان" وكذلك "وا إسلاماه" و"أمير الدهاء". ونجاحه في أداء هذه الأدوار جعله يفكر في تقديم شخصية "صلاح الدين الايوبي" سينمائياً في فيلم من انتاجه. غير انه ما كاد يعلن عن رغبته تلك حتى قوبل بعاصفة من الاعتراض من قبل صحافيين يرفضون الفكرة توليه لعب مثل هذا الدور بدعوى انه "كيف لمن لعب من قبل ادوار البلطجي والقاتل وزير النساء ان يلعب دور صلاح الدين الايوبي". واصيب شوقي بحال من الاحباط جعلته يتراجع عن الفكرة، لتقوم في ما بعد المنتجة آسيا داغر بتنفيذها مع المخرج يوسف شاهين وليفوز بالدور الفنان أحمد مظهر. فريد شوقي والعالمية طمح فريد شوقي في احدى فترات حياته الفنية للوصول الى العالمية، وبدأت الفكرة تراوده حينما سافر الى ايطاليا في العام 1950 لتصوير مشاهد من فيلم "الصقر" في انتاج مشترك بين "استديو مصر" ومنتج ايطالي. وصور الفيلم في نسختين الاولى لمخرج وفريق ممثلين ايطاليين والثانية للمخرج صلاح ابو سيف وتمثيل فريد شوقي وسامية جمال وعماد حمدي. وكان الممثل الايطالي فيتوريو غاسمان يلعب الدور نفسه الذي يلعبه شوقي في النسخة المصرية. وبعد عرض النسختين اثنت الصحافة الايطالية على اداء فريد شوقي وقالت إنه تفوق على الايطالي غاسمان. وتلقى شوقي عروضاً سينمائية في ايطاليا غير ان محبته لوطنه ولأسرته جعلته يغادر الى القاهرة. غير ان ذلك لم يمنعه في ان يشارك من جديد في بطولة فيلم مصري - ايطالي مشترك العام 1964 بعنوان "كريم بنت الشيخ" للمخرج مارير كوستا وشاركه البطولة غوردن سكوت ومريم فخرالدين ولولا صدقي. وفي نهاية الستينات سعى اليه المنتجون الاتراك باعتباره احد اكثر الممثلين شعبية في العالم العربي كي يشارك في بطولة افلام تركية في محاولة منهم لترويج الفيلم التركي تجارياً في العالم العربي. في بداية الامر وافق على شرط ان يقوم مخرج مصري بإخراج الافلام التي سيلعب بطولتها في اسطنبول. وفي عام 1968 ظهر اول افلامه التركية "شيطان البوسفور" من اخراج المصري نيازي مصطفى و"كرت المسبحة" وقدم اربعة افلام اخرى بعضها لمخرجين اتراك وهي "الحسناء والوحش" و"رجل لا يعرف الخوف" و"عثمان الجبار" و"مغامرة في اسطنبول" حتى انه حصل على جائزة التفاحة الذهبية لأفضل ممثل في مهرجان "أنطاليا" السينمائي التركي. وقبل ان تولّى مرحلة الشباب كان شوقيقدم مجموعة كبيرة من الافلام اهمها "باب الحديد" ليوسف شاهين و"الفتوة" و"بداية ونهاية" لصلاح ابو سيف. وفي مطلع السبيعنات ادرك شوقي انه بحكم التقدم في العمر لن يستطيع ان يلعب من جديد ادوار الفتوة والشباب فبدأ طور تغيير الجلد وفي تقديم ادوار الاب الطيب في اطار ميلودرامي من خلال افلام تشبه احداثها احداث المسرحيات الفاجعة التي كان يقدمها يوسف وهبي في مسرحه في الثلاثينات كان شوقي عمل معه فترة في المسرح فقدم افلاماً مثل "وبالوالدين احساناً" و"لا تبكي يا حبيب العمر"... و"قطة على نار" و"ومضى قطار العمر" واصبح يلقب ب"أطيب قلب" بعد القابه العتيدة "وحش الشاشة" و"ملك الترسو" وهو اللقب الذي منحه اياه النقاد لحرصه الشديد على عرض افلامه على الجماهير في الميادين العامة والشوارع والمقاهي. ويعترف شوقي بأن عدداً كبيراً من الافلام التي قدمها للسينما ومجموعها نحو 300 فيلم قدمه بدافع المجاملة احيانا لفنانين اصدقائه واحيانا اخرى لحاجته الى المال خصوصاً وانه مسؤول عن عائلة كبيرة. وحقق شوقي في العقدين الاخيرين دزينة دستة من الافلام الجيدة منها "ملف في الاداب" و"قلب الليل" لعاطف سالم و"عيون لا تنام" لرأفت الميهي و"خرج ولم يعد" و"طائر على الطريق" لمحمد خان و"آه يا بلد آه" لحسين كمال. وكان آخر فيلم قدمه هو "الطيب والشرس والجميلة" امام نور الشريف وفي اخراج مدحت السباعي. وعلى مدى أكثر من نصف قرن هي عمره الفني مارس شوقي التمثيل السينمائي والمسرحي 12 مسرحية والتلفزيوني 8 مسلسلات و الاذاعي ومارس الانتاج السينمائي واسس شركة انتاج تحت اسم "افلام العهد الجديد" وانتج نحو 26 فيلماً ومارس الكتابة للسينما والتلفزيون، وشارك في كتابة 11 سيناريو لأفلام سينمائية بالتعاون مع عبدالحي اديب وفاروق صبري واحمد يحيى واخرين. من بين هذه الافلام "كهرمان" للسيد بدير 1958، و"جوز مراتي" لنيازي مصطفى 1961، و"كلهم اولادي" لأحمد ضياء الدين 1962 و"دلع البنات" لحسن الصيفي 1969، و"كلمة شرف" لحسام الدين مصطفى 1972، و"ابو ربيع" لنادر جلال 1973 و"مضى قطار العمر" لعاطف سالم 1975، و"هكذا الايام" لعاطف سالم 1977، و"لا تبكي يا حبيب العمر" لأحمد يحيى 1979، و"حكمت المحكمة" لأحمد يحيى 1981 و"شاويش نص الليل" لحسين عمارة 1991. وحصل شوقي على جوائز عدة منها جائزة الدولة عن قصة فيلم "جعلوني مجرماً" وجائزة الانتاج من مهرجان برلين السينمائي عن فيلم "الفتوة" 1956 وجائزة الدولة عن الانتاج والقصة والتمثيل عن الفيلم نفسه. وقلد وسام العلم من الرئيس جمال عبدالناصر العام 1964 وسام العلم وحاز جائزة افضل ممثل عن فيلم "لا تبكي يا حبيب العمر" 1977، وقلد وسام الجمهورية من الطبقة الاولى عام 1978 من الرئيس انور السادات وشهادة تقدير في عيد الفن الرابع من الرئيس السادات 1979، وكرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والمهرجان القومي للسينما المصرية.