كثيراً ما يتكلم النقاد والمثقفون العرب على النظرية الأدبية، ذامّين أو مادحين، ويسهبون في تفصيل مشكلات "تبيئة" هذه النظرية وتعريبها أو عواقب إدارة الظهر لها. لكننا سرعان ما نكتشف الى اي حد نجهل النظرية وتياراتها ومراكز عملها وأعلامها الأساسيين ونخلط بين كتابات رولان بارت وجاك لاكان وجوليا كريستيفا وتيري ايغلتون ولوي ألتوسير وإيلين سيكسو وإدوارد سعيد، حتى تصبح النظرية شديدة الغموض والبعد من الفهم، ناهيك عن القدرة على الإفادة منها وتمثلها والنسج على منوالها أو تلقيها بصورة مبدعة بعد فهمها. فهل النظرية الأدبية غامضة الى هذا الحد، ملغزة وشديدة التعقيد كما نصورها؟ ألا يمكن لمّ هذا الشتات النظري الآتي من كل اصقاع الأرض والذي يسهم في انجازه نقاد وباحثون من اوروبا وأميركا وأستراليا والهند وباكستان وافريقيا، وحتى من الوطن العربي، في سياقات متعددة هي في الحقيقة تيارات النظرية الأدبية المعاصرة؟ ثمة صعوبة حقيقية تعترض هذا العمل بالطبع، لكن مؤرخي النظرية الأدبية وجامعي مختاراتها يقومون بهذا العمل حتى اصبح لدينا شبه اتفاق على حدود معينة تحف تيارات النظرية، وعلى أصول تاريخية لكل تيار من هذه التيارات سواء أكانت هذه التيارات متحدرة من منابع شكلانية بنيوية أو منابع ماركسية أو نفسانية أو تاريخية. وأية نظرة نلقيها على كتب مختارات النظرية، التي تصدر باللغات الغربية الأساسية، ستؤكد لنا انه على رغم اتساع الحقول التي ترتادها النظرية الأدبية المعاصرة، جامعة بين الأدب والفلسفة وعلم النفس والاجتماع وقارئة نصوصاً تمتد من حقل الأدب وصولاً الى اغاني البوب والراب، فإن بالإمكان الحديث عن تيارات واضحة داخل هذه النظرية وأسس تاريخية لتطورها وتركز واضح في عملها على النصوص والممارسات الثقافية. فأين نحن من هذا الفهم لما ينجز الآن من قراءات وأبحاث في حقل النظرية الأدبية؟ إننا نخلط بين التيارات جميعها، ويدعي الناقد منا انه بنيوي فإذا هو أقرب في عمله الى النقد الانطباعي الذي لا يستند الى اية معرفة نظرية ولا يطبق في نقده الأفكار الأساسية التي يقوم عليها النقد البنيوي. كما يطلع علينا ناقد آخر، ارتحل من فتات البنيوية، بموضة "النقد الثقافي" مستعيراً كلاماً غامضاً وأسساً نظرية لما يسمى في النقد الأنغلوساكسوني "الدراسات الثقافية"، ليكتب نقداً انطباعياً ويصل الى تعميمات يمكن التوصل إليها من دون الاستعانة بالدراسات الثقافية. ويمكن ان نضرب كثيراً من الأمثلة على هذا الضياع الذي نجد نقدنا ودراساتنا الأدبية سادرة فيه. وفي الحقيقة ان اسباب هذا الضياع تعود الى ضعف التعليم وعدم الجدية في القراءة، والأهم من ذلك كله موت الترجمة في الوطن العربي من محيطه الى خليجه ومن أراد التأكد من واقعة موت الترجمة فليقرأ تقرير الأممالمتحدة الذي أعدته ريما خلف ويقول إن العرب ترجموا طوال ما يزيد على ألف وثلاثمئة عام ما تترجمه اسبانيا في سنة. اما في ما يتعلق بالنظرية الأدبية فليس هناك في الوطن العربي خطط واضحة لدى المؤسسات الأكاديمية والثقافية ودور النشر لتعريف القراء والطلبة، وحتى الباحثين على تيارات النظرية الأدبية المعاصرة، ونحن نفتقر الى وجود كتب اساسية تشرح النظرية وتنشر منتخبات من عملها وتوضح كيف تقوم جماعات من الباحثين، المنتمين الى كل بقاع الأرض، بإثراء هذا الحقل الواسع الممتد، الذي يزداد غنى يوماً بعد يوم، والإضافة إليه ما يجعل النظرية الأدبية علم العلوم الإنسانية كما كانت الفلسفة في يوم من الأيام علم العلوم جميعها. فمتى نعرّف الناس بالنظرية من دون اجتزاء أو خلط او تشويه حتى تصبح المعرفة لدينا تاريخية متواصلة تصحح نفسها على الدوام؟