"تعتبر هجمات نيويورك وواشنطن من وجهة النظر اليهودية من اهم خدمات العلاقات العامة التي تخدم مصالحنا"، اعترف وزير الدفاع الاسرائيلي فؤاد بن اليعيزر. ولو شاء لأضاف: وكذلك عمليات "حماس" الانتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين لأنها تقدم لشارون خدمات لا غنى عنها: ابعاد شبح المفاوضات الذي يراوده مخافة ان يجد نفسه ذات يوم امام سؤال المجتمع الدولي المحرج: الى اية حدود ستنسحب ومتى؟ وتدمير معسكر السلام الاسرائيلي بتجييش جل الاسرائيليين، الذين جعلت عملياتها الانتحارية كل واحد منهم يشعر بأنه محكوم عليه بالاعدام مع وقف التنفيذ، وراء حملة الترانسفير التي يتأهب شارون لتقديمها هدية لناخبيه سنة 2003 ليعيدوا انتخابه. بهذا المعنى نفهم تصريح نتانياهو بأن خلافتكم، انتم قادة "حماس"، لعرفات "تعطي اسرائيل هامش مناورة اوسع" ما اشد حاجتها اليه ديبلوماسياً واعلامياً، ونفهم سر تبني المؤسسة الامنية الاسرائيلية لهذا السيناريو "هآرتس" 4/12/2001 ليتفرغ شارون لتهجير الفلسطينيين وسط لامبالاة العالم. لأن عملياتكم الانتحارية وتصريحاتكم العنترية بضرورة القضاء على دولة اسرائيل، العضو في الأممالمتحدة تقدم للدعاية الاسرائيلية ورقة رابحة لكسب الحرب الاعلامية بالقول إن الفلسطينين لا يطالبون بدولة الى جانب دولة اسرائيل بل بدولة على انقاض دولة اسرائيل. وهو ما يرفضه الاجماع الدولي ولا يليق اذاً بسياسي ذي عقل سليم أن يتبناه لأنه افضل وصفة لعزله ديبلوماسياً واعلامياً وتعريض شعبه للمآسي بسبب مطلب دون تحقيقه شوك القتاد. رسالتي المفتوحة اليكم ترمي الى تحليل دوافع ومخاطر مثل هذه الممارسات الخطرة وعواقبها على شعبكم وشعوب امتكم التي لم تتقوا الله فيها، عسى ان توقظ فضول العناصر الاقل عمى سياسياً من كوادركم وجمهوركم لتطرح عليكم السؤال الاستراتيجي المؤجل: ما هو هدف هذه العمليات الانتحارية وهل هو قابل للتحقيق في المستقبل المنظور؟ العنف المسلح الذي مارسته حركات التحرر الوطني منذ النصف الثاني من القرن العشرين لم يستهدف المدنيين كهدف مبرمج في السابقتين الجزائرية والفيتنامية مثلاً، وكان هدفه المعلن ارغام العدو على الجلوس الى طاولة المفاوضات للوصول الى تسوية. اما انتم في حماس فقد قطعتم مع هذا التقليد السياسي العسكري باستهدافكم المدنيين الاسرائيليين حصراً وبتجريمكم التفاوض مع اسرائيل حتى انكم رفضتم المشاركة في انتخابات 1994 لأن السلطة الوطنية الفلسطينية التي نظمتها ولدت من رحم المفاوضات مع اسرائيل "وما يترتب على الفاسد فاسد" هذا السلوك اللامعقول له اسم: سياسة الاسوأ العدمية. اسوأ: لأنها تجازف بالمخاطر غير المحسوبة بعقلية "عليّ وعلى اعدائي يا رب". وعدمية: لأنها تتنكر قولاً وفعلاً لجميع القيم والاعراف التي يقوم عليها المجتمع الدولي، غير مبالين بالنتائج الكارثية المترتبة عليها مثل تكثيف اضطهاد شعبكم وتوسيع الحرب الى دول الجوار العربي لنشر الفوضى فيها وجعلها غير قابلة للحكم. هذه اللامبالاة بآلام الناس واسترخاص دمائهم واحتقار حياتهم ومصادرة مستقبلهم على مذبح وهم ساذج "تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب" عرض سريري للبارانويا الهاذية التي ترى في النحر والانتحار غاية في حد ذاتها وهواية محببة للنفوس الظامئة الى السلطة والدم استهتاراً بالقيم الدينية والدنيوية. سياسة الأسوأ مصدر لكل عمى سياسي. وهي التي جعلتكم تطلقون الرصاص على اقدامكم وتفجرون القنابل البشرية في مستقبل شعبكم، وجعلت خياراتكم السياسية تتقاطع مع خيارات اعداء بلادكم. يشهد على ذلك توقيتكم لعملياتكم الانتحارية وتلاقيكم الفضائحي مع شارون على رفض كل تقدم الى السلام. سنة 1996 وقّتّم عملياتكم الانتحارية على الانتخابات الاسرائيلية لمد يد المساعدة لنتانياهو، الذي وعد ناخبيه بقطع المسار السلمي واسقاط بيريز الذي وضع على جدول اعماله دخول التاريخ كصانع للسلام العربي الاسرائيلي. وقد اكد الرئيس السوري الراحل سنة 1997 "لو انتُخب بيريز لكان السلام قائماً بيننا وبين اسرائيل". اغتيال ارهابي يهودي لرابين واسقاطكم انتم، قادة حماس، خليفته بيريز اصابا من ديناميك السلام مقتلاً. وما زال الشعب الفلسطيني المريض بقياداته يدفع فاتورة هذه الخطيئة. القاسم المشترك بينكم في حماس وقيادة ليكود هو المعارضة الحازمة لكل توجه للسلام والحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية التي يرى فيها الليكوديون بداية النهاية لاسرائيل وترون فيها انتم ضمانة لبناء اسرائيل! وهكذا فعندما صوّت شارون في الكنيست ضد السلام المصري الاسرائيلي صوتّم انتم ضده في شوارع القاهرة مع الاخوان المسلمين. ولما أُبعدتم الى غزة لم ير شارون وكان حاكمها العسكري، غضاضة في عودتكم اليها، هو المهووس بطرد الفلسطينيين، وصوّت شارون ضد مؤتمر السلام في مدريد وكذلك صوتّم انتم ضده بطريقتكم الخاصة. وصوّت هو ضد اتفاقيات اوسلو وكفرتموها انتم. وصوّت بطل صبرا وشاتيلا ضد السلام الاردني الاسرائيلي… وانتم ايضاً. ما الذي يجعل مواقفكم تتلاقى مع اعداء شعبكم وامتكم؟ العمالة؟ معاذ الله. لكنه سبب آخر لا يقل عنها خطراً في نتائجه هو عجزكم حتى الآن عن الانتقال من اللاهوت الى السياسة، اي من سلطة النص وسطوة الفتوى التي لا نقاش فيها الى الرهانات السياسية المدروسة. كتبت هدى الحسيني: "في اتصال مع اختصاصي بريطاني في الحركات الاسلامية قال ان هدف حماس هو القضاء على دولة اسرائيل … ويقول هذا الاختصاصي: لقد فوجئت اثناء اجتماعي مع كبار مسؤولي حماس عندما اكتشفت اغلبية اعضاء حماس يعتقدون بأن بداية الدولة الاسلامية في فلسطين ستكون حوالى العام 2022 و2023 وهم يعملون على هذا المدى البعيد". لا بد ان ثمة خطأ في التاريخ لأن فتوى زعيم حماس الروحي احمد ياسين، سنة 1999 حددت تاريخ قيام الدولة الاسلامية في فلسطين على انقاض اسرائيل حسب فهمه لنبؤة التوراة بسنة 2027، اي بعد 40 عاماً على اندلاع انتفاضة 1987. اسأل العقلاء فيكم: هل يسمح لكم دينكم وضميرهم الاخلاقي بغسل ادمغة المراهقين الفلسطينيين الذين تجازفون بحياتهم بمثل هذه الترهات المرفوضة نقلاً وعقلاً؟ هل تقبلون بناء استراتيجيتكم السياسية على قراءة هاذية للاهوت اليهود؟ هذه القراءة اللاهوتية لقضية الشعب الفلسطيني هي التي صنعت مآسيه. بسببها تعامل الحاج امين الحسيني مع هتلر ورفض التسوية التي قدمتها له لجنة بيل سنة 1937 بتقسيم فلسطين بنسبة 20 في المئة لليهود و80 في المئة للفلسطينيين ثم كرر خطيئته برفض القرار الدولي للتقسيم الذي اعطى هذه المرة 55 في المئة لليهود والباقي للفلسطينين… وعملاً بهذه السنة غير الحميدة رفضتم انتم مقترحات كلينتون التي اعطت شعبكم 96 - 97 في المئة من الضفة الغربية وبررتم فتوى رفضكم لها بأنها كان مؤامرة اميركية يهودية على الشعب الفلسطيني. اما "تساهال" فرفضها للسب المعاكس: "اقتراحات كلينتون، يقول شاؤول موفاز، دُرست في الجيش واجمعنا" على خطورتها على دولة اسرائيل... ايديعوت احرونوت 5/7/2002. ولا شك ان خبراء الجيش الاسرائيلي ابعد منكم نظراً. لا اطالبكم باكتساب تفكير استراتيجي بالرغم من ان الممارسة السياسية مستحيلة في غيابه. كل ما اطالبكم به هو جرعة من الواقعية لتساعدكم على وعي القطيعة الكاملة بين رغباتكم وبين الواقع الاقليمي والدولي. من دون القطيعة مع هذه القطيعة ستلعبون حتى النهاية المحزنة دور الرافض العنيد المكبل بأوهامه عن نفسه وعن العالم ولن تستوعبوا الرسالة التي وجهها اليكم 11 ايلول القائلة بان عصر العمليات الانتحارية قد ولى، وان كل عنف مرفوض دولياً هو ارهاب مهما كان مبرره ولن يُكافَأ بأي انجاز سياسي، وبأن الحرب الوقائية، اي الهجوم كخير وسيلة للدفاع، هي القاعدة الاستراتيجية للحرب العالمية على الارهاب. وليس مصادفة ان دول الاتحاد الاوروبي اضافت مؤخراً الجبهة الشعبية وكتائب الاقصى الى قائمة الارهاب التي سبق لكم وللجهاد الاسلامي ان فزتم بقصب السبق فيها. هل فهمتم الرسالة الاوروبية؟ انها قرار بتتويج اسرائيل الشارونية حلفاً للعالم في حربه الطاحنة والطويلة على الارهاب. قولوا في هذا العالم ما قال مالك في الخمر لكن الكلمات عاجزة عن تغيير القرارات!