لا تكتسب جزيرة ليلى أهمية استراتيجية، ومحاذاتها للساحل الغربي لمدينة سبتةالمحتلة، وحدها تضفي عليها بعداً كان وراء انزعاج حكومة مدريد من إقامة السلطات المغربية مركز رقابة في الجزيرة، ولو أن المغاربة لم يرفعوا علمهم فوق المركز لربما لما حدثت الضجة. فرمزية الحدث تكمن في أن تمسك المغاربة بالسيادة على جزيرة صغيرة غير مأهولة بالسكان، يعتبر في مدريد بداية لشيء ما، أقربه بدء المواجهة بين البلدين حول مستقبل المدينتين المحتلتين سبتة ومليلة. في عام 1975 تحول مركز صغير شمال المحافظات الصحراوية يطلق عليه "الطاح" إلى استقطاب عشرات الآلاف من الرعايا المغاربة الذين تجمعوا قبالته ضمن ما يعرف ب"المسيرة الخضراء". وقبل أن تنسحب القوات الاسبانية من المنطقة، وفق اتفاق مدريد، رفع العلم المغربي فوق مركز "الطاح". ومع اختلاف وضعي جزيرة "ليلى" و"الطاح"، لأن الأخير كان مركزاً عسكرياً اسبانياً، فيما لا نزاع على جزيرة ليلى، لا يريد المتشددون في حكومة مدريد نسيان أن بلادهم انسحبت من الساقية الحمراء ووادي الذهب على خلفية الارتباك السياسي في فترة مرض الجنرال فرانكو ورحيله. وبعضهم ينظر إلى حال جزيرة "ليلى" مماثلة لمركز "الطاح". آنذاك طلب مجلس الأمن من المغرب تعليق المسيرة إلى الصحراء، فرد الملك الراحل الحسن الثاني بأن المسيرة انطلقت، ووضع نقطة في آخر الجملة من دون أن يعود إلى السطر. ليست الضجة الحالية حول جزيرة "ليلى" منفصلة عن ملفات وقضايا شائكة في العلاقات المغربية - الاسبانية، تشمل الصيد الساحلي والتنقيب عن النفط واشكالات الهجرة غير المشروعة ومستقبل الوجود الاسباني في المناطق المحتلة شمال المغرب. وقبل أن يرفع عسكريون مغاربة علم بلادهم على جزيرة "ليلى"، أبحرت بواخر حربية اسبانية في الساحل المتوسطي منتهكة المياه الاقليمية للمغرب، وتمنى مسؤولون اسبان على الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على المغرب، بدعوى التساهل في موضوع الهجرة غير المشروعة. واضح أن التردد الأوروبي شجع حكومة الرباط على المضي قدماً في الاجراءات الأمنية لمحاربة الإرهاب والهجرة، لكن الأوروبيين، من منطلق التزاماتهم حيال اسبانيا، كانوا أقرب إلى تبني طرح مدريد الخاص بمفهوم السيادة. ومهدت حكومة مدريد لذلك بإقرار تفاهم مع بريطانيا في شأن تقاسم السيادة على صخرة جبل طارق. ومن مفارقات التاريخ أن الجبل كان مركز العبور الإسلامي لفتح الأندلس، لكنه كان أيضاً معبر النزوح اثر انهيار ملوك الطوائف في الفردوس المفقود. لكن اختياره موقعاً لشن هجمات ناشطين في تنظيم "القاعدة" على سفن غربية، أعاد الصخرة إلى الواجهة. وتفيد بحوث الجيولوجيا ان جزيرة "ليلى" مثل باقي الجزر المتناثرة، كانت جزءاً من تركيبة جيولوجية جمعت جنوب القارة الأوروبية وشمال افريقيا في عصور ما قبل التاريخ. ولا يُعرف هل يحتوي التاريخ هذه المرة قسوة الطبيعة، والجغرافيا تحديداً، بأقل ما يمكن من التهاب المشاعر.