صدر في باريس كتاب "القانون الدولي وديموقراطية عالمية أسباب فشل" لمونيك شوميلييه جوندرو استاذة القانون الدولي في جامعة باريس السابعة. وهو يتناول المتغيرات على صعيد العلاقات الدولية والعناصر الجديدة التي دخلت في تكوين هذه العلاقات، كحقوق الانسان والديموقراطية. ويتعرض الكتاب للمسألة الفلسطينية ومشكلة العراق، فتعتبر المؤلفة ان غياب القانون الدولي وتقاعس المجتمع الدولي عن أداء واجبه تجاه الشعب الفلسطيني سبب مأساة هذا الشعب. وتشير الى ان العقوبات المفروضة على العراق غير شرعية باعتبار السبب الرئيسي لفرضها قد زال وهو احتلال الكويت. وقالت شوميلييه جوندرو ل"الحياة" ان على الفلسطينيين التقدم بشكوى أمام القضاء البلجيكي ضد مجرمي الحرب الاسرائيليين. وتشير الى ضرورة تحرك الحكومات العربية باتجاه مطالبة مجلس الأمن بانشاء محكمة خاصة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب الاسرائيليين على شاكلة المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ورواندا. كما تتعرض الباحثة الفرنسية الى دور الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وعدم استقلاليته عن اميركا، مشيرة الى أهمية تعبئة الرأي العام على ما يحدث على الأرض ليصبح قوة ضاغطة على المجتمع الدولي. وفي ما يلي نص الحديث: هل يمكن القول اليوم ان علاقات القوى هي التي تحكم من دون الأخذ في الاعتبار اي حقوق او قانون؟ إذا كان القانون في اي مجتمع وجد ليضمن السلام ويتجنب العنف، فإذاً أزمة القانون الدولي فاقعة. في العام 1945 اعتقدنا ان وثيقة الأممالمتحدة ستضمن نظاماً جديداً لحفظ السلام باعتماد: مبادئ المساواة لكل الشعوب وكل الدول، آلية الأمن الجماعي، الحد من التسلح وتحديث القانون الدولي. صحيح اننا تجنبنا حرباً عالمية ثالثة، لكن لم نحقق السلام ولا التنمية لجميع الشعوب. نظام الأمن الجماعي القائم على نصوص الفصل السابع من وثيقة الأممالمتحدة فشل لأن القوى العظمى استخدمته لخدمة مصالحها، والشلل واضح في الحالات حيث كان تدخله ضرورياً. صراعات مميتة تمتد في فلسطين والشيشان والعراق. القوى العظمى نفسها انطلقت في سباق التسلح الذي اعتقدنا انه انتهى بعد الحرب الباردة لكنه استمر في شكل أقوى. عدم المساواة بين الشعوب اليوم اكثر من أي وقت مضى. فإذا كان القانون الدولي عرف تطوراً في الشكل نظراً للعدد الكبير من الاتفاقات الدولية الموقعة في شتى المجالات، كحقوق الانسان، وحماية الطبيعة... الخ، لكن يبقى هذا القانون غير فاعل نتيجة غياب الارادة السياسية باحترامه وبسبب ضعف آليات تطبيقه. أين القانون الدولي مما يجرى اليوم في الشرق الأوسط؟ الوضع في الشرق الأوسط مرعب ومقلق اكثر من أي وقت مضى. استهزئ بكل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، هذا الشعب في خطر، لا قدرة للمجتمع الدولي على حمايته. الفلسطينيون لهم حقوق لا يمكن انكارها على أرضهم، سبق ان اجتزئت مع قيام اسرائيل من دون التفكير بتعويضهم عن هذه الخسارة التي كان ثمنها حصول اليهود على دولة. الشعب الفلسطيني يفترض ان يستفيد من كل الحقوق الانسانية بما فيها اتفاقات جنيف والقوانين المتعلقة بحقوق الانسان. إنكار حقوقهم الأساسية شهادة على الفشل الذريع للقانون الدولي والعودة الى قانون القوي. الحكومات، وخصوصاً الأوروبية والعربية التي تقبل هذا اليوم عليها التفكير في تكوين جبهة ضد هذا الوضع، عبر اجراءات فاعلة ضد التحالف الاسرائيلي الأميركي. غياب القانون وسيادة سلطة القوي على الضحية يؤديان الى توسيع رقعة العنف وفوضى عامة. تحول مقاومة حقيقية مشروعة على عمليات ضد مدنيين هو الجواب الأسوأ على الطغيان، فمن غير المعقول هذا والسبب ان المجتمع الدولي لا يقدم أي حل. كيف يمكن الفلسطينيين ان يحاكموا القيادات الاسرائيلية كمجرمي حرب؟ ما هي الامكانات التي يقدمها القانون الدولي في هذا المجال؟ يجب ألا نتوهم كثيراً، الامكانات قليلة وما هو موجود بحاجة الى شجاعة سياسية. عملياً ثمة امكان عبر القانون البلجيكي ذي الصلاحية الدولية. لكن شارون حالياً محمي بحصانته كرئيس وزراء، هذه الحصانة ستسقط عندما يخرج من مركزه. تعديل هذا القانون أخيراً لا يخفف كل الامكانات. لكن يجب ان يتقدم الضحايا الفلسطينيون اليوم بشكاوى ضد كل جرائم الحرب التي ارتكبت أخيراً. لماذا الشكاوى فقط بناء على جرائم ارتكبت منذ عشرين عاماً بينما الممارسات الاجرامية مستمرة؟ يجب ان تتوجه الشكاوى ضد مسؤولين اسرائيليين، المسؤولون الاساسيون محميون حالياً بحصانة ستنتهي مع انتهاء وظيفتهم، لكن المسؤولية تقع أيضاً على أدنى مرتبة من المشتركين بهذه الجرائم والمسهلين لها. قتل مدنيين هو جريمة حرب، اغتيالات، منع الاسعافات من الوصول، هدم البيوت، التوقيف التعسفي، تدمير المرفقات، اتلاف الوثائق الخاصة بهذا الشعب، كل هذا يعتبر جرائم حرب ويجب تقديم شكاوى ضد كل مرتكبيها. عرفات امر بتسليم اسرائيل المتهمين بقتل وزير السياحة الاسرائيلي، لكنه يجب امر اسرائيل بتسليم كل المتهمين بقتل اقارب عرفات، الذين اغتيلوا بأمر من الحكومة الاسرائيلية. استخدام امكانات القانون البلجيكي امر مهم، لكن يجب ان تعمل جميع الدول على سن قانون لعقوبات جرائم الحرب. الدول العربية يجب ان تنهمك في هذا الاتجاه. موقفهم سيصبح أقوى بكثير اذا اشتركوا بتطوير القانون الدولي عبر تحديث التشريعات في هذا الاتجاه، ومن خلال تطبيقه بطريقة موضوعية من دون اتهامات سياسية مسبقة. طبعاً الطريقة الأفضل هي عدالة دولية. للأسف ينقصنا ادوات فاعلة. محكمة الجزاء الدولية التي ستدخل حيز التنفيذ في شهر تموز يوليو القادم، نقطة ضعفها انها أنشئت بموجب عقد، وبالتالي آلياتها لا تطبق الا على المنضمين اليها، ليس لها مفعول رجعي. اسرائيل لم تنضم اليها. وبالتالي لا أمل من هذه المحكمة على الصعيد الفلسطيني. لكن السؤال لماذا لا يوجد طلب قوي من عدد من الدول في مجلس الأمن بغرض انشاء محكمة جزائية خاصة بفلسطين على شاكلة المحكمة التي انشئت ليوغوسلافيا السابقة ورواندا. صحيح ان الولاياتالمتحدة ستستخدم النقض ضد انشاء هكذا محكمة لكن يجب تحريك طلب لإظهار ان عدم العقاب غير مقبول. أين القوانين الدولية اليوم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر؟ اسرائيل استغلت الحرب المعلنة ضد الارهاب لتبرير اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني بمساندة أميركية؟ الجواب متعلق بالجواب السابق، إما أن المجتمع الدولي موجود كمجتمع والقانون نفسه يطبق على الجميع، او اننا سنبقى في الحالة التعسفية. كلمة ارهاب اليوم مستغلة بشكل كامل. حكومات الولاياتالمتحدة وروسيا واسرائيل وآخرون أيضاً يستخدمونها بالاشارة الى معارضيهم ولتبرير ضغوطهم عليهم. لسوء الحظ ممثلو المقاومة المشروعة ليس لديهم خيارات باستخدام وسائل الصراع، والدعم الدولي لهم ضعيف أو غائب. ما الدور الذي يجب ان يقوم به المجتمع الدولي لإيجاد حل عادل للصراع في الشرق الأوسط؟ يجب التذكير بشكل مستمر بالقانون، والمطالبة بتطبيقه. القانون ينص على العديد من العقوبات ضد الدولة التي ترفض تطبيقه. برفضها احترام القوانين الدولية للفلسطينيين، باحتلالها غير الشرعي بواسطة العنف، باستخدامها ممارسات اجرامية ضد الفلسطينيين، اسرائيل يجب ان تخضع لعقوبات. منذ وقت طويل تستخدم الوسائل الديبلوماسية. يجب الانتقال الى الضغوط. الأممالمتحدة توفر امكاناً في المادة السابعة من الوثيقة. اذا كان مجلس الأمن معطلاً بسبب الفيتو، يمكن اعادة العمل بالاجراءات التي استخدمت في الخمسينات والستينات، اي نقل مسؤوليات مجلس الأمن الى الجمعية العامة. هذا يعتمد على ارادة الدول خصوصاً في العالم النامي. السلاح القضائي هو سلاح الضعيف ويجب استخدامه. على رغم موقف الاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط، الذي يختلف عن موقف الولاياتالمتحدة، إلا انه لم يتخذ اي اجراءات لترجمة المواقف المعلنة او لحماية الشعب الفلسطيني؟ للأسف الاتحاد الأوروبي غير مستقل تماماً عن الولاياتالمتحدة. بسبب تحالفات قوية بين الجانبين، لا سيما بين بريطانيا وأميركا الشمالية، الاتحاد الأوروبي لديه امكانات كبيرة عبر اتفاق الشراكة الموقع مع اسرائيل، والذي تتوافر اليوم كل الاسباب اللازمة لتعليقه. لكن يجب توافر الشجاعة السياسية للقول إننا في افتراض العقوبات. قلت أخيراً في مقابلة اذاعية ان تطبيق القانون الدولي يصب في مصلحة اسرائيل؟ كيف تفسرين هذا الطرح، وكيف يمكن اقناع الاسرائيليين الذين يرفضون القرارات الدولية بينما المجتمع الدولي يغلق آذانه؟ يجب ان يعبأ الرأي العام، وهذا ما بدأ يظهر مع الحملات المدنية التي تنقل مشاهداتها عما يفعله القادة الاسرائيليون في العمليات الأخيرة داخل الأراضي الفلسطينية، يجب اجبار المجتمع على الاصغاء وفتح العيون لما يحدث على الأرض. ويجب ان تقوم حكومات بتحذير الاسرائيليين من العنف وان غياب العدالة يجلب العنف. العمليات الاستشهادية بشعة لكنها تشكل جواباً على رأي هؤلاء الذين خضعوا سنوات طويلة لعنف وذل غير محتملين. اسرائيل تنوي الدفاع عن امنها وتخلق أسوأ الشروط والاخطار التي تهدد أمنها. اسرائيل تجاوزت الحقوق التي منحها اياها المجتمع الدولي في العام 1948، تحاول الدفاع عن نياتها غير المقبولة بصلافة، هي تخدع الفلسطينيين منذ عشر سنوات عبر المفاوضات اذ تتحدث عن عرضها السخي. كل هذه الممارسات ليست سوى خلفية وحجج حتى لا ترد للفلسطينيين ما أخذته منهم. الحل اليوم بيدها من خلال قبول المبادرة السعودية من دون تعديل وبلا مماطلة. العراق ما زال تحت العقوبات على رغم ان السبب الأساس وهو احتلال الكويت قد انتهى. كيف يمكن القانون الدولي ان يقدم حلاً للمشكلة العراقية؟ المسألة معلقة باعتبار ان مجلس الأمن الذي يشكل القوة التنفيذية مستخدم في شكل خاطئ. لا يوجد آلية تفرض المساواة في قوانين المجلس. هنا أيضاً، تضامن الدول الاخرى يلعب دوراً مهماً. لا توجد تعبئة حقيقية الى جانب الشعب العراقي لا في العالم العربي والاسلامي ولا في العالم الثالث، ولا حتى في أوروبا. المنظمات غير الحكومية تدعم الشعب العراقي لكنها ضعيفة مقارنة بالدول. امكانات العراق ليست كبيرة جداً. على رغم هذا ثمة امكانات لدى العراق وان كانت محكوماً عليها بالعدوانية لكن يجب ان تدعم من الدول الاخرى. اذا اعتبرنا كما يقول دنيس هوليدي رئيس برنامج الأممالمتحدة في العراق، استقال منذ بضع سنين ان العقوبات تسبب ابادة للشعب العراقي، فإذاً يجب استخدام قواعد الاختصاص الدولي لتحريك شكاوى امام محاكم البلدان التي تقبل مبدأ بهذا الاختصاص، ضد المسؤولين الغربيين متخذي هذه القرارات. وفي ما وراء الملف العراقي المؤلم، نرى ان القانون الدولي تنقصه آلية ديموقراطية، وهو مصادر من القوى العظمى. لكن ثمة امكانات في هذا القانون. لماذا لم تُستخدم في شكل واف من الحكومات والشعب ضحية سيطرة القوى العظمى؟ يجب تنمية فكر جديد للمقاومة عبر القانون.