خلال زيارته الى انقرة في نهاية حزيران يونيو الماضي، وقع رئيس الاركان السوري العماد حسن توركماني ونظيره التركي حسين كيفريك اوغلو اتفاقين للتعاون والتدريب في المجال العسكري، سيشكلان نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين البلدين. وبعد تعافي رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد سيقوم نظيره السوري محمد مصطفى ميرو بزيارة تركيا لوضع اللمسات الاخيرة للزيارة المرتقبة للرئيس بشار الاسد رداً على مشاركة الرئيس التركي احمد نجدت سيزر في تشييع الرئيس الراحل حافظ الاسد، لتكون اول زيارة لرئيس سوري الى تركيا بعد انفصال سورية عن الامبراطورية العثمانية في بداية القرن الماضي. هذه العلاقات تلقى في تركيا معارضة قوية من اولئك الذين ازدادت سلطتهم بسبب التوتر السياسي الذي كان قائماً بين البلدين في العقود الاخيرة. كما انها غير مرحب بها من قبل جماعات الضغط اليهودية في انقرة التي سعت جاهدة الى منع التقارب بين دمشقوانقرة في السنوات الاخيرة خصوصاً بعد توقيع انقرة وتل ابيب اتفاقاً عسكرياً في بداية العام 1996 عمل على وضع سورية بين "فكي كماشة" من الشمال والجنوب، ظهرت ملامحها في نهاية العام 1998 عندما حشدت تركيا اكثر من عشرة آلاف جندي على الحدود مع سورية مطالبة بطرد زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله اوجلان. وامام الاصرار التركي، غلبت سورية العقل والحكمة. لم تسلم اوجلان، لكنها طلبت منه مغادرة البلاد الى ان خطفته الاستخبارات التركية من دولة افريقية وحاكمته وهو في السجن حالياً. كذلك اعطى الرئيس الراحل توجيهات الى اعضاء اللجنة الامنية السورية بأن لا يعودوا من اضنا التركية قبل توقيع اتفاق للتعاون الامني. وهذا ما حصل في تشرين الاول اكتوبر 1998، لتنتهي ازمة كادت تتسبب بحرب بين البلدين ولتبدأ صفحة جديدة من العلاقات. منذ ذلك الوقت حرص الطرفان على بناء العلاقات لبنة بعد اخرى. بدأا بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية لتصل قيمة التبادل التجاري الى اكثر من بليون دولار اميركي، ثم تبادلت الفرق العسكرية المباريات الودية في اكثر من 16 قطاعاً رياضياً. وتبادل المسؤولون الزيارات الرسمية، الى ان حصل في عيد الاضحى المبارك الاخير ان فتحت الدولتان حدودهما امام انتقال مواطني طرفي الحدود لتقديم الامنيات بالعيد، قبل ان يوقع الاتفاقان العسكريان قبل ايام. لم تنته المشاكل نهائياً بين الطرفين. فلا تزال مشكلة "لواء اسكندرون" السوري او "هاتاي" باللغة التركية الذي اعطته فرنسا التي كانت تحتل سورية الى تركيا في نهاية الثلاثينات. لا يزال السوريون يسمونه "اللواء السليب" ويضعونه ضمن خرائطهم الرسمية. لكن دمشق لا تقدم مطالب علنية به لأنها لا تريد خلق مشكلة جديدة مع تركيا، ولأن الايديولوجية السورية تعطي اولوية لاعادة الجولان من الاسرائيليين. ولا يثير الاتراك هذه القضية علناً للحيلولة دون مشكلة اخرى تمنع تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الطرفين، مع ان بعض المسؤولين يثيرها في اطار الاجتماعات غير العلنية لقطع الطريق على المتطرفين الراغبين عن البحث عن اي سبب لمنع تعزيز العلاقات. والى موضوع الحدود، هناك مشكلة المياه. اذ ان الجانب التركي ابدى للمرة الأولى مرونة في التعاطي مع هذه المسألة. وبعد رفض التحدث عن ملف المياه منذ العام 1993، وافق مسؤولون اتراك اخيراً على طرح الموضوع بل ان وزير الدولة التركي المسؤول عن مشروع تطوير جنوب شرقي الاناضول غاب مصطفى يلماظ زار دمشق قبل اسبوعين ووافق على توقيع اتفاق للتعاون في مجال المياه لتبادل الخبراء واقامة شركة مشتركة على الحدود ومنع تصريف المياه الملوثة الى الاراضي السورية. وطالبت سورية والعراق بالتوصل الى اتفاق ثلاثي لقسمة مياه الفرات من اصل اجمال التدفق البالغ الف متر مكعب في الثانية، بدلاً من الاتفاق الثنائي المرحلي القائم بين الطرفين منذ العام 1987 الذي نص على تصريف ما يزيد على 500 متر مكعب في الثانية الى سورية التي تعهدت العام 1990 تصريف 58 في المئة منها الى العراق والاحتفاظ بالباقي. وعلى رغم ان المفاوضات الجدية لم تبدأ فان مجرد موافقة الجانب التركي على البحث جدياً في الحاجات السورية خطوة ايجابية يمكن ان يبني عليها الطرفان اسساً للتعاون المشترك، للوصول الى صياغة "اعلان مبادئ" ثنائي ينظم العلاقات بين دمشقوانقرة، لتشمل بحث تعاون في مجالات ملموسة مثل شراء الغاز السوري وتصديره الى تركيا وإقامة شبكة من سكك الحديد المشتركة التي تربط شعبي البلدين. ولا شك في ان التطورات الاخيرة تشير الى وجود اسباب اخرى للتعاون، ذلك ان انقرةودمشق تتفقان على رفض اقامة كيان كردي في شمال العراق لخشيتها من امتداد اثره الى اراضيهما. وكان البلدان اتفقا مع ايران على تشكيل لجنة وزارية ثلاثية تستهدف منع تطور الكيان الكردي بعد حرب الخليج، واجتمعت مرات عدة الى ان توقفت في منتصف التسعينات بسبب قيام الجيش التركي بالتوغل المستمر في شمال العراق من دون تنسيق مع الطرفين الآخرين. ويتوقع ان تقوم الدولتان بالتنسيق مع طهران ضد المشروع الاميركي للتغيير في العراق والحيلولة دون ان ينعكس بتقسيم الاراضي العراقية.