في وقت تتعزّز أهمية مراكز اعادة تأهيل النساء المعنّفات والمغتصَبات في الدول الغربية وبالتالي منافعها على الضحايا، تبقى جرائم الاغتصاب "مستورة" في العالم العربي عموماً، حيث يرتبط شرف العائلات وكراماتها ببكارة بناتها إذ لا يوجد امام الضحية سوى التستر او إخبار الام او الصديقة في أحسن الأحوال. وأحياناً كثيرة يكون الحل في استعادة غشاء البكارة جراحياً وبتشجيع من الاطباء النفسيين الذين قال أحدهم: "الغشّ في هذه الحال بالذات، افضل من عدم الرحمة في ما بعد، في مجتمع ظالم كمجتمعنا". وبسبب التستّر، تبقى الدعاوى المرفوعة ضدّ المغتصب قليلة جداً ولا يوجد أي احصاء عن عدد الجرائم وظروفها، بينما تُرفض رفضاً قاطعاً أي دعوى اغتصاب ترفعها امرأة على زوجها، لأن مؤسسة الزواج عندنا لا تقرّ بالاغتصاب. وقد نجد ضحية للاغتصاب في أي شارع من شوارعنا، الا ان الوقوع على واحدة تروي مأساتها أمر صعب، فاستعادة الذكريات المؤذية والبوح بها ربما كانت أشد إيلاماً من الفعل ذاته. إلاّ أن ناريمان أرادت الحديث لغاية في نفسها. وفي "دار الامل" حيث تخضع لاعادة تأهيل، التقتها "الحياة" وكان وجهها مبتسماً على رغم تعرضها للاغتصاب اكثر من مرة وفي مراحل مختلفة من عمرها. هي لم تتخط مأساتها لكنها بالتأكيد تعلمت كيف تتأقلم معها وتمضي في حياتها مع أولادها الاربعة. لا تستطيع ناريمان أن تحدّد تماماً تواريخ حوادث اغتصابها، الا انها تروي تفاصيل تجاربها بدقة. لذلك لم تكن متأكدة من عمرها حين تعرضت لأول تحرش جنسي ثم اغتصابها من جانب ابن عمها: "كنت طفلة، ولم اشعر ان تكوين جسدي مختلف، اذ كنت ارى نفسي تماماً كغيري من الصبيان والبنات. وكان ابن عمي يتردد على بيتنا ويأتيني بالشوكولا والحلويات وكان يستفرد بي، فيضمني الى صدره بقوة ويبدأ بملامسة جسدي. تكررت الحادثة اكثر من مرة، حتى بدأت انفر مما يقوم به، علماً ان اعماله لم يكن لها عندي أي تفسير او وصف. حتى انني لم اكن اعلم ما اذا كان الامر صواباً أم خطأ. ما كنت أكيدة منه هو نفوري. وذات مرة استدرجني إلى بستان بعيد من المنزل وأخذ يداعبني". كانت ناريمان صغيرة ولم تعرف ما حصل فعلاً، لكنها تتذكر بكاءها كلما ارادت امها اصطحابها الى منزل عمها. غادرت العائلة القرية الصغيرة الى بيروت. وأرسِلت ناريمان للعمل كخادمة في احد المنازل. هناك عاشت تجربة ثانية وهي على عتبة المراهقة: "كان ابن ربّ العمل يتحرش بي ويعتدي عليّ، فقطعت خطوط الهاتف وعدت الى البيت". لكن حياتها في البيت لم تكن افضل حالاً في كنف والدين لا يعرفان الرحمة. ثم عرفت الحبّ وتمنّت الزواج ممن تحب، فرفض أهلها لتتزوج من رجل آخر:"لكن زوجي كان عاقراً ويتناول المخدرات ويشرب الكحول. وبين جرعة من المخدر وكأس من المشروب كان يبرحني ضرباً". مرة أخرى، عادت ناريمان الى بيت أهلها بعدما تأكدوا من ادمان زوجها: "عند عودتي لم يكن زوجي قد لمسني بعد. لكن زواجي ساعد في تحقيق مآرب أبي". كانت ناريمان تتحدث من دون أي تعبير على وجهها الغجري يعكس داخلها المثقل. ثم ارتسمت عليه ملامح الغضب، لتقول بعد نفس عميق بالقول: "ذات ليلة وبينما كنت نائمة، شعرت كأن حجراً ثقيلاً يلقى على جسدي... كان ابي... فقمت مذعورة. كرر فعلته ثلاث مرات. ومعه كانت اول علاقة جنسية كاملة". خافت ناريمان من ان تتعرض اخواتها لما تعرضت له، فهربت من بيت أبيها مفضلة النوم في احد النوادي. ومرة أخرى، اختارت اهون الشرين وعادت الى زوجها:"اخبرته بما حدث لي وقرر مساعدتي. فجرح يده ليثبت عذريتي امام اهله، وطلب مني أن يبقى الأمر سراً بيننا". عمل نبيل لكنّه أخفى نيات بشعة، إذ بعد فترة اتى الزوج برجل الى البيت وأمر ناريمان بممارسة الجنس معه مقابل المال: "لتحسين وضعنا المعيشي، على ان تستمر الحال لمدة شهرين. لكنني رفضت، فهددني بالتعذيب. وذات مرة استقدم أربعة شبان، تركني مع أحدهم. وعندما باشر خلع ملابسه، أخذت اصرخ حتى وصلت الشرطة وأوقفتهم". بعدما تركت زوجها لم تكن حياة ناريمان سهلة أبداً. كانت تنام على الشاطئ. تتسوّل لقمة العيش وتلوذ ببيوت مهجورة كلما أحسّت بشبّان يقتربون من مكانها. واليوم صارت تعمل مربية في احد المنازل وهي ام لاربعة اولاد من ثلاث زيجات مختلفة: "لا اريد سوى العيش بشرف وكرامة واكتفاء و... تأمين حياة جيدة لأولادي. وسأبقى صديقة لبناتي الثلاث لئلاّ تتعرضن لما تعرضت له. فبعد كل تجربة من تجاربي القاسية كنت أشعر بالذنب، علماً ان لا ذنب لي. ولا أزال أكره كل من تعرض لي وبخاصة والدي الذي اتمنى له الموت من كل قلبي".