نقلا عن " إسلام أون لاين " : لم تكن الفتاة السعودية ذات العشرين ربيعًا تدري حين أشارت لسيارة أجرة تقلها إلى منزلها بعد خروجها من عملها كمدرسة، أن هذه الإشارة ستفتح عليها بابًا يعكر عليها صفو حياتها القادمة، ويقضي على أحلامها؛ فبداخل السيارة تعرضت للتخدير من السائق لتفيق بعدها على وقع الكارثة.. دماء، عذرية مفقودة، ومستقبل بلا معالم. تقول الفتاة –كما نقل عنها طبيبها النفسي: "عندما تأكد أهلي من فقدي عذريتي بعد تعرضي للاغتصاب حملوني إلى مدينة بعيدة لا يعرفني فيها أحد، وهناك حاولوا إجهاضي دون فائدة، لأبقى محاصرة بين مرارة الاغتصاب، والغربة، والحمل الحرام، حتى وضعت مولودي باسم أختي المتزوجة بأحد المستشفيات، ثم أجبرني أهلي على ترك المولود بأحد الملاجئ". وتتابع سرد قصتها قائلة: "كلما تقدم إليَّ شاب للزواج أصمم على مصارحته بما حدث لي، فتكون النتيجة أن يعرض ويولي دون رجعة، حتى وصل سني إلى 36، وبعد وفاة والدي ذهبت وأحضرت ولدي من الملجأ كحاضنة وكفيلة، لتبدأ أسئلة جديدة بحاجة إلى جواب أهمها: هل أصارح الولد بأني أمه؟ وما مصيره بعد أن يعرف هذه الحقيقة وما سينكشف وراءها من حقائق؟". أما "أم منصور"، فقد فاقت بشاعة قصتها ما يمكن أن يصل إليه خيال أحد؛ ففي منطقة قريبة من مكة، من حرم الله الآمن، الذي يأمن فيه حتى الحيوان على نفسه، اقتحم شقيان منزلها بعد كسر فتحة المكيف، مستغلين إعاقتها السمعية وغياب زوجها، فقاما بتوثيقها وربط يديها واغتصباها بالتناوب أمام أطفالها الذين يعانون من نفس إعاقتها، ليلوذا بعدها بالفرار، وليضاف إلى قائمة آلام "أم منصور" ألم هتك العرض، وحالة نفسية سيئة ما زالت تلازمها حتى الآن هي وأطفالها. الإخفاء يضاعف المشكلة الدكتورة سهيلة زين العابدين، عضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أشارت في حديث خاص ل"إسلام أون لاين.نت" إلى أن إخفاء الحقائق فيما يتعلق بجرائم الاغتصاب من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة بحيث تصبح ظاهرة يعاني منها المجتمع، وأن رفض الأسرة الإبلاغ عن حالات الاغتصاب يجعل من الصعب التوصل إلى إحصاءات دقيقة لحجم المشكلة، لكنها اعترفت بصعوبة الإبلاغ عن جرائم الاغتصاب، وخصوصا إذا كانت من قبل المحارم، في ظل مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي. وعن الأسباب الاجتماعية لحدوث تلك الجرائم، أوضحت سهيلة أن منها: تراخي الأسرة، وإهمالها في تنشئة الفتاة ومتابعتها، وعدم التوعية الكافية لها، إلى جانب بعض المشكلات المتفاقمة في المجتمع السعودي، مثل العمالة الوافدة الممنوعة من استقدام الزوجات، وعدم السماح بقيادة المرأة للسيارة؛ مما يعرض الفتاة للاحتكاك بالأجانب، ومن ثم التحرش بها. وأشارت عضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى الدور السلبي الذي يلعبه الأهل في جعل ابنتهم فريسة سهلة للمغتصب، من خلال المعاملة السيئة لها التي يمكن أن تؤدي بها إلى الهروب من البيت، فتصبح عرضة للابتزاز العاطفي، ومن ثم وقوعها في هاوية الاغتصاب. مصير المغتصبة من جهتها، أشارت الدكتورة سلمى سيبيه، استشارية العلاج الأسري، إلى النتائج المترتبة على الاغتصاب، والتي تختلف بحسب كون المغتصبة بكرًا أو متزوجة، قائلة: "إذا كانت الفتاة بكرا يقوم الأهل بالتستر عليها، وإذا فقدت عذريتها فإنها تسافر للخارج وتجري عملية لترقيع غشاء البكارة، أو يزوجونها لأحد أبناء عمومتها، وإذا أبلغوا الشرطة فإنهم يأخذون تقريرًا بحالتها، وينتظرون تفهم العريس المنتظر". وتتابع استشارية العلاج الأسري: "أما إذا كانت المغتصبة متزوجة فأحيانًا لا تبلغ زوجها ولا الشرطة، وتسكت وتستمر في حياتها مع كل الآلام النفسية، وإذا أبلغت زوجها فكثيرات ممن أعرفهن من حالات يتم تطليقهن، أو تصبح زوجة على الورق؛ حيث لا يعاشرها زوجها معاشرة الأزواج، لكن هناك قليل من الأزواج من يتفهم ويحتوي زوجته ويكون نعم العون لها". الآثار النفسية للاغتصاب الاختصاصية النفسية فاطمة الرفاعي، في حديثها عن الآلام النفسية التي تتعرض لها المغتصبة، أشارت إلى ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة، وقالت شارحة: "هي متلازمة، تعني أن الفرد تعرض لما يفوق طاقته على الاحتمال، فتظهر الأعراض النفسية من اكتئاب وكوابيس، وخوف دائم من تكرار الأمر، وفقدان الثقة في الذات وفي الآخرين". وأكدت أن المغتصبة تحتاج إلى برنامج علاجي نفسي ودوائي يعالج آثار الصدمة ويزيل الآثار السلبية، ويعيد الثقة في الذات، ويخلصها من الإحساس بالذنب، ويكون حسب الظروف المرتبطة بكل حالة على حدة وظروف الحادثة. وفي السياق ذاته، حكت فاطمة الرفاعي قصة فتاة تعرضت للاغتصاب من والدها؛ ما سبب لها صدمة لم تستطع تجاوزها بسهولة، وأنها في كل الجلسات العلاجية كانت تبدأ الكلام بسؤال: "هل كل الآباء يفعلون مع بناتهم كما فعل بي بابا؟ وقالت فاطمة الرفاعي: "اتخذت الأم موقفًا إيجابيًّا على غير العادة، وساعدت ابنتها في العلاج واتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة، وكان القاضي من الشجاعة حيث طلب حضوري شخصيًّا للشهادة، ومعرفة التفاصيل، وكيفية استدلالي على صدق الفتاة، ومعرفة تأثير الحالة الذهنية لها في تذكرها الأحداث". الحاجة للتأهيل وعن حاجة المغتصبة للتأهيل بعد تعرضها لهذه الحادثة البشعة، أوضحت الدكتورة سلمى سيبيه أن المغتصبة تحتاج لإعادة ثقتها في الآخرين، مشيرة إلى أن المجتمع السعودي بحاجة إلى تأسيس مراكز للإرشاد النفسي والجسدي للمغتصبة؛ لمساعدتها على التكيف مع نفسها ومع المجتمع من حولها. ونبهت سيبيه إلى أن الأسرة (متمثلة في الوالدين) التي من المفروض أن تلعب دور المطمئن والمحتوي للأزمة، في الغالب تكون هي من تحتاج إلى المساعدة، موضحة أن الأم غالبا ما تكون هي الزائرة لها كاستشارية أسرية دون الفتاة التي وقع عليها الاعتداء، والتي يتم احتجازها بالمنزل كأنها هي المسئولة عما حدث ويجب معاقبتها!.