عقب فوزه في انتخابات الرئاسة الأخيرة حرص الرئيس الفرنسي جاك شيراك على ضم السيدة الفرنسية الجزائرية الأصل، تقية صيفي الى حكومته الجديدة حيث تولت منصب سكرتيرة دولة للتنمية المستديمة. وعندما اقتضى الأمر توسيع الحكومة بعد الانتخابات الاشتراعية، انضم اليها وجه آخر من الوجوه المنبثقة من الهجرة هو حملاوي مقشرة الذي اسند اليه منصب سكرتير دولة لقدامى المحاربين. وبهذين التعينين أراد شيراك ان يوجه رسالة مطمئنة الى الفرنسيين من ابناء المهاجرين بعد الذعر الذي حل بهم من جراء التقدم البارز الذي حققه زعيم اليمين المتطرف جان - ماري لوبن في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة. كما أراد تبديد التململ الذي ساد في أوساطهم من جراء تركيز حملة الانتخابات الرئاسية حول موضوع رئيسي هو التردي الأمني، مما جعل اصابع الاتهام كافة موجهة اليهم والى الضواحي التي يتركزون فيها. وأكد شيراك بخطوته هذه ان الجمهورية لا تميز بين ابنائها وفقاً لأعراقهم وأديانهم، وأن المجال متاح أمامهم جميعاً لتولي أعلى المناصب بالجهد والكفاءة. فتقية صيفي المولودة سنة 1959 في شمال فرنسا ارتقت الى منصبها الجديد بعد 20 سنة من النشاط في الحقل العام. وقد انخرطت منذ المراهقة في اطر العمل الاجتماعي وأسست سنة 1987 جمعية لمساعدة الشباب من ابناء المهاجرين على انشاء مؤسسات انتاجية صغيرة خاصة بهم. وأولت اهتماماً خاصاً بالحوار الذي اعتبرت دائماً انه ضروري بين شبان الضواحي والشرطة، كما عملت على تشجيع هؤلاء على الانخراط في الحياة السياسة فأسست "الحركة من أجل المساواة والمشاركة". وعلى غرار العديدين من امثالها بدأت صيفي نشاطها هذا في ظل الحزب الاشتراكي لتبتعد عنه تدريجاً وينتهي بها المطاف نائبة اوروبية عن حزب "الديموقراطية الليبرالية" اليميني. وفيما تدرجت صيفي عبر الأطر الاجتماعية، سلك مقشرة الذي ينتمي الى جيل آخر والى شريحة أخرى من شرائح المهاجرين، طريقاً مغايراً هو الطريق العسكري. فهو من مواليد الجزائر سنة 1930، وهو ضابط سابق خدم في الجزائر ثم في فرنسا وتولى على مدى ثماني سنوات إدارة المكتب الوطني لقدامى المحاربين الذي يعد نفسه واحداً منهم. وفيما يعكف الوزيران الفرنسيان المسلمان على مزاولة نشاطهما، كل في مجاله، يعمل زميلهما في الحكومة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي على اعداد العدة لخوض ما يسميه الحرب على الخلل الأمني. فبعد سنوات من التساهل والتجاهل الذي كاد يوصل لوبن الى سدة الرئاسة، جاء ساركوزي بتكليف من شيراك ليؤكد ان عهداً جديداً بدأ في فرنسا، وأن ما من ملاذ آمن بعد الآن للمتسببين بالخلل الأمني. وفي موازاة حرصه على طمأنة مواطنيه من أبناء الهجرة توجب على شيراك، في الوقت نفسه، التجاوب مع أصوات الاستياء التي اطلقها الفرنسيون عموما بعدما ضاقوا ذرعا بدرجة التدهور الأمني. لذا، ومنذ اليوم الأول لتوليه منصبه، قام ساركوزي بجولات تفقدية على مراكز الشرطة الواقعة في المناطق الحساسة، وبادر الى اتخاذ اجراءات لتعزيز فعالية الاجهزة الأمنية وتزويدها بما يلزم من معدات لتمكينها من أداء عملها، وتوثيق التعاون بينها وبين الاجهزة القضائية. وامام حشد مكون من ألفين من ضباط الشرطة واجهزة الأمن المختلفة، أكد ساركوزي ان الأمن يشكل بالنسبة اليه أول الحريات، داعياً قواته الى التحلي بروح هجومية وبدرجة تنظيم تجعلها قادرة على التفوق على المجموعات التي ستتولى مكافحتها. ويتضح من الإقدام والديناميكية الفائقة التي يبديها ساركوزي ان زمن الاكتفاء بتبرير الخلل الأمني بظروف البؤس الاجتماعي قد ولى، اذ الفقر والبطالة لا يشكلان ذريعة للقتل والسرقة وتجارة المخدرات وتحويل بعض المناطق الفرنسية الى معاقل خارجة عن القانون. كما يسعى ساركوزي لأن يؤكد انه لا يحق للقاتل والسارق وصاحب التجارة غير المشروعة التستر وراء موقع الضحية، وانه بعد فشل أساليب الترغيب التي اعتمدت في السنوات السابقة حيال بؤر الخلل الامني حان الوقت لاعتماد اسلوب الترهيب. فمختلف الاطر والجمعيات والمؤسسات التي انشئت وانفقت عليها مبالغ طائلة لوصل هذه المناطق بالمجتمع الفرنسي، لم تسفر عما ينبغي من نتائج، فيما لم يعد الاستمرار في الممالأة ممكنا في هذا المجال. وحيال هذا النهج هناك من يعتبر ان وجود صيفي ومقشرة في الحكومة الفرنسية ليس سوى غطاء للتعامل الأمني البحت الذي تعتزم الحكومة اعتماده حيال الضواحي. لكن ساركوزي لا يبدو مهتماً بمثل هذه الانتقادات، خصوصاً أن التجارب السابقة اظهرت له، ولمن يشبهه، ان الجدل حول ضرورة تغليب أساليب التطوير الاجتماعي على القمع لا نهاية له، وان الخوض فيه لا يؤدي الا الى تمادي المخلين بالأمن في نشاطهم. والسؤال الذي يبقى: هل سينجح الغطاء الجديد في التغطية حقاً؟