إذا تسلل الملل إلى الحياة الزوجية يسلبها السعادة. والملل شعور إنساني طبيعي ينتاب البعض حين يصيب البطء دورة حياته. ويزداد هذا الشعور في الحياة الزوجية، الأمر الذي قد يتطلب السفر الى مكان آخر أو الحصول على اجازة زوجية أو تجديد جماعي لنشاط الأسرة. وقد يرى بعض الأزواج ان الحل يكمن في الهروب الى علاقة أخرى أو السفر المفاجئ من دون علم أحد. لكن المشكلة الكبرى تقع عند انتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق أو الانفصال. عن كيفية التغلب على الملل والرتابة استطلعت "الحياة" آراء عدد من الزوجات والازواج. تزوج ماجد صالح مهندس 39 عاماً من جارته بعد اعجاب طويل بحسن خلقها، وشجعه على ذلك ترشيح أسرته لها ايضا، وسافرا معاً للعمل في احدى القرى السياحية في مصر، ونظراً الى صعوبة الظروف الاقتصادية كان لا بد لهما من العمل طوال اليوم لتوفير مستوى دخل جيد. وبعد شهور عدة وجدا نفسيهما لا يلتقيان في المنزل الاّ للنوم فقط. وبمرور الوقت بدءا يشعران بالرتابة. ويقول صالح: "تحدثنا بصراحة لإنقاذ عشنا الهادئ من الانهيار، وبدأت زوجتي تغيير ظروف عملها وتقليل ساعاته والحرص على التنزه بشكل دوري يومياً معي، وهكذا أبعدنا الملل مبكراً". أما محاسن محمد 29 عاماً مُدرسة، فتزوجت بزميل لها إثر قصة حب شهدتها اسوار الجامعة قبل تخرجهما، ولكن طبيعة العمل ومحاولة كل منهما الحصول على أكبر عائد من الدروس الخصوصية أدتا الى استغراقهما في الامر، ولم يتغير الوضع بمجيء طفلهما الاول. واستمر الزوج في انشغاله وبدأت محاسن تشعر، بعدما تفرغت لرعاية طفلها، بقسوة الامر، فرحلت به الى منزل اسرتها في اجازة زوجية، بعد الاتفاق على ألا يتحادثا حتى هاتفياً، ولم يستمر ذلك طويلاً، وعادت الحرارة الى المنزل، بعدما اتفقا على تخصيص وقت أكبر معاً لتربية الطفل. وتقول سهير موسى زوجة وأم لثلاثة اطفال: "الملل شعور داخلي نابع من الفرد ذاته، لذا احرص على ألا يتسرب الى داخلنا، واذا حدث اسرع الى مقاومته واقوم بين الحين والآخر بترتيب نزهة او شراء تذاكر للسينما او المسرح، مع الحرص على تغيير بعض ملامح ديكور المنزل مثل اضافة تابلوه او تحفة، اما بالنسبة الى شكلي فتارة اصفف شعري وأقصه وتارة أغير لونه". إهمال الزوجة لمظهرها واتهمت هبة علي 35 عاماً الزوجات بأنهن السبب الرئيسي لملل الأزواج، "فبعض السيدات لا يجددن في مظهرهن أو في الجو المحيط بالأسرة، ويدفعن بازواجهن الى الملل، وربما الى النزوة العاطفية الموقتة او الدائمة، وربما فشل الزواج، ولا يغفر لاحد انشغال احد الطرفين بتوفير المال". وتعتبر نعمة توفيق ربة منزل أن الروتين والملل هما العنوان البسيط لحياتها "إذ اشترط زوجي قبل الخطبة ألاّ اعمل بعد الزواج ووافقته وقتها، فلم اكن اهتم بالعمل ومسألة تحقيق الذات وكنت اقول ان مملكتي الصغيرة هي زوجي وأولادي وهم أحق برعايتي، ولكن للأسف الشديد سرعان ما اثبتت الايام خطأ نظريتي فزوجي على رغم انه يعمل ساعات قليلة في اليوم، عندما يعود للمنزل يتناول طعامه ثم ينام ليصحو على موعد المسلسل التلفزيوني وينتقل بعده الى الكومبيوتر لساعات طويلة وعندما يفكر في النزهة يخرج مع اصدقائه الى المقهى". المجتمعات الشرقية أكثر عرضة للملل ويعلق أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة الدكتور محمد عبدالوهاب قائلا: "الملل الزوجي حالة تصيب الزيجات في مجتمعاتنا الشرقية، ويساعد على ذلك ان مفهوم الزواج عند الرجل والمرأة ينتهي باتمام الزواج، وينشأ الملل لانشغال الزوجين، كل بحياته الخاصة، وعدم وجود اي نوع من الحوار أو المشاركة في وجهات النظر، كما ان اختلاف الزوجين ومهنتيهما قد يؤدي الى عدم التقارب وحدوث نوع من عدم الوفاق، ولا شك في ان هذا الامر يتوقف على الطريقة التي تم بها الزوج من البداية، هل هو تقليدي ام انه زواج حب وتفاهم". و يوضح عبدالوهاب أن هذا الامر نشأ مع ظاهرة سفر الشباب للعمل في الخارج والعودة في الاجازات القصيرة لاتمام الزواج. وغالباً ما تكون الزوجة الموعودة فتاة ترتضيها اسرة الشاب المغترب وتوافق على السفر معه. وهذا ما يوجد نوعاً من عدم التأقلم والبرود العاطفي، الى جانب المشكلات المادية. وكل ذلك يؤدي الى تحول الحياة الزوجية الى مجرد اداء واجب، وهنا يتحول الزواج الى عبء على الطرفين ويفقد كل منهما حرصه على الاهتمام بشكله واسلوب تعامله مع الآخر، ولا يهتم بأبسط الاشياء التي كان يحرص عليها أثناء فترة الخطبة. ويؤكد استاذ الطب النفسي الدكتور عادل مدني أن الملل في الاغلب "شعور في العقل الباطن، ومجمل تصرفاتنا من دون وعي حقيقي ما يجعل الزوجة أقل رضى بواقعها، وربما يلجأ الزوج لنزوات عاطفية، فعلينا ان ندرك ان الملل طبيعة انسانية وانه شيء وارد ولكن كلما كان الشخص متسرعا وغير ناضج اجتماعياً ومتطلباته كثيرة وغير راضٍ عن حياته ومتشائم فهو اكثر عرضة له". ونبه مدني الى أن الملل يصيب الفئات الاجتماعية الاعلى والاكثر ثقافة، التي تتميز حياتها بنوع من التعقيد، ويكون لكل طرف متطلباته من شريك حياته في الثقافة والتفكير والمظهر والعلاقات الاجتماعية.