تبنت الحكومة اللبنانية في بيان وزاري عدداً من الأهداف التي تعتبرها رئيسية، منها: الخفض التدرجي لعجز الموازنة وخفض كلفة الدين العام من خلال عائدات التخصيص وتحقيق نسبة نمو اقتصادي منتظم، والحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال توفير الاحتياطات والأدوات اللازمة لمصرف لبنان المركزي مثل تخفيف أعباء القطاع العام بتقليل أعداد موظفي الإدارة، والأهم، تسريع خطوات التخصيص، الشرط الأساسي لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي فجرت الصراعات على مستوى قمة السلطة اللبنانية. وتقدر الحكومة اللبنانية واردات التخصيص المنشودة بنحو 5 بلايين دولار، منها بين 2 و3 بلايين سنة 2002 بعد بيع قطاع الهاتف الخليوي ومؤسسة كهرباء لبنان، و3 بلايين دولار من مشاريع تخصيص الهاتف الثابت وشركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت التي لا تزال ضمن ما يسمى بالمصالح المستقلة، وشركة المياه سنتي 2003 و2004. وحفظاً لخط العودة، اعتبرت الحكومة هذه الأرقام "تقديرية وغير نهائية"، بمعنى أنه بإمكانها الرجوع عنها ببساطة إذا لم تأت حسابات الحقل على حسابات البيدر بسبب ظروف ذاتية أو موضوعية ناجمة عن الأوضاع الاقليمية أو التجاذبات السياسية الداخلية وما أكثرها، والتي من المتوقع، حسب رأي المحللين السياسيين أن تستمر الى سنة 2004، أي سنة الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبعيداً عن المماحكات الجارية بين أصحاب القرار في الدولة اللبنانية وحلفائهم المحليين وامتداداتهم الخارجية، ومن دون الدخول في ما أشارت اليه بعض الدراسات التي أعدتها المؤسسات المالية المهمة التي عكسها تصريح لسفير الولاياتالمتحدة في لبنان، فنسنت باتل، الذي جاء فيه: "ان التخصيص في لبنان له بعد سياسي، وهنالك قلق مشروع من استبدال احتكار الدولة باحتكار خاص"، يمكن القول بأن برنامج التخصيص بصورته الاجمالية وبأهدافه المعلنة، لا يبدو بأنه سيكون، إذا ما نفذ حسب الخطة المرسومة والأدوات الموضوعة، قادراً على معالجة عجز الموازنة الهائل وحجم الدين العام الذي من المتوقع ان يتجاوز 32 بليون دولار في نهاية السنة، مشكلاً بذلك 186 في المئة تقريباً من اجمالي الناتج المحلي ومن دون الدخول في تفاصيل خدمة الدين. يضاف الى ذلك، استخدام كل طرف من الأطراف المتصارعة لتمرير برنامج التخصيص، وسائل ضغطه الخارجية الخاصة من حشد للطاقات المالية الفاعلة التي ترتبط معه بعلاقات مصلحية أو استنهاض حمية الحلفاء المؤثرين في الساحة الداخلية. فالمثل الأبرز على ذلك، الضغوطات المباشرة التي مورست من قبل مسؤولي صندوق النقد والبنك الدوليين عشية وخلال زيارة الوفد الرسمي اللبناني الى واشنطن بقيادة رئيس الحكومة رفيق الحريري. وقال هذا الأخير من العاصمة الأميركية، بعد اجتماع دام ساعة مع جيمس ولفنسون رئيس البنك الدولي: "انتقدونا بحدة على التأخر في التخصيص". تصريح ساهم يومها بزيادة حدة السجال الذي كان قائماً حول برنامج التخصيص برمته، لتنتقل الى حالة محددة تتعلق بتخصيص الهاتف الخليوي التي جرت معها اتهامات شخصية ومالية متبادلة سممت الأجواء وكادت أن تؤدي الى فرط العقد الهش الموجود على مستوى السلطة، لولا التدخل الحاسم كالعادة في الوقت الضائع للحريصين على عدم تفجير الموقف في ظل الظروف الاقليمية الدقيقة! إن مسألة التخصيص في دول العالم الثالث، من بينها لبنان، ليست من العمليات السهلة، نظراً لأثرها الاجتماعي بالدرجة الأولى، وعدم كفاية عائداتها لناحية حل المعضلات القائمة ولو جزئياً، وغياب مبدأ الشفافية في ظل وجود تشابكات مصلحية بين الأطراف المعنية. فيكفي ان نأخذ بعض العينات من تجارب هذه الدول، من ضمنها دول عربية، لتسليط الضوء على المخاطر التي يمكن أن تنجم عن التسرع ببيع أبرز مؤسسات القطاع العام اللبناني لشركات اجنبية معروفة، أو لجزء من القطاع الخاص اللبناني المقرب من دوائر القرار، أو لديه حظوة متميزة في موقع ما. ويخشى بعض الخبراء أن تتم عملية التخصيص بشكل مماثل لتقاسم السلطة والغنائم في الوقت الذي تستمر القوة الشرائية للمواطن في التراجع مقابل ارتفاع مستويات الفقر. التخصيص بسرعة وبأي ثمن قبل الشروع بأية عملية تخصيص، ومن دون الخوض بتكليف مؤسسة دولية مختصة بوضع الدراسات اللازمة كما هو سائد لرفع المسؤولية مستقبلاً، هنالك بعض الشروط المسبقة الواجب توفيرها حتى تتمكن هذه العملية من المساهمة بفعالية في نمو الاقتصاد. لكن الطريقة التي تتم من خلالها، والذي يحصل حالياً في لبنان، تختلف مع الأسف كلياً عن ذلك. فصندوق النقد والبنك الدوليين عالجا في السابق ولا يزالان هذه المسألة من زاوية ايديولوجية ضيقة تقضي بضرورة التخصيص وبسرعة، غير عابئين بالانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنجم عن هكذا خطوة. فالذين يخصصون بالسرعة الأكبر هم الذين يحصلون على العلامات الجيدة. لذا، فغالباً لم تجلب عمليات التخصيص وفق هذه الوتيرة الحسنات المرجوة. فالفشل الذي رافقها وردات الفعل العنيفة التي نتجت عنها، آخرها منذ أيام في البيرو بعد تخصيص محطتي كهرباء، أدت الى انتشار حال العداء لفكرة التخصيص من أساسها. يشار الى أن تأثيرات هذه المشاكل على الدول العربية كانت جد سلبية على رغم محاولات تغطيتها والضغط على وسائل الإعلام ودفعها لتجميل الصورة، وتكرار الحديث عن التجربة الرائدة على صعيد تحرير الاقتصاد ودخول اقتصاد السوق بثقة وادخال ثقافة الشفافية على النظام. فالغاء مؤسسات عامة أو بيعها كما حصل مثلاً في الجزائر ومصر والمغرب وساحل العاج أحدث فراغاً هائلاً وحرم عشرات الآلاف في كل بلد من مصدر رزقهم من دون ايجاد البديل أو تأمين تعويضات بطالة. ويرى خبراء صندوق النقد الدولي بأنه إذا كان الأهم هو التخصيص بسرعة، فإن مشاكل المنافسة والقوانين يمكن حلها لاحقاً. لكن الخطر هنا ينبع من زاوية أنه إذا انشأنا مصلحة خاصة، فإن الحوافز والأحداث المالية المبتكرة للحفاظ على الاحتكار تؤدي الى خنق المنافسة والقوانين في المهد، ناهيك عن زرع الرشوة داخل أطر الحياة السياسية. ان تخصيص احتكار غير مقونن يمكن أن يكون مربحاً للدولة على غرار ما حصل بين مجموعة "فيفندي العالمية" وشركة "اتصالات المغرب" حيث استبعد جميع المنافسين بطريقة التفافية وبيعت نسبة 32 في المئة من حصة الدولة بمبلغ 24 بليون درهم. وتتخوف شرائح من المجتمع اللبنانيان يأتي التخصيص على النحو المتسرع والمروج له ليس على حساب المستهلك فحسب، بل أيضاً على صعيد العاملين. ان قضية صرف العمال شيء معترف به في الدول الصناعية كونه يمكن التخفيف من وطأتها عبر أنظمة التعويض عن البطالة. الأمر غير موجود حتى الآن في لبنان وغالبية الدول العربية. يضاف الى ذلك أنه بدل معاودة النظر في توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص في اطار انتقال استراتيجية التنمية من النموذج الشمولي الى النموذج المحدد، المرتبط بتحرير القطاعات التي تعاني من صعوبات في التسيير والانتاج والنتائج، يلاحظ بأن مسار التخصيص كما هو مرسوم له في لبنان يهدف أولا وأخيراً الى تصفية المؤسسات العامة وجني الثمن لدفنه في عجز الموازنة بغض النظر عن كون الشركات الخاضعة للتخصيص رابحة أم خاسرة. فالاصرار الكبير على تصفية قطاعات أساسية مؤثرة في بنية المجتمع اللبناني ملفت ويطرح أكثر من علامة استفهام في المرحلة الحالية. ويلحظ بعض الخبراء أنه إذا تمت عمليات بيع هذه المؤسسات الحيوية أو بعضها للاجانب، فإن الثمن الاجتماعي سيكون باهظاً. ذلك لأن هذه الشركات الاجنبية، خصوصاً اذا كانت متعددة الجنسية، لن تأخذ هذا الجانب في الاعتبار، لأن واجب مديريها يتلخص بالدرجة الأولى بخدمة مصالح المساهمين عبر رفع قيمة اسهم هذه الدرجات الى حدودها القصوى في البورصة والتركيز على خفض الكلفة. وفي هذا السياق يؤكد جوزف ستيغليتز، الاقتصادي الاميركي، حامل جائزة نوبل، وأحد المستشارين السابقين للرئيس بيل كلينتون، أن "التخصيص يجب ان يندرج ضمن استراتيجية شاملة، تلحظ بشكل موازٍ التسريحات العمالية المكثفة مع خلق فرص عمل جديدة". نظريات تفاؤليه ووقائع مؤلمة ولا تخفي بعض الدراسات التي أعدها خبراء الاتحاد الأوروبي المعنيون بدول منطقة "مينا" ومن بينها لبنان، ان الظاهرة الأكثر اقلاقاً والمنتشرة هي الرشوة. فالمقولة النيوليبرالية تؤكد بأن التخصيص لا بد وان يخفض ما يسميه الاقتصاديون "البحث عن جني الربح الريعي". إلا أن من عادة الحكام تضخيم أرباح المؤسسات العامة المطروحة للتخصيص وحصر تنفيذ العملية وحتى العقود والوظائف بالمقربين منهم. فالتجربة اللبنانية في هذا المجال حتى اللحظة كانت واضحة مثلها في ذلك مثل الدول العربية الأخرى. من هنا تنبع التساؤلات التي يطرحها خبراء المؤسسات الدولية حول إذا ما كانت الحكومات مرتشية لأنه عندئذ لا شيء يثبت في ما إذا كانت عمليات التخصيص ستحل الأزمة الاقتصادية الموجودة. ومن التجارب التي ينبغي على المسؤولين في لبنان ان يضعوها نصب أعينهم اذا ما أرادوا التواضع والتعامل مع الوقائع وليس مع النظريات والعمل باقتراحات مستشاريهم الذين بدأوا يتسيسون، ليحوروا الحقائق وفقاً للافكار العزيزة على قلوب زعمائهم، تجربة المغرب في هذا المجال. ففي عامي 1996 و1997، تحديداً بعد الاستيعابات المؤلمة اجتماعياً وبنيوياً لانعكاسات تطبيق هيكلة اقتصاده المفروض في آن معاً من صندوق النقد والبنك الدوليين، أعلن المغرب عزمه على الشروع بتخصيص العشرات من شركات القطاع العام لتأمين مداخيل مباشرة تساهم في تصحيح بعض موازين الاقتصاد، التي تجاوزت ببعيد الخطوط الحمر. وترافق هذا الاعلان يومها مع حملة اعلامية خصصت لها موازنة ضخمة بهدف تسويق الفكرة داخلياً وخارجياً عبر جذب المستثمرين الاجانب، الأوروبيين منهم بصورة خاصة نظراً لكون المغرب كان دخل يومها في مفاوضات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه أجري تعديل على حكومة التكنوقراط كان بنتيجته استحداث وزارة التخصيص. ولم تنفع تهديدات النقابات ولا الاضرابات المتقطعة التي نظمت يومها في ثني اصحاب القرار في المملكة المغربية عن تصميمهم الذهاب الى آخر الشوط في هذه العملية الليبرالية التي سُرعت تحت ضغط صندوق النقد الدولي. وكان بنتيجة ذلك ان بيعت حصص الدولة في عدد كبير من مؤسسات القطاع العام الرابحة بغالبيتها الى شركاء أجانب بالدرجة الأولى ومحليين بالدرجة الثانية بأسعار أدنى من ثمنها الفعلي. ولم تتجاوز عملية البيع الاجمالية ما مقداره 36 بليون درهم الدولار يساوي 11 درهماً. مردود لم يمكنه من ان يحل المعضلة الاقتصادية القائمة. في هذا السياق، بيعت اسهم الدولة في "البنك المغربي للتجارة الخارجية" الذي كان يعتبر من أنجح المؤسسات المصرفية المغربية. كما أحدث بيع شركة اسمنت "سيور" الرابحة لمستثمرين سويسريين ضجة بسبب ضعف الثمن المدفوع من جهة وسيطرة هؤلاء مع آخرين أجانب على سوق الاسمنت في المغرب. وفي اطار تنويع الشركاء في برنامج التخصيص، بيعت مصفاتا "لاسمير" و"الشركة الشريفية لتكرير النفط" إلى مجموعة "كورال" السعودية - السويدية. وتسيطر هذه المجموعة منذ ذلك التاريخ على سوق تكرير النفط في المغرب الذي من المتوقع ان يحرر ابتداء من سنة 2003. الأهم في كل ذلك، هو استخدام عائدات التخصيص هذه في سد جزء من عجز الموازنة الذي ما لبث ان عاد الى مستوياته العالية في السنة اللاحقة. فكان ان ابتلع الدين الاضافي الذي طرأ بفعل ارتفاع الفاتورة النفطية من جهة، والجفاف الذي ضرب القطاع الزراعي من جهة اخرى، وتراجع مداخيل السياحة كذلك، هذه العائدات، في الوقت الذي خسرت فيه المملكة ممتلكاتها في أفضل شركات القطاع العام التي ذهبت الى الاجانب ولبعض المتمولين المغاربة الذي يرتبطون عضوياً ومالياً بمصارف وشركاء اجانب. فمنذ ذلك الحين، تؤجل الحكومات المغربية المتعاقبة تخصيص عدد من المؤسسات، في طليعتها "الخطوط الملكية المغربية". وإذا كانت التجربة المغربية وانعكاساتها السلبية انحصرت بعدم سد العجز في الموازنة وخفض الدين العام، إلا أن التجربة الجزائرية في التخصيص كانت مؤلمة على الصعيد العمالي. وأدى بيع بعض شركات القطاع العام وإقفال عشرات أخرى الى تسريحات جماعية وصلت الى أكثر من 100 ألف شخص من دون ايجاد بدائل عمل لهم، الأمر الذي زاد من حدة الوضع الاجتماعي حيث معدل البطالة يتجاوز 32 في المئة. ووعد رئيس الحكومة، الذي أعيد تكليفه بعد الانتخابات الاشتراعية الأخيرة، علي بن فليس، بانجاز برنامج التخصيص الموعود والمتضمن نحو مئة شركة من دون اعطاء أجوبة صريحة حول فتح الاستثمار للأجنبي في قطاعات الهيدروكربورات، وتتخوف الحكومة إذا ما أقدمت على خطوة التخصيص من أن يحدث انفجار اجتماعي يصعب ضبطه في المرحلة الحالية. وفي مصر تركت عمليات التخصيص آثاراً سلبية بحيث أن عدداً من المشترين المحليين والأجانب لم يلتزم تعهداته لناحية عدم التسريح وزيادة الأسعار على المستهلك وتطوير الشركات التي حصل عليها، إلى حد أن المواطن العادي بات يتهكم على طريقته بالقول: "باعوا الكرامة علشان العيش، آدي ضاعت الكرامة وضاع العيش". ومنذ نحو من عامين والحكومة المصرية تتردد في تنفيذ برامج التخصيص المعلنة على رغم الحاجة الملحة للعملة الصعبة لخفض العجز المتنامي في الموازنة والدفاع عن الجنيه المترنح وتأمين السيولة المطلوبة بإلحاح في السوق المالية، في الوقت الذي يشيع فيه صندوق النقد الدولي، الذي كان أول من شجع السلطات المصرية على الاسراع في تنفيذ برامج التخصيص اياً كان الثمن واياً تكن النتائج، بأن مصر أصبحت من الدول التي خرجت عن السكة Off Track. إن هذه التجارب المحددة يمكن أن تكون برسم لبنان الذي يُقدم مسؤولوه على تنفيذ عمليات التخصيص بأي ثمن والتباهي بأنها الوسيلة الوحيدة للتقليل من حجم الخطر المقبل، من دون الأخذ في الحساب الكلفة الفعلية المرتفعة للبلد، الذي يعتبره الخبراء غير مؤهل لتحمل تبعات هذه العملية لا في المدى القصير ولا في المدى المتوسط. فالوصفات التي يفرضها صندوق النقد على لبنان تعني تنفيذ الشروط من دون مناقشة. فعلى هؤلاء المسؤولين أن يعوا إذا كانت العولمة لم تخفض مستويات الفقر، فإنها لم تتمكن أيضاً من تأمين الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومن بين الأسباب التي دفعت بصندوق النقد إلى دعم التخصيص في الدول النامية، كون هذه الأخيرة لا يمكنها أن تكون بمعزل عن الضغوطات الدولية، فهو لا يقدم الأموال التي تحتاجها إلا إذا طبقت السياسات التقشفية المطلوبة المعروفة ب"الستاندرد": أي خفض العجوزات وزيادة الضرائب ومعدلات الفائدة التي تؤدي حتماً إلى انكماش الاقتصاد والخضات الاجتماعية. من هنا يمكن القول إنه بإمكان أي بلد، بدعم صندوق النقد، أن يعيش على الاستدانة في المدى القصير - هذه هي حال لبنان - لكن ساعة الحقيقة لن تلبث أن تدق بعنف. فالدول لا تستطيع العيش بصورة دائمة فوق قدراتها حتى ولو اعطيت لأمصال على شكل ودائع وترويج سندات دولارية. إن المبادرة المطروحة اليوم داخل أروقة البنك الدولي، كبديل عن "حقبة اقتصاد السوق المتوحش"، تتلخص بإعادة "اختراع دور الدولة"، أي بإعادة تركيزها على المجالات التي تقلص الفوارق الاجتماعية وتحافظ على المكتسبات في ميادين الصحة والسكن والتعليم، وعدم التخلي النهائي عن حصصها في مجال البنيات التحتية الأساسية: الماء والكهرباء والمواصلات. فإذا كانت هذه المؤسسة الدولية التي لعبت لعبة اقتصاد السوق في بداية عقد التسعينات قد تراجعت عن هذه الايديولوجية بعدما اكتشفت تأثيراتها السلبية، فالأجدر بالمسؤولين اللبنانيين أن يراجعوا مع أصدقائهم في البنك الدولي الأسباب التي دفعت إلى هذا التحول. * اقتصادي لبناني.