الجديد يولد من القديم، ويمر الزمن ليصبح الجديد قديماً. تلك هي الحياة بصورها المتجددة والمتناقضة، كثيراً ما اتساءل هل تخطانا الزمن؟ كل شيء تبدل، فلا الناس هم الناس، ولا الامكنة هي الامكنة، ولا العادات ما ألفناه واعتداناه. وهل بيننا وبين المتغيرات التي حصلت على كل صعيد تجانس؟ ولم التردد في رفضها وقبولها؟ أهو العمر والقِدم؟ أسئلة دارت في خلدي. وبعد بحث وتدقيق توصلت الى قناعة ان العصر يفرض شروطه وقوانينه عليك، قبلت أم لم تقبل. واللافت في عصرنا الايقاع السريع. انه سمة العصر. خذ الرياضة: سباق الجري، وسباق لاعبي الكرة، وسباق السيارات والدراجات، وسباق الخيل والفروسية. في الفن الاغنية تسمعها في خمس دقائق، سريعة اللحن والايقاع والموسيقى. وعلى وقعها الشباب، من الجنسين يرقصون بسرعة، ويتمايلون. يتداخل في رقصهم السريع شيء من الصخب والعنف، يدقون بأرجلهم على الارض، بأحذيتهم الثقيلة، فتهتز في رقص ايمائي اجسادهم، تتحرك في شكل آلي سريع يشبه "الربوت". من غرفة نومك تجول في عواصم العالم. وتنتقل في "طرفة" عين من قارة لأخرى، بواسطة "الدش"، الرحالة البريطاني، كابتن كوك، قطع المسافة بين بريطانيا واستراليا في ثمانية اشهر، المسافة ذاتها تقطعها اليوم في ساعات. تدخل مطعم الوجبات السريعة تجد فطورك وضع امامك في ثوان، وتتناوله مفسحاً المجال لآخر يحل محلك. من منزلك او مكتبك تعقد صفقة تجارية مع شركة اميركية او يابانية او صينية. "الانترنت" يجمع بينك وبين من تحب، من ولد او اخ او صديق مسافر، تراه وتحادثه كأنما انت واياه في غرفة واحدة. هذا التغيير صاحبه تغيير على صعيد الفكر والثقافة. في الشعر المنثور في اللغة والكتابة اساليب جديدة. الواقعية والرمزية والانطباعية والسريالية والحداثة وما بعد الحداثة شملت جميع صفوف الادب والفن، من رسم ونحت وتصوير وموسيقى ورقص وغناء. أما على الصعيد الاجتماعي فقد حدث تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية، لقد تبدلت علاقات الضيافة وحسن الجوار والتعاطف الانساني الحميم بين الاهل والاصحاب الى علاقات مادية بحتة حلت محل الاصالة والعراقة والطيبة. المال اصبح الشعار السائد عند معظم الناس، لقد انقلبت المقاييس في عصر العولمة. وتحول الانسان من لحم ودم وعواطف وأشواق الى صنم. طرابلسلبنان - محمد زهري حجازي عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين