لا بد أن يعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش شريكاً لرئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني. فهو تلكأ قبل أن يتدخل، واستقبل مجرم الحرب شارون في البيت الأبيض ثلاث مرات متجاهلاً الرئيس الفلسطيني، وتسامح مع شارون الذي عرقل تنفيذ خطتي ميتشل وتينيت بمواصلته اغتيال قادة فلسطينيين. والآن بعدما عرض بوش تصوره لحل في المنطقة يقوم على دولتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب في أمن وسلام ضمن حدود آمنة معترف بها، يرى العالم كله أن ما ترتكبه حكومة شارون من جرائم ضد الانسانية في الأراضي والمدن الفلسطينية مضاد تماماً لتصور بوش وقرارات الأممالمتحدة. والواقع ان شارون يكاد يفرغ من تنفيذ خطته لتدمير عملية أوسلو بأكملها وتقويض السلطة الفلسطينية ونسف البنى التحتية والمؤسسات الفلسطينية و"عزل" الرئيس ياسر عرفات. ومن الواضح أن شارون سيظل يرفض أي بعد سياسي لأي خطة سلام حتى لو كان مؤلفها حليفه القوي بوش. ليس من الصعب إقامة الدليل على عدم حرص شارون على تحقيق السلام مع الفلسطينيين. فهو، بدلاً من الامتثال لطلب بوش بأن يسحب قواته من الأراضي الفلسطينية يتحدث عن "تسريع" الهجوم، وبدلاً من أن يكون الانسحاب كاملاً يتحدث عن الانسحاب فقط من المدن التي ينتهي فيها الهجوم ثم الانكفاء في نهاية الأمر الى "مناطق أمنية" على طول "الخط الأخضر" بين الضفة الغربية واسرائيل. وستكون هذه المناطق وسيلة أخرى لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية. وإذا كان بوش قد نادى بوقف النشاط الاستيطاني، فإن شارون قرر أن يعين في حكومته زعيم الحزب الوطني الديني المتطرف الناطق باسم المستوطنين، آفي ايتام، المنادي ب"إعادة" بناء الهيكل اليهودي مكان المسجد الأقصى في القدس. وهكذا يكون شارون قد ضمن التهرب من التوصل الى أي تسوية سلمية ترغم اسرائيل على الانسحاب الى حدود حزيران يونيو 1967، بل وضمن استمرار الصراع في المنطقة لعقود كثيرة مقبلة ترسخ فيها اسرائيل احتلالها للأراضي العربية وتتحول الى "اسرائيل الكبرى". والرئيس الأميركي شريك لشارون في هذا كله لأنه يسمح ل"التصور" الشاروني بالتحول الى واقع على الأرض بدلاً من ترجمة قرارات الأممالمتحدة الى واقع ملموس ينهي الصراع ويحقق الأمن والسلام للجميع. بوش يطالب شارون بالانسحاب "من دون تأخير"، لكنه لا يحدد موعداً دقيقاً للانسحاب. ووزير خارجيته كولن باول يقوم بجولة واسعة ليعطي مهلة كافية للجيش الاسرائيلي لكي يخضع نابلس وجنين ويبطش بالفلسطينيين. وباول "مرتاح" لاستجابة شارون لنداء رئيسه بوش! نعم، بوش شريك لشارون لأن اهتمامه الأول منصب على ضرب العراق. وعندما لمس من القمة العربية في بيروت بوادر مصالحة عربية مع بغداد، أحس بضرورة تهدئة الوضع بين اسرائيل والفلسطينيين بعرض تصوّر لحل يعلم علم اليقين أن شارون لن يسمح بتنفيذه، لكنه قد يحيّد حكومات عربية في موضوع ضرب العراق. إنها السياسة الغربية المعهودة. للعرب ضرب معجّل ووعد مؤجل. ولاسرائيل التمويل والسلاح. طائرات "اف 16" ومروحيات "اباتشي" تضرب وتقتل وتدمر الناس والبيوت والمؤسسات وفرص السلام. إن هذه حرب صليبية جديدة.