"الدّامة" لعبة لا تقل اهمية عن "الشطرنج" ومتشابهة معها في تفاصيل كثيرة. وقد شهدت "الدامة" ازدهاراً في فترات زمنية مختلفة، حيث برزت اسماء كثيرة رمزاً لهذه اللعبة التي تحرك الذهن جيداً وتجعله يتنقل ضمن متاهات جميلة. انها لعبة تحتاج الى جهد ذهني كبير، ومن يجيد استخدام خططها جيداً، يشعر بأنه يمتلك قوة خفية في داخله، تخوله الوصول الى تخوم الاسرار الغامضة. واذا كانت "الدامة" لا تستهوي بعضهم، فإن كثيرين يتابعون كل جديد يطرأ على خطط هذه اللعبة. وثمة من يدمن عليها، والامر يعود الى قوة تأثير الخطط في ذهنية المهتم. فغالبية هذه الخطط تشبه حال حرب بين خصمين، لا يمكن أحداً منهما الا وان يشعر بنشوة النصر، بعد كل جولة لعب يغلب عليها الهدوء والتفكير، ومن يفكر ويخطط جيداً، يستطيع الوصول الى الانتصار. واذا كان غياب بعض كبار اللاعبين بسبب الوفاة يعتبر نكسة للعبة "الدامة" فإن بروز لاعبين جدد هو بمثابة ولادة جديدة لهذه اللعبة، ومن هذه الاسماء يبرز اسم المقدّم المتقاعد وهّاب حيدر واحداً من اللاعبين الكبار في لبنان ويُشكل حصناً ذهنياً منيعاً لا يمكن احداً اختراقه. فقد شكل وهاب حيدر حالاً فريدة في هذه اللعبة. تُلعب "الدامة" على رقعة مربعة بين خصمين بواسطة احجار تنقل على هذه الرقعة المؤلفة من 64 خانة مربعة متساوية المساحة ذات لون واحد، في حين يُعطى احد اللاعبين 16 حجراً لونها فاتح ويعطي خصمه 16 حجراً لونها غامق. قوانين "الدامة" ليست صعبة، ويمكن امتهانها بسرعة. لكن الصعوبة تكمن في طريقة ابتكار الخطط الهجومية ضد الخصم، وهذا الابتكار لا يمكن حدوثه بهذه السهولة الا بعد مخاض طويل في ممارسة اللعبة. ويقول وهاب حيدر: "يمكن اللاعب المحترف ان يبتكر الكثير من الخطط الناجحة التي يمكن ان تقضي على حجارة الخصم في لحظات معدودة. ولكن، خطة كهذه تستطيع القضاء على الخصم، لا يمكن ان تولد الا بعد جهد ذهني كبير وقراءة وافية لمساحة الرقعة التي تحتوي الاحجار، وهذا الجهد هو عمل ذهني نشيط تحركه ثقافة اللاعب وقدراته العقلية. فالدامة تحتاج الى نشاط ذهني كبير وقدرة اكبر على فهم واستيعاب حركة ال16 حجراً داخل الرقعة التي تحتوي 64 مربعاً صغيراً تتحرك ضمنها هذه الاحجار، وعلى اللاعب ان يرى، بذهنه لا ببصره كيف يمكن هذه الاحجار ان تتجمع في ما بينها لتشكل حصناً منيعاً ثم حالاً هجومية على الخصم". يتمتع وهاب حيدر بسجل ناصع لا تشوبه سوى بعض الخسارات مع خصوم اللعب، ومعظم سجله حافل بانتصارات لا تحصى ولا تعد، وهذه الانتصارات جعلته رقماً صعباً في مسار هذه اللعبة، فهو معروف في غالبية المناطق اللبنانية بأنه من اللاعبين الذين لا يُهزمون، واذا هزم في مباراة ما، لا ينام الليل ويُسخّر كل وقته للتفكير بهذه الخسارة وكيفية التغلب من جديد على الخصم: "في احدى المرات خسرت في مواجهة خصمي، وعندما رجعت الى منزلي شعرت بالكارثة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، فمكثت لساعات طويلة امام رقعة "الدامة" محاولاً تفحص الخطأ الذي ارتكبته وقادني الى الخسارة، وبعد جهد ذهني كبير استطعت تحديد سير العمليات التي اتبعتها اثناء اللعب مع خصمي واكتشفت الطريقة الاسلم والاسرع للانتصار". ويتابع قائلاً: "ان اي خسارة امام خصمي لا يمكن ان تتكرر معي ابداً، انما خسارة كهذه هي بمثابة درس فاعل يجعلني اكتشف المزيد من الخطط والهجومات". لكثرة تعلقه ب"الدامة" وعشقه لها، يسخّر وهاب حيدر معظم وقته للعب والتفكير وابتكار الخطط، ولا يتردد في الذهاب الى ابعد المناطق لمواجهة اي خصم محتمل، خصوصاً اذا سمع بوجود لاعب جديد مخضرم ولم يلتقه قبلاً. اما شعور حيدر اثناء اللعب فهو اشبه بقلق مفتوح على كل مفاجآت اللذة والمتعة والانشراح: "اثناء اللعب اشعر بقوة سحرية في داخلي تأخذني الى ملكوت العاطفة والقوة والثقة بالنفس، يمتزج هذا الشعور ببعضه فيعطيني دفعاً قوياً باتجاه الأمل". كلما اجهز وهاب حيدر على خصمه هو دائماً هكذا يشعر بأن، لا خصم قوياً في مواجهته، فهو يحتاج الى خصم قوي يتباهى بالانتصار عليه، ويعترف انه يعاني وجود اخصام ضعفاء في وضع الخطط، اذ يغلبهم دائماً، وهو يتحين الفرصة ويتمناها، وهي مواجهة "كاسباروف" الدامة نسبة الى كاسباروف بطل العالم بالشطرنج. ربما كان وهاب حيدر هو كاسباروف لبنان في الدامة، والارجح انه كذلك.