"مارد الغناء"، العندليب الأشقر"، "مطرب العاطفة والحب"، "سوبر ستار"، "أسطورية الصوت"، "صاحبة الصوت المعجزة"، "المطرب العربي"، "رائد الأغنية الجديدة"، "المجدد في الغناء العربي"، "معجزة القرن المقبل"، "سلطان الطرب"، "المطرب المميز"... ألقاب كثيرة لا تنتهي تنهال على مسامعنا في كل لحظة. وكل من يعرف التفوّه بكلمة آه، نال لقباً من بعض "المراجع" التي تنصّب نفسها ناقدة للفن ومكتشفة للمواهب! فكل يوم يبرز اسم جديد في عالم "الغناء"، وفوراً يحمل لقبه - المتمّم لصوته... ويرتاح هذا الملقَّب بفتح القاف بلقبه ويطمئن الى مستواه "الطربي"!. شبكة هائلة من الألقاب الفنية تطرح على مدى ساحة الغناء الدارجة اليوم، يحتار المستمع بين هذه الألقاب ويضيع في زحمة الغناء العظيم! فمن يتمعّن في معنى كل لقب من هذه الألقاب، لا بدّ له من أن يجد نفسه في عالم جمالي يستعصي على الوصف. ولكنه اذا استمع الى أصوات معظم هؤلاء سيجد صوت الملقّب في مكان، ولقبه في مكان آخر، لا جامع بينهما إطلاقاً، بل سيصاب "المستمع" بالذهول أمام التناقض الذي يسمعه. فمعظم من يحمل هذه الألقاب يتمتع بصوت عادي أو هزيل، وأحياناً لا صوت له، وألحانه لا يمكن ان تؤسس لأغنية معقولة، ناهيك بكلمات اغنياته التي لا تتعدى حدود اغنيات الاطفال. هكذا يتمترس "فنان آخر زمن" وراء اللقب الذي كسبه بسهولة. يخرج الى الناس شاهراً حضوره الذي يظن انه حضور طربي. يصرّ على الغناء على رغم كل محاولاته المتطفلة على الطرب. والأنكى ان هناك من يساهم في ابراز هؤلاء وفرضهم على السمع والنظر وتالياً، يمسّ قدسية الغناء بكثير من السوء. ولا يمكن لأي مستمع، مهما كان ذوقه الفني، أن يقبل بهذه الألقاب الدارجة اليوم على ساحة الغناء السريع. والسبب الأساسي في هذا الرفض هو ان غالبية هذه الألقاب لا تنطبق على أصحابها. هناك فعل انتحال صفة دامغ، بل ان معظم من يحملون هذه الألقاب لا يمكن اعتبارهم اصحاب أصوات تؤهلهم للغناء، ويفتقدون أبسط مقومات المطرب. ولا بد من التساؤل: كيف كسحت الألقاب الفنية ساحة الغناء اليوم، في حين أن هذه الساحة تفتقر إلى الأصوات والمواهب؟ هل هي ظاهرة الفضائيات والصحافة الفنية التي تحتاج إلى بضاعة للاستهلاك اليومي؟ فلنلاحظ مثلاً أن أكبر الفنانين العالميين لم يتشرّف بالحصول على ما يوازي تلك الألقاب الطنانة... وهناك ملاحظة أخيرة هي أن الألقاب الفنية، المنتشرة بكثرة هذه الأيام، تذكّرنا بتلك الألقاب التي انتشرت في أيام الحرب الأهليّة اللبنانيّة مثل "أبو كفاح"، "أبو الجماجم"، "كوبرا"، "أبو الهول"، "الكاوبوي"، "أبو الساطور"... فما أشبه اليوم بالبارحة على رغم الفوارق الشاسعة بين فوضى الحرب وفوضى الغناء.