عاد اسم "أبو زبيدة" الفلسطيني يتردد ضمن المعتقلين الذين يشتبه في علاقتهم بتنظيم "القاعدة" والذين ألقي القبض عليهم في منطقة فيصل آباد الباكستانية أخيراً. وكان أبو زبيدة أو زين العابدين محمد حسين قد برز اسمه في أعقاب مقتل المسؤول العسكري ل"القاعدة" أبو حفص المصري محمد عاطف خلال القصف على قندهار قبل سقوط نظام حركة "طالبان" الأفغانية، اذ افيد انه تولى منصب القائد العسكري للتنظيم. واتسمت شخصيته بالغموض بحسب كل من عايش فترة الجهاد الأفغاني ضد القوات السوفياتية في الثمانينات، لكنه اكتسب في المقابل شعبية وسط الأفغان العرب الذين عاصروا تلك الفترة. وقال أحد الأفغان العرب القدامى ان "أبو زبيدة اتسم بالبساطة والهدوء ونوع من الغموض والثقة بالنفس. واستطاع نسج علاقات متميزة مع كثير من الخليجيين الذين قدموا إلى الجهاد، نظراً إلى أنه ولد من عائلة فلسطينية ثرية في الخليج، وهو رجل عملي يحب أن ينفذ كل شيء بنفسه من دون الركون إلى الآخرين". برز "أبو زبيدة" الذي هو في أواخر الثلاثينات من عمره، خلال السنوات القليلة الماضية. وتضاعفت أهميته بعدما تحدثت الأوساط الأمنية الأميركية عن تسلمه منصب المسؤول العسكري في تنظيم "القاعدة"خلفاً ل"أبو حفص". وتشتبه السلطات الأميركية في دوره بتنسيق مؤامرة واسعة كان من المقرر تنفيذها لمناسبة الاحتفال بالألفية الثانية في كانون الأول ديسمبر 1999، وتستهدف سائحين إسرائيليين وغربيين في الأردن. وأحبطت المؤامرة واعتقلت السلطات الأردنية 13 شخصاً، ولكن "أبو زبيدة" تمكن من الفرار إلى أفغانستان. وادرج اسمه على لائحة الارهاب الاميركية التي تشمل اسماء المطلوب تجميد حساباتهم بناء على مرسوم الرئيس الاميركي جورج بوش الصادر في 23 أيلول سبتمبر الماضي. وكان الفرنسي الجزائري الأصل جمال بغال ابلغ المحققين لدي اعتقاله في الإمارات أن "أبو زبيدة" هو الذي جنده في أفغانستان لتحضير اعتداءات ضد المصالح الأميركية في فرنسا، قبل أن يعود وينفي هذه التصريحات. وكذلك يشتبه في ان يكون "ابو زبيدة" مرتبطاً بمشاريع اعتداءات على مطار لوس أنجليس أو السفارة الأميركية في ساراييفو، كما أفادت "نيويورك تايمز" امس. ووصفه احد الذين عرفوه بالقول انه "شاب قوي البنية رياضي الجسم أقرب إلى النحافة، أسمر ووجهه غير ممتلئ، يصل طوله إلى 175 سنتيمتراً تقريباً". ونفى كثيرون تعمقه في القراءة الشرعية أو السياسية ونحوها، إلاّ أنهم لاحظوا أنه كان يتابع الأخبار بدقة من خلال الإذاعات و الصحف. وكشفت مصادر باكستانية أمنية في بيشاور أيضاً أن "أبو زبيدة الفلسطيني" ربما جاء في منتصف الثمانينيات إلى باكستان بهدف الجهاد حين كان زعيم تنظيم "القاعدة" بدأ يستعد حينها للعمل بشكل مستقل عن الأفغان العرب الآخرين، الامر الذي تمثل حينها في تأسيسه "مأسدة الأنصار" خلال معارك جاجي الشهيرة في رمضان عام 1987. ويبدو أن "أبو زبيدة" طوال فترة الجهاد الأفغاني الذي كان فيه صغيراً في السن نسبياً، لم يكن يتردد كثيراً على بيشاور التي أطلقت عليها بعض الأدبيات العربية آنذاك ب"بوابة الخلافة المفقودة"، ولذا فقد ظهر نشاطه بين الشباب العرب مطلع التسعينيات. وقال أحد الباكستانيين الذين كانوا يقطنون في حي "فيز اربعة" الذي سكن فيه: "كان شخصاً عادياً ودوداً يمتلك سيارة عادية وقديمة نسبياً من طراز تويوتا، ويسلم على الجميع حين خروجه ودخوله إلى البيت، ولم يكن هناك ما يستدعي القلق في شخصيته، فقد ظهر لنا أنه عادي ولكن كان يتردد عليه الكثير من الشباب العرب وبقي في هذا الحي من ضاحية حياة آباد الراقية في بيشاور حتى عام 1997". وكانت السلطات الأمنية الباكستانية بدأت في ذلك الوقت حملة مطاردات ومداهمات ضد الأفغان العرب وخصوصاً من يشتبه في علاقته بنسف السفارة المصرية في إسلام آباد. وانشغل "ابو زبيدة" ب"القاعدة" إذ كان يلعب بحسب بعض المصادر العربية في بيشاور دور "التحريض على التدريب، خصوصاً وان اقامته في الخليج أفادته في نسج علاقات مع الشباب الخليجيين الذين كانوا يترددون على بيته والذي كان بمثابة بيت للضيافة. وقال مصدر أمني باكستاني: "حين علمنا بخطورته في منتصف عام 1997، حاولنا اعتقاله لكنه لم يكن في منزله، وربما أحس بذلك فاختفى ولكن علمنا لاحقاً أنه عبر الحدود الباكستانية إلى أفغانستان حيث كانت تسيطر حركة طالبان". وقالت بعض الأوساط الأفغانية المطلعة: "سمعنا الكثير قبل سقوط نظام حركة طالبان أن أبو زبيدة كان يتجول في الشرق الأفغاني وقد نسج علاقات قوية مع قبائل أفغانية، اضافة إلى إشرافه على تدريب الأفغان العرب" في معسكرات تدريب أقيمت منذ أيام الجهاد الأفغاني وتحديداً في منطقة خلدن وسلمان الفارسي وكذلك جهاد وال وغيرها. لكن ستبقى مسألة تسلمه هذا المنصب الحساس في "القاعدة" محل تكهنات وتوقعات في ظل تكتم التنظيم على أسماء مسؤوليه.