اذا كان الفرنسي الانيق ميشال بلاتيني لم يحظ قط بشرف الفوز بلقب بطل كأس العالم عبر تاريخه الكروي المزدهر، فان اختياره رئيساً للجنة المنظمة العليا لمونديال 1998 كان بمثابة التعويض الملائم لما قدمه هذا اللاعب المميز في عالم كرة القدم. وعلى رغم غياب هذه الجائزة المهمة من السجل الذهبي للبطل الفرنسي، فان احداً لا يمكن ان ينكر جهوده الكبيرة في رفع اسم بلاده عالياً في هذا المحفل العالمي ما يبقيه احد اهم اساطير اللعبة عبر تاريخها الطويل. واشتهر بلاتيني بقدرته على قراءة ما يدور في الملعب سريعاً، وتوجيه رفاقه الى اتخاذ المواقف الملائمة لافساد هجمات منافسيهم... فضلاً عن قدراته الفائقة في ارباك مدافعي الخصوم ببراعته في المراوغة والتمويه، وحسن استغلاله لأنصاف الفرص وترجمتها الى اهداف حاسمة في احيان كثيرة. وهو عرف كيف يدخل قلوب مشجعيه ليس فقط بفضل موهبته الكروية، وانما ايضاً لخلقه الرياضي القويم واناقته داخل الملعب وخارجه. ولد بلاتيني، وهو من اصل ايطالي، في مدينة فرنسية صغيرة اسمها جوف، وبدأ مسيرته الكروية في نادي أيه أس نانسي لوران ثم انتقل الى سان اتيان قبل ان ينتقل الى ايطاليا ويلعب لفريقها العريق يوفنتوس. وهو قال دوماً في هذا الصدد:"لقد بدأت حياتي الكروية في أكبر نادٍ في مقاطعة لورين، ثم لعبت مع أقوى فريق في فرنسا، قبل أن اختتم مسيرتي في أشهر فريق في العالم". وشارك النجم الفرنسي، وهو من بين أشهر من ارتدى الرقم 10 في العالم، في أول مونديال عام 1978 في الارجنتين وهو في عمر الثالثة والعشرين. وعلى رغم خروج فرنسا من الدور الاول بعدما أوقعتها القرعة في مجموعة حديد ضمت الى جانبها اصحاب الارض وايطاليا، فان بلاتيني اكتسب خبرة مهمة جداً افادته كثيراً في مشواره الكروي الطويل. وفي عام 1981، وتماماً كما فعل قبل اربع سنوات امام بلغاريا وبعد اربع سنوات امام يوغوسلافيا، سجل بلاتيني هدفاً حاسماً في مرمى هولندا أهل به بلاده الى مونديال عام 1982 في اسبانيا. وفي هذه السنة تحديداً، بدأ النجم الفرنسي في حفر اسمه في تاريخ كرة القدم المبهر. فهو انتقل الى يوفنتوس قبل اشهر قليلة من انطلاقة المونديال، ما منحه اصراراً غير عادي في اثبات ذاته وتأكيد احقيته باللعب في افضل فريق في العالم في تلك الاونة. وهو استطاع ان يقود فرنسا الى الدور نصف النهائي حين واجهت المانيا في مدينة اشبيلية بعد مباراة بقيت خالدة في ذاكرة التاريخ الكروي. لكنه حقق الانجاز الاكبر لبلاده حين قادها في عام 1984 الى الفوز بأول لقب كبير لها الا وهو كأس الامم الاوروبية، بعد ان سجل 9 اهداف ولا اغلى. ثم كرت سبحة الانجازات وانما مع ناديه الايطالي اذ فاز مع "السيدة العجوز" بلقب الدوري المحلي مرتين، وكأس ايطاليا مرة واحدة، وكأس الكؤوس الاوروبية مرة واحدة، وكأس الاندية الابطال مرة واحدة، والكأس السوبر الاوروبية مرة واحدة، والكأس القارية مرة واحدة. وهو توج هدافاً للدوري الايطالي 3 مرات، وحصل على الكرة الذهبية التي تمنح لافضل لاعب في اوروبا ثلاث مرات متتالية. وفي عام 1986 شارك بلاتيني مجدداً في نهائيات كأس العالم في المكسيك، بيد ان المانيا اكدت تفوقها حين التقيا مجدداً في الدور نصف النهائي ايضاً بعد لقاء قال عنه النجم البرازيلي الأشهر بيليه: "انها مباراة القرن". وبعداعتزاله عام 1987، قاد منتخب بلاده مدرباً ومنح الفرصة لمجموعة من اللاعبين الشباب ابرزهم ديدي ديشان واريك كانتونا وجان بيار بابان. ونجح هذا الجيل الجديد في احداث فورة في الكرة الفرنسية، وحققوا سلسلة طويلة من الانتصارات امتدت من عام 1989 الى عام 1992 من دون ان يتعرضوا لأي هزيمة خلال هذه الفترة وبلغوا نهائيات كأس الامم الاوروبية في السويد... بيد ان بلاتيني استقال من منصبه بعد فشله في تجاوز الدور الاول في البطولة ذاتها. وعندما منحت فرنسا حق استضافة مونديال 1998، استدعي بلاتيني مجدداً لتولى مهمة قومية جديدة: رئيس اللجنة المنظمة العليا للبطولة بالتعاون مع فرناند ساستر مهندس ملف الترشيح الفرنسي. وكعادته سخّر كل طاقاته من اجل تحقيق النجاح المنشود، وهو ما حصل فعلاً. وهو يشغل حالياً منصب نائب رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، الى جانب كونه مستشاراً لرئيس الاتحاد الدولي السويسري جوزف بلاتر.