انها مجلة الطلاب السوريين الالكترونية التي تسعى لأن تتحول الى منبر شبابي يعكس مختلف هموم الشباب السوري، وكما تتضمن المجلة عفوية الشباب وتلقائيتهم تتضمن ايضاً نزقهم، هذا الامر يزيد من شبابية الموقع ومن حرارة موضوعاته. رقم 48"2 له دلالات تخص طالب الجامعة في سورية، فعندما ينال الطالب 48 درجة في الامتحان تضاف درجتان تلقائياً مساعدة ليتسنى له النجاح بالحد الادنى وهو خمسون درجة. وربما جاء اختيار طالب الطب أيمن هيكل الرقم اسماً لمجلته الإلكترونية، تعبيراً عن المستوى التعليمي في الجامعات السورية. فقد يحتاج الواقع التعليمي الى درجتي المساعدة لينجح في تحقيق الحد الادنى لتأهيل الشباب الجامعي. مجلة 48"2 الإلكترونية في موقع "داماسكس أون لاين"، يعرفها صاحبها بأنها أول موقع طالبي سوري على الانترنيت، يهدف الى تحقيق التواصل بين طلاب الجامعات السورية ومناقشة القضايا التي تهمهم، كما يتيح المجال لهم للتعبير عن آرائهم بحرية. ويعتمد الموقع في مادته الصحافية الأساسية - مقالات الرأي والتحقيقات والاخبار الخاصة بالشباب - على مختارات من الصحافة العربية المطبوعة والالكترونية، ويحتل ملحق الشباب في صحيفة "الحياة" الحيز الأكبر من تلك الاختيارات، الى جانب بعض الصحف المحلية السورية كصحيفة تشرين. ويعكس ذلك في أحد جوانبه تفاعل الشباب كجمهور متلق مع ما يكتب عن قضاياه في الصحافة عموماً. كما يشير الى الكتابات الأقرب الى همومه الحقيقية وميوله الحياتية. مشاركة الآخرين وبامكان متصفح المجلة الطالبية التعرف الى الواقع التعليمي السوري من وجهة نظر المعنيين بها، من خلال صندوق الشكاوى الذي يقدمه الموقع كبديل من صناديق الشكاوى الغائبة عن الجامعات، وايضاً غياب المهتمين بتلك الشكاوى. ومن المفارقة تأكيد المجلة ان تلك الشكاوى لن تصل الى من يجب ان يسمعها، الا ان الفائدة الوحيدة المضمونة من هذا التشكي هي مشاركة الآخرين همومهم والتعرف الى مشكلاتهم إذ تلح المجلة على الزائر ان يكتب عن كل ما يجده معيباً أو غير مناسب، وان ينتقد بحرية أي شيء. القضايا التي يحتويها الصندوق كثيرة ولعل أهمها ما يدور عن ضعف الجهاز التدريبي وفساد بعضه، وايضاً انتهاء صلاحية المناهج المقررة. وطالب أحد الطلاب وزير التعليم العالي بالنظر الى المناهج مشيراً الى ان بعض الكتب تدرس منذ أواسط السبعينات وسائلاً باستغراب: فمنذ متى ونحن نعيد طباعة تلك الكتب؟ بينما يمضي البعض نحو مناقشة قضية اخرى طرحها الموقع للتصويت على مدار اشهر عن الغاء مقرر الثقافة القومية. وعلق على ذلك طالب تحت اسم مجهول بقوله: في بداية العام الدراسي كانت هناك مناقشات في وزارة التعليم العالي والجامعات في إلغاء هذه المادة بالاضافة الى الغاء مادتي اللغة العربية والانكليزية وجعل أحد المقررات الاختصاصية باللغة الانكليزية، وبالفعل من خلال سؤال بعض القائمين على ذلك، تبين ان الغاء المادتين بات مؤكداً بنسبة 99 في المئة. ولكن فجأة ومن دون مبرر تم تعليق الامر للسنة التالية. لماذا لا احد يعلم. يبدو أنهم شعروا بأنه عندما تلغى هذه المادة فان العشرات من أساتذة الثقافة سوف ينقطع رزقهم، ونحن نقول قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق!. طالب سابق في جامعة دمشق يدرس الآن في الخارج لم يكتم معاناته وتحدث بسخرية مرة عن تجربته مع مقرر الثقافة القومية مصرحاً: أضم صوتي الى أصوات الزملاء الذين يطالبون بالغاء مادة الثقافة القومية الاشتراكية. أعتقد ان هذه المادة فقدت الغاية منها التي هي حب الوطن، فكلمة "ثقافة" أو "قومية" أصبحت كالحلم المزعج أو كالكابوس. وأود التنويه الى ان هذه المادة وأساتذتها كانوا من الاسباب الرئيسة لجعلي أبتعد عن الوطن وأفضل الدراسة في الخارج. ويتحدثون عن هجرة العقول!!! في بعض النقاشات يبدو توصيف الطلبة لمشكلاتهم مبالغاً فيه كحال مستعصية وعقيمة. فأحدهم يدلي برأيه في الموضوع ذاته غامزاً من قناة الاساتذة عبر طرحه تساؤلاً: "إلى متى تبقى جامعتنا تدرس مقررات ليست لها علاقة بالاختصاص؟ أنا طالب في كلية الطب في جامعة حلب، لماذا أدرس الثقافة القومية الاشتراكية؟ ويا ليت عندما يدرسها الطالب ينجح من دون الحاجة الى معجزة، أو دعاء ليكون استاذ المقرر راضياً في اليوم الذي يصحح فيه أوراق الامتحان، أو من دون اللجوء الى أقصر وأسهل الطرق للنجاح من اول مرة من دون دراسة... وما عدا ذلك فليس أمام الطالب سوى انتظار الفرج لمدة 5 دورات على الأقل". وإذا ما طالعتنا تلك اللغة المصابة بالتعميم الحالك، لا نستغرب أن يطل أحد الشبان ليعلن ببساطة متناهية: مرحبا، أحببنا ان نبلغكم ان كلية طب الاسنان ستغلق قريباً بسبب انتحار جميع الطلاب أو دخولهم مستشفى المجانين!! صندوق شكاوى وباب حديث الاربعاء لا تنأى أجواؤه عما يرد في صندوق الشكاوى سوى أنه يستمد خصوصيته من تسميته التي لا علاقة لها بكتاب حديث الاربعاء لطه حسين - بحسب توضيح الموقع - بل ترتبط بمعاني الاربعاء لدى السوريين، كونه يوم عيد الحماصنة وفق النكتة الشعبية الرائجة. ومع ان ما يرد من مقالات في هذا الباب لا ينم عن جنون أو لا عقلانية الا من جانب التعميم والقاء كامل المسؤولية على عاتق الاساتذة والمسؤولين، فان الطالب يبدو وكأنه دائماً على حق مهما كان كسولاً. فحين يصيب حديث الاربعاء غياب اللغة العربية عن مواقع الجامعات السورية على الانترنت المفتقرة الى اساسيات التخديم المعلوماتي الخاص بها، كونه يتناقض مع سياسة التعليم في سورية الهادفة الى تعزيز تعريب المصطلح العلمي وتدعيم اللغة العربية. اللغة العربية نسمع آراء اخرى من الطلاب عبر حديث الاربعاء أو صندوق الشكاوى عن عدم أهمية اللغة العربية كمقرر لغير المتخصصين يدرس في الكليات كافة. ومما يؤسف له حقاً ان هذا الموقع الطلابي الجيد والمتميز، لا يعني باللغة العربية بشكل جدي فينشر رسائل الزوار على نحو لا ينم عن ان كاتبيها طلاب جامعة، بل ربما هم أجانب يتعلمون اللغة العربية حديثاً، وبعض الرسائل تعاني من ركاكة في تركيب الجملة، فتكتظ نصوص قصيرة باخطاء لغوية ونحوية وإملائية كثيرة، تحرف المعنى المراد ايصاله. وهذا ما يفقد تلك المناقشات الكثير من صدقيتها. فاذا كان الطالب الجامعي لا يمتلك ناصية لغته الام في أبسط مستوياتها للتعبير عن نفسه وطرح مشكلاته، فكيف يتمكن من كسب ثقة الآخرين في ما يطرح من مظالم ومعاناة من المدرسين؟ أليس الافتقار لأدوات التعبير الاولية، دلالة قوية على نقص، ربما كان صاحبه غير مستعد لتلافيه أو أنه لا يعيه اساساً؟ ومن المستغرب نظرة بعض الشباب الى اللغة العربية كتحصيل حاصل في الكليات العلمية، بالاضافة الى عدم اقرار الطلبة بتقصيرهم وتحمل، ولو جزء بسيط، من المسؤولية عن وضعهم العلمي المتردي، فيطالبون الجامعة بوضع حلول منطقية ومتكاملة تعوض تقاعسهم. ومع ان ذلك لا ينفي ان الجامعات السورية تعاني من أمراض كثيرة، لكن لا يعفي جيل الشباب اليوم في غالبيته من تهمة الاستسهال واللامبالاة. فالى أي حد يمكن الوثوق بنتائج الاقتراعات التي يجريها الموقع عندما يفضل الدراسة خارج سورية 81 في المئة من اصل مجموع 332 شخصاً، مقابل 9 في المئة فقط يرفضون الفكرة، أو عندما يسألون عن ثقتهم بقدرات أساتذتهم التدريسية فتأتي النتيجة 80 في المئة لا يثقون مقابل 20 في المئة يثقون. ومع ان لهذه الارقام دلالات خطيرة الا انه لا يمكن التسليم بها كتمثيل لوعي موضوعي، اذ ان التعميم كسمة رئيسة لخطاب الشباب - بحسب الشريحة المتفاعلة مع الموقع - يجعل آراءهم موضع تساؤلات يجدر العمل لإيجاد إجابات عنها، من خلال تحليل مفردات اللغة الشبابية المحبطة ومضامينها وهو ما يناقض المتوقع من الشباب كحامل رئيس للتفاؤل والأمل وحب الحياة في أي مجتمع لا على التعيين، فعلى رغم روح الدعابة والسخرية التي تظلل مجلة 48"2، نشعر بمرارة الخيبة التي يعيشها الشبان السوريون وكأن أحلامهم تولد ميتة، وما حيويتهم وحماستهم الظاهرتان في ذلك الموقع سوى انعكاس فطري لمرحلة الشباب، اذ تمثل لهم المشاركة في المجلة فسحة ضيقة للتنفس بحرية، وقول ما يحلو لهم مع الحرص على التخفي تحت اسم مستعار. ولعل هذه الميزة التي تتيحها الانترنيت ترفع سقف المكاشفة والشفافية في الحوار الذي يفترض تواجد كل الاطراف المعنية بموضوع الجدل، وهذا ما تتطلبه مجلة 48"2 لكي تحقق تواجداً فاعلاً على صعيد المجتمع الطالبي. فلا يكفي ان يزور الموقع آلاف الطلبة ويشكون همومهم لبعضهم بعضاً، وإنما لا بد من مشاركة الاساتذة المعنيين في الجامعة، والدفاع عن أنفسهم في سبيل الوصول الى تكوين رؤية واقعية للعلاقة بين الجهاز التعليمي والطلبة. لكن بما ان الانترنيت في سورية لم تحقق انتشاراً شعبياً على نطاق واسع حتى الآن تبقى محاولات اصدار صحافة الكترونية محدودة ضمن شريحة مستخدمي الانترنيت ما بين الساحة المحلية والساحة الخارجية، فمثلاً أكثرية المتفاعلين مع الموقع طلبة يدرسون في الخارج، وهو ما جعل المجلة تولي عناية بالطلبة المغتربين عبر باب غربتلية لتسد بذلك ثغرة في الصحافة المحلية التي عدا كونها لا تعنى بالمغتربين كما يجب فهي لا تصل الى الجاليات السورية في المغترب الا على نحو ضئيل. في باب "غربتلية" يقرأ المغترب الاخبار التي تعنيه في بلده كما يقرأ الطلبة السوريون اخبار المغتربين ويستقبلون آرائهم واقتراحاتهم وأهمها ما يتعلق بالاتفاقيات مع الجامعات العالمية، وعلى رغم الايجابيات الجمة لهذا التفاعل، فهو لا يكفي كون الأولوية للساحة المحلية. ومن باب الانصاف القول: ان موقع "داماسكس أون لاين" الذي ينهض به وحيداً طالب جامعي، يقدم رؤية اعلامية على مستوى جيد من النضوج، قياساً الى الامكانات المتاحة، وايضاً بالنظر الى ما تقدمه المواقع الشخصية الشبابية في البلدان العربية الاخرى، التي تتسم غالبيتها بالطرافة والعبث، بينما تمضي مجلة الموقع نحو اهدافها بجدية ورصانة تؤهلها لتكون مجلة شبابية طالبية مستقلة وحرة ناطقة بلسان حال الطلاب السوريين، وهو ما يوجب تشجيعها لتطوير أدائها ودفعها نحو مزيد من الموضوعية، فهي بدون شك ثمرة لبذرة خلاقة في نفس شباب سوري لم "يحالفه" اليأس بعد حتى لو كان شعاره 48"2.